عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    تعزيز جديد في صفوف الأهلي المصري خلال مواجهة الترجي    طبرقة: المؤتمر الدولي لعلوم الرياضة في دورته التاسعة    سوسة: وفاة طالبتين اختناقا بالغاز    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    اليوم.. انقطاع الكهرباء بمناطق في هذه الولايات    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    معرض تونس الدولي للكتاب : أمسية لتكريم ارواح شهداء غزة من الصحفيين    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    عمار يطّلع على أنشطة شركتين تونسيتين في الكاميرون    توزر.. مطالبة بحماية المدينة العتيقة وتنقيح مجلة حماية التراث    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الفيفا يهنئ الترجي ع بمناسبة تاهله لمونديال الاندية 2025    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص بناء نيوز :أبو يعرب المرزوقي يكشف أعداء الثورة وإمكانية إفساد خططهم

أعداء الثورة من هم ؟ وكيف يمكن أن نفسد عليهم خططهم ؟
لا بد من مصارحة الشعب
لو كان أصحاب الثورة قد حددوا طبيعة المضادين للثورة تحديدا يمكن من وضع خطة واضحة لما كان بوسع أعدائها أن يعطلوا مسيرتها بالحد الذي نلحظه حاليا في تونس ومصر وليبيا فضلا عما يجري في سورية وفي كل بلاد العرب الأخرى منعا لحدوثها عندهم ومحاولة للتآمر عليها عندنا.
لذلك فإني عائد منذ نصي التقويمي الأخير لأستأنف ما كنت أقوم به من نضال بالقلم بمتابعة شبه يومية لأحداث الثورة والكتابة في ما يمكن أن يساعد شباب الثورة الذين لم يبق سواهم للدفاع عن الثورة بعد أن غرقت الأحزاب في مناوراتها وحساباتها الضيقة مساعدتهم على فهم ما يجري حتى تكون مواقفهم على بينة ويكون عملهم على علم فيكون جهادهم واجتهادهم ذوي فاعلية تمكن إيجابا من تحقيق الأهداف وسلبا من منع الخصوم منعم من تعطيل المسيرة. وإذا تبين لي أن ذلك يعارض عملي الرسمي الحالي فسأغادره بطيب خاطر لأن الواجب يقتضي مطلق الصراحة في الاصداع بما أعتقد أنه حقيقة ما يجري.
التدارك ما يزال ممكنا
علينا الآن أن نجيب عن سؤالين منطلقين من الحكم بأن التدارك لا يزال ممكنا لتغيير مجرى الأحداث خاصة وقد تقدمت علينا مصر شروعا فعليا في القيام بما ينبغي القيام به من إجراءات ثورية تحول دون أعداء الثورة ومواصلة المناورة.
فأما السؤال الأول فهو: هل نحن قادرون على القيام بالمبادرات الموجبة لتحقيق الانتقال الديموقراطي بصورة تجعلنا نربح الحرب الناعمة ضد أعداء الربيع العربي الذي خسروا هذه المعركة ديموقراطيا ويريدون استرداد المبادرة بالعودة إلى وضع قد يلجئنا إلى الحرب الخشنة ؟
وأما السؤال الثاني فهو: هل نحن قادرون على القيام بمبادرات التصدي السالبة لمنع الرجوع بالربيع العربي إلى ما أوقعوا فيه الجزائر ومن بعدها العراق والآن سورية ما أوقعوهم فيه من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر للحفاظ على الوضع السابق في الداخل وذلك بإيهام الغرب بضرورة المحافظة على العداء التاريخي بينه وبين المسلمين ؟
نحمد الله أن قيادات مصر قد تقدمت إلى الإجراءات الاستباقية لمنع محاولة النكوص بالثورة العربية الحالية إلى هذا الوضع المضاعف الداخلي والخارجي لأن التردد الطويل يؤدي إلى نهاية الزخم الثوري وتسطح الأمور فيصبح من حق رموز العهد البائد أن تعتبر جزءا من الحريات التي يزعم أعداء الثورة تمثيلها. وقد تأخرنا في القيام بما قامت به مصر بالفعل رغم أننا كنا السباقين في الدعوة إلى مثل هذه الإجراءات التي تراخى أهل الحل والعقد في الشأن السياسي التونسي تراخوا فلم يبادروا بها. فقد سبق أن دعونا إلى قصبتين أخريين بعد الثلاث الأول:
أولاهما كان من المفروض أن تفرض بالتفاوض والتعاقد شروط تغيير قواعد اللعبة في تونس على أصحاب المناورات في الحكومات المؤقتة الثلاثة السابقة (حكومتي الغنوشي وحكومة السبسي) لئلا يكون ما بعد الانتخابات من جنس ما قبلها.
والثانية كان من المفروض أن تحققها على أرض الواقع بقوة شباب الثورة وبمنطق "ديقاج" في حالة عدم قبولهم بأقصى ما يطلب من الشروط التي تقتضيها مهام الثورة على المضادين لها والذين أثبتت الانتخابات فشل مناوراتهم جميعا فحاولوا بعدها تلغيم الساحة حتى يتم لهم تعجيز الشرعية وجعلها رهينة مناوراتهم.
كيفية التدارك للتغلب على ما كان ينبغي ألا يحصل
ولما لم يتم ما كان ينبغي أن يتحقق فحصلت مهزلة تسلم الحكم بسذاجة لم أفهمها إلى الآن لأنها لم تكن مصحوبة بما كان لا بد منه أعني بإلغاء كل الألغام التي وضعتها الحكومات الثلاث السابقة للحفاظ على العهد البائد بمساحيق جديدة-وهي جميعا محاولات تذر الرماد لتبريد الزخم الثوري أعني تكرار 7 نوفمبر بمساحيق جديدة-بدأت مناورات التعطيل بأداتيها البينتين لكل ذي بصيرة أعني استعمال الشارعين:
شارع المجتمع المدني الحقوقي والثقافي (المرتزقون من الأوآنجي وأشباه المثقفين)
وشارع المجتمع المدني الاجتماعي (الفاسدون في الاتحاد العام التونسي)
وذلك بتحريك من أدوات المؤامرة السياسية الساعية قياداتها بوعي أو بغير وعي لإفشال الثورة العربية (الأحزاب المجهرية ومن انضم إليهم من بقايا التجمع) قياداتها المتحالفة مع من لا يريد للثورة العربية أن تنجح من خارج البلاد ومن عملائهم داخلها الشارعين المنفذين لسياسات أعداء الثورة. لذلك فقد وجهت رسالة إلى قيادة الحركة الإسلامية مباشرة بعد تأليف الحكومة في تونس دعوتها فيها إلى عدم الاقتصار على الشرعية الانتخابية ووجوب المحافظة على الشرعية الثورية شرعيتها التي أراد من خسر الانتخابات التفرد بها بتوسط الشارع أولئك الذين لم يشاركوا في الثورة إلا لأن ابن علي حليفهم بدأ يتخلص منهم بعد أن استعملهم لمحاربة الإسلاميين.
وكان يمكن لمن انتخبهم الشعب أن يفهموا طبيعة هذه المناورات وكيفية التغلب عليها لو لم يسارعوا لتحقيق ائتلاف غير سليم لم يحدد أصحابه طبيعة المعركة. تصوروها سياسية فحسب. ونسوا أنها حضارية كذلك أو بصورة أدق فإنهم قد تصوروا أن أعداء الثورة يمكن أن يكتفوا بالوجه السياسي من المعركة وأن يؤجلوا مثلهم المعركة الحضارية. نسوا أن من اتفق معهم في 18 أكتوبر لم يحالفهم إلا لأنه يئس من نجاح ابن علي في ربح المعركة الحضارية بل هم خافوا من أن شقا من مافيته بدأ يميل إلى التقرب ممن يعتبرونهم أعداءهم الحقيقيين أعني الإسلاميين فأرادوا استعمال الإسلاميين مرة ثانية في الإطاحة بابن علي كما استعملهم ابن علي مرة أولى في الإطاحة ببورقيبة ثم القضاء عليهم لاحقا (لعلم المتسعملين في الحالتين بشعبية الإسلاميين وقدرتهم على الصبر في النضال). المعركة الحالية هي: كيف يمكن التخلص من ممثلي الإسلام السياسي الذي اقتنع الغرب والشرق أنه لم يعد بالوسع حكم البلاد العربية والإسلامية من دونه خاصة بعد أن فهمت قياداته أنها لا يمكن أن تبني دولا حديثة من دون قيم الحداثة أعني الديموقراطية ودولة المواطنة والقانون.





ذلك أن ما تعاني منه الثورة حاليا لم يتأت من قوة المعارضة ولا من الأدوات التي وصفنا بل من كون طبيعة المعركة التي نصف هنا لم تكن واضحة لدى من أرادوا أن يحكموا دون الاستعداد للتصدي لخطط أعداء الثورة ولا لتوضيح طبيعة المعركة لشباب الثورة لئلا يبقى شبه متفرج في حين أن الثورة لا يمكن أن يحميها غيره: والخطة الجهنمية تمثلت في استعمال قانون الجودو أي بضرب الخصم بتوجيه قوته الذاتية ضده. وكان ذلك يقتضي توريط ممثلي الشعب الحقيقيين في حكم انتقالي يسهل إفشاله بطرق بسيطة جدا أهمها المزايدة في الحريات والمطالبة بالحقوق بصورة تشوه الصورة وتوقف آلة الاقتصاد فيعودوا إلى الحكم عودة المنقذين وبآليات تبدو ديموقراطية لا غبار عليها. وتلهف البعض على الحكم كان كفيلا بالباقي.
ورغم أن هذه الخطة كانت معلومة للجميع ومعلوم كذلك أنها جربت ونجحت في كل المراحل الانتقالية فضلا عن كون أصحابها يستندون فيها إلى التعامل مع الأمور بمنطق قانون الواقع فإن إفشالها لا يزال ممكنا. ومن ثم فالتدارك ليس بالأمر المستحيل بالنسبة إلى المؤمنين بقيم الثورة. مصر بدأت بالفعل. وتونس لا تزال لديها الإمكانية بالقوة. فإذا كان أعداء الثورة يعلمون أن زخم الثورة وحيويتها لا يمكن التغلب عليها ديموقراطيا وتصرفوا بمنطق علمي فقبلوا بالواقع لتمييع الثورة بفضل إفشال المرحلة الانتقالية إفشالا ينهي الحماسة الثورية فيوقف الزخم الثوري فإن الثوار عليهم أن يتصدوا لهذا المسعى.
ذلك أن هذه الخطة تحتاج إلى وقت يمكن أعداء الثورة من جمع صفوفهم واسترداد فاعلية شبكاتهم والتجرؤ المتدرج على المناخ الجديد بفرض المناخ القديم والحط من العتبية الرمزية لرفضه فيحيوا شبكاتهم التي يعتمدون عليها في العودة إلى الحكم بآليات ديموقراطية تبدوا ذات شرعية في حين أنها عين المافيات السابقة. وذلك ما تم تقريبا في جل الوضعيات الانتقالية السابقة. لذلك فإنه يكفي أن نحول دون أعداء الثورة وهذه المهلة التي يحتاجون إليها لجمع الصفوف فنبادر بإبراز الأهداف الأربعة التالية وسعينا الجاد لتحقيقها والتصدي لمعارضيها ممن يريد تعطيل المسار السياسي والجهاز الاقتصادي بالتشويش على الأمن والسلم الاجتماعية:
هدفان: 1-أولهما يحقق الدولة المدنية والانتقال الديموقراطي الذي يقنع العالم بأن أصحاب الثورة الحقيقيين بمن فهم من اختار منهم المرجعية الإسلامية في سياسته قادرون على بناء دولة مدنية ذات دستور مدني وديموقراطي ومستند إلى حقوق الإنسان وقيمنا الأصيلة 2-والثاني ينجز انتخابات شفافة ونزيهة في أجل لا يتجاوز ما وعدنا به أو قريبا منه قربا معقولا.
وهدفان: 1-أولهما يحقق الدولة ذات التوجه الاجتماعي والسياسة التنموية التي تقنع الشعب بأن أصحاب الثورة الحقيقيين بمن فيهم من اختار الليبرالية في سياسته قادرون على الشروع في سياسة تنموية تعالج مشكلة البطالة 2-والثاني ينجز شروط العدل بين الفئات والجهات علاجا بين المعالم من حيث الخيارات والمبادرات في خطة ذات آجال معقولة بمعنى أخذ عتبة الصبر الشعبي بعين الاعتبار.
وشرط الشروط لتحقيق هذه الأهداف هو مصارحة الشعب بكل ما يجري وعدم الاستسلام للتضليل الإعلامي وتحفيز شباب الثورة ورفض الشكلانية القانونية التي تستعمل لضرب كل من يحاول أن يحمي الثورة ضد أعدائها. ويقتضي ذلك السعي الجاد لإسناد الشرعية المؤسسية بالشرعية الثورية حتى يكونوا على بينة من معطيات الوضع كما هو دون مهادنة لأعداء الثورة مهادنة قد ينجم عنها خطران على الثورة.

الأول هو محو الفاعلية الرمزية لقيم الثورة وما ينجر عنها من اعتبار احترام الحريات والحقوق تقتضي السماح لأعداء الثورة بأن يسرحوا ويمرحوا فيوظفوا هذه الحقوق للعودة إلى حكم البلاد واستبعاد أصحاب الثورة الحقيقيين.
الثاني هو الظن أن دولة القانون وتواصل الدولة يعنيان المحافظة على قانون الدولة التي وقعت عليها الثورة وعدم الفرز بين تواصل العمل المؤسسي الذي هو مفهوم تواصل الدولة وتواصل ظلم المؤسسات السابقة.
تلك هي الشروط التي تخلصنا من الفهم الساذج لهذين المفهومين اللذين تستند إليهما ألغام الحكومات الانتقالية الثلاث التي تريد ترميم نظام ابن علي والتغطية عليه ببعض المساحيق لمنع نظام الثورة من التحقق الفعلي الفهم الذي لا يصدقه عاقل: فلا يمكن للثورة أن تحكم بقوانين وضعها أعداء الثورة بل لا بد من تعطيل كل القوانين المتنافية مع أهدافها. والظن بأن الحكم بمجرده كاف من دون السيطرة الفعلية على وظائف وزارات السيادة لتكون في خدمة أهداف الثورة والشرعية الثورية لا الشكلانية القانونية من أوهام المنخدعين بمغالطات الثوار المزيفين الذين هم في الحقيقة حلفاء الثورة المضادة حضاريا حتى وإن زعموا الانتساب إلى الثورة سياسيا. والسيطرة الفعلية على وظائف وزارات السيادة ممتنعة من دون إمكانات مادية حقيقية (لعل وعود بعض العرب أوهمت بعض القيادات بأنها ستوفرها) لتوفير الشروط الدنيا لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ومن دون سلطان فعلي على الأجهزة العميقة التي تحرك الدمى السطحية في هذه الوزارات (كما هو بين من أحداث الأمن المعلومة) يمكن أن تساعد على التصدي لمثل هذه المؤامرات المحكمة:
طبيعة الخطة التي يتبعها أعداء الثورة
كانت خطة أعداء الثورة وسياستهم المحكمة بعد فشلهم الذريع في الانتخابات التي لم تفد فيها كل المناورات لتحجيم إرادة الشعب متمثلة في تفجير تلك الألغام التي وضعتها حكومتا الغنوشي وحكومة السبسي (من ذلك مثلا أن جل الاتفاقيات التي وقعت بين وزارة التربية والنقابات تمت بين غرة ديسمبر ومنتصفه أي بعد معرفة نتائج الانتخابات أقول من أسبوعين قبل تنصيب الحكومة الجديدة تمت من دون اتباع الإجراءات القانونية التي تجعلها اتفاقات ينطبق عليها مبدأ تواصل الدولة: وهي لو اتبعت الإجراءات القانونية لتبينت استحالة تطبيقها من دون مضاعفة ميزانية وزارة التربية) تفجيرها الواحد بعد الآخر مع مواصلة السيطرة على أداتي كل فعل سياسي خاضع لخطة سياسية محكمة أداتيه المضاعفتين كلتيهما والمدعيتين كلتاهما بأنهما من قام بالثورة ومن يدافع عن قيمها مع عمل كل ما في الوسع لإفشالها:
الأداة الأولى هي التحالف بين المافيتين المتحكمتين في ثروة البلاد ليواصلوا امتصاص دم الشعب:
مافية رجال الأعمال
والطريقة مفضوحة كما يدركها الجميع: هي تأزيم الوضع الاجتماعي بتعطيل الآلة الاقتصادية استثمارا وإنتاجا ومنعها من العودة إلى سالف نشاطها حتى لا يتمكن الحكم من تحقيق مراحل الانتقال الديموقراطي بشرطيه العادلين أعني المحاسبة فالمصالحة.
والأداة الثانية المصاحبة لها والممولة من المافية الأولى والمعضودة من المافية الثانية هي أداة صنع الصورة الكاريكاتورية للحكم الجديد. وهذه الأداة هي بدورها أداة مضاعفة إذ هي عين الحلف بين المافيتين الأخريين أعني:
1- بعض ما يسمى بالمجتمع المدني الممول من الخارج
2 - وبعض ما يسمى بالإعلام المحلي والأجنبي المتحالف مع المضادين للثورة والخائفين من خروج تونس وليبيا ومصر وكل الوطن العربي من التبعية وتحقيق شروط الاستقلال الحقيقي بمستوياته العميقة أعني الاستقلال الاقتصادي والثقافي ولا يتصور أحد أن هذه المافيات على وزنها الظاهر تمثل بقواعدها لقدر مهم من الشعب التونسي أو لوزن حقيقي لو أن أصحاب الثورة لم يصبهم شيء من الجبن أمام ضوضاء الإعلام وكثرة الابتزاز بالأزمة الاقتصادية التي هي من صنعهم بما عطلوا الآلة الإقتصادية إما مباشرة بالتحركات المريبة أو بصورة غير مباشرة بالشائعات التي تخيف الاستثمار: إنما هم أقلية تمثل بطانة النظام البائد التي بقيت بعد سقوط رأس المافيات وأصلها الظاهرين وبقاء الرأس والأصل الخفي الذي صار الجميع من أصدقائه بمن بدأوا يفقدون شرف المقاومة الماضية طمعا في كرسي مقبل مع أصحاب هذه الاستراتيجية .
وبذلك فقد اجتمعت أربع مافيات يحركها الرأس والأصل الخفي في ما يسمى بالمافيات العميقة وكلها متآلبة على الثورة وأهلها من أبناء الشعب المسحوقين ومتآمرة تآمرا لا يخفى عن أي تونسي مهما كان عديم الثقافة السياسية. ولو كان في قيادة الثورة من لهم الحزم الكافي من جنس ما أقدم عليه رئيس مصر لما بقي للمتآمرين ذكر. فأغلبية الشعب لا تقبل بمثل هذه التصرفات الرعناء بل هي مستعدة لمقاومتها إذا كان لمباشري الحكم الحزم الكافي في إدارة الشأن العام والشجاعة الكافية للتصدي للتلاعب بمصير الأمة فيتحملون المسؤولية التاريخية دون اعتبار للمصالح الحزبية. لذلك فعلينا أن نحلل آليات عمل أصحابها حتى نتمكن من التغلب عليهم قبل أن يصلوا إلى جوهر غايتهم المتمثلة في إيصال الشعب إلى اللامبالاة بما يجري أو إلى التحسر على ما فات غايتهم التي يعتبرون مصيرها مترددا بين الحلين التاليين وكلاهما يعتقدون أنه يعمل لصالحهم:
فإذا لم ينجحوا في فرض حرب أهلية بين الإسلاميين أي بين النهضة والسلفية تريحهم منهم جميعا بأقل التكاليف. فوضع الحكم الحالي بين خليتين: 1- إما ترك البلاد نهبة لسلفية اللحى الاصطناعية التي اختلقوها مواصلة لما بدأ به النظام السابق للحصول على التأييد الدولي تشويها لكل ما هو إسلامي بتجنيد مجرمي الحق العام وبقايا مافيا المخدرات والمسكرات 2-أو استعمال قوة الدولة لمحاربة ما يسمى بالسلفية "بوه على خوه" ودون تمييز لعل ذلك يكفي هؤلاء "السفهاء" شر القتال.
فإنهم لن يترددوا في جر البلاد إلى أزمة لا مخرج منها إلا بحرب أهلية يتصورونها في الغاية لصالحهم حتى لو أتت على الأخضر واليابس. ذلك أنهم يعتقدون أن التوكيد على أن أصلها هو الإرهاب الإسلامي بما يخلقون له من كاريكاتور سيفرض على الغرب: 1-خنق الثورة بالابتزاز الاقتصادي وشح المساعدات 2-وإذا لم يفلح بذلك في إيقاف المد الثوري التدخل ليحسمها لصالحهم بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان قيم الحداثة. لذلك تراهم الآن يعجبون من عدم تجند الغرب لهذه الفرضية بل هو يشددون النكير على كل باحث غربي يحاول تخليص أصحاب القرار من هذا الفهم المغلوط للعلاقة بين الغرب والإسلام.
وهذه الاستراتيجية التي اتبعها الاستئصاليون من جنرالات الجزائر مقلدين فيها بغباء خطط جنرالات أمريكا الذين برروا بها محاولاتهم لاحتلال جغرافية الطاقة في العالم الإسلامي لم تعد مثمرة لو كانوا يعلمون. فأمريكا هزمت في كل حروبها الخشنة وهي تحاول بعملائها في الحرب بالقوة الناعمة أن تحقق ما فشلت فيه بالقوة العسكرية. والتآلب على الربيع العربي علته أن أصحابه أنهوا كل إمكانية لهذه الخطة: فهم قد تبنوا بناء الدولة المدنية والحقوقية والديموقراطية لئلا يتركوها وسيلة بيد العملاء الذي أعدتهم أمريكا فتصنع على مقاس من تستعمله أمريكا لاحتلال البلاد العربية بالقوة الناعمة. الربيع العربي قلب السحر على الساحر.
عملاء الاستعمار ونفاقهم الوطني
لما كانت أمريكا قد يئست من احتلال الجغرافيا الطاقية وأهمها موجود في العالم الإسلامي دون كلفة تفوق الحصول عليها بمقتضى العلاقات السلمية مع أهلها كما تبين من تجربتها في البلاد التي استعملت فيها القوة الخشنة (العراق وأفغانستان) وكانت لا تزال محتلة لها في البلاد التي خرج منها المجاهدون الذين هزموها (المقاومة الإسلامية القادمة من كل بلاد العرب عامة والخليج خاصة) فإنها مضطرة لاستعمال القوة الناعمة لأن الحرب في هذه البلاد تجعل المطلوب يصبح ممتنع الاستعمال: فلا يمكن احتلال الطاقة بالقوة في شعوب الجهاد أصل من أصول فكرها فيحول دون نقلها المشروط بالسلم.
لكنها حتى هذه الحرب الناعمة خسرتها بفضل الربيع العربي وخسرها كل من يعول عليها في خوضها. فالربيع العربي قام بما يمكن أن يسمى حربا استباقية فحال دونها وكل إمكانية لربحها: وقد حصل ذلك في مركزي المغرب والمشرق العربيين أي في تونس وفي مصر وعلينا استكماله لئلا تخسر الأمة هذه الفرصة الثانية في تحقيق أهداف الاستقلال بكل أبعاده السياسية والاقتصادية لتربوية والثقافية وكل ذلك رهن ما بقي لنا من عدم تبعية روحية هي التي يحاربه أذناب الاستعمار عندنا وفي كل بلاد العرب ممن يزعمون الكلام في الحداثة وهم أكثر تخلف حتى من الهنود الحمر لأن هؤلاء على الأقل بقوا محافظين على المناعة الروحية وقاوموا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا فماعشوا أشرافا وماتوا كراما.
لذلك فأعداء الثورة أُسقط في أيديهم وهم يحاولون تشويه هذا النفس الثاني من تحرير الوطن العربي والعالم الإسلامي بعد اليأس من ربح الحرب الناعمة التي خسروها بمجرد حصول ثورة الربيع العربي التي يتهمونها بالعمالة للغرب رغم أنهم هم الذين يحاولون إعادة عقارب الساعة إلى الحرب العسكرية بإحياء كاريكاتور الإرهاب الإسلامي وتلك هي قمة العمالة للغرب: وهذا الإحياء فاشل لا محالة لأن الحرب بين صفوف الإسلاميين لن تقع. فالسلفية الصادقة ستقبل بقواعد العمل السياسي السلمي في تونس كما فعلت في مصر وهي ستتخلص ممن اندس في صفوفها من مجرمي النظام السابق وبقاياهم الحاليين.
وإذا كانت أوروبا عامة وفرنسا خاصة يوجد فيهما بعض ممن لا يزال يميل إلى إمكانية هذه العودة إلى الحرب الخشنة فإن أمريكا التي هزمت في هذه الخطة أصبحت يائسة من منها. وهي مضطرة بعقلها البراجماتي للبحث عن حلول سياسية تراعي مصالحها بشروط التعامل بين الشعوب كما هو شأن العلاقات الدولية التي تصبح ممكنة بعد الاختبار الكوني لعلاقة القوى بعضها بالبعض. فأمريكا جربت المسلمين وقياداتها أدركت بعد طول تجريب أننا أمة شديدة المراس وأن مصلحتها تقتضي التعاون معنا بدل الصدام خاصة والأخطار التي تهددها ليس مصدرها المسلمون بل هي صادرة عن الأقطاب الجديدة التي يمكن أن تنافسها على ما في أرضهم من ثروات فيكون من مصلتها التعاون مع أصحابها بدلا من تأليبهم ضدها فيتحالفوا مع الأقطاب الأخرى.
لكن ذلك لا يعني أن أمريكا سياستها بريئة أو هي تعمل لوجه الله (لم يعد المسلمون سذجا كما كانوا في بدايات القرن الماضي) بل هي ستحاول تلغيم الربيع العربي حتى تقايضه أفضل مقايضة لصالحها. وهذا أمر شرعي بين القوى. ولسنا بالغافلين عن التعامل معه بما تقتضيه مصالحنا. فالحيل السياسية ليست حكرا على الأعداء. أما سخافة العداوة بين بقايا الأنظمة الفاشية التي أفسدت الدعوة العروبية بينهم وبين الأمريكيين العداوة التي يدعيها من نعلم أنهم عملاؤها بدليل تمويلها لحلفائهم من بقايا الفاشية الشيوعية أو من صار منهم ليبراليا فهي من المزايدات الصبيانية التي تجعل البعض يزور إسرائيل ويطالب بكتابة تجريم التطبيع في الدستور. المهم هو أن أمريكا لم يعد بوسعها أن تستعمل إلا فنيات الحرب الناعمة من أجل تحقيق ما تسعى إليه من المكاسب. وأداتها الوحيدة هي تخويف العرب الذين بيدهم الثروة الطاقية من عرب الربيع العربي حتى تستفرد بالفريقين: دعوى حماية أغنياء الخليج من طمع فقراء الربيع ودعوى مساعدة فقراء الربيع للمحافظة على الرمق.
والغريب أن عملاء الاستعمار في تونس وبنفاق لا يخفى حتى على الغافلين يوهمون الرأي العام أن دوافعهم في التحقير من العرب الآخرين والهجوم على التعاون بيننا وبين أخوتنا في الخليج هو الغيرة على استقلال الوطن من استعمار بدوي ووهابي يرونهما أخطر على تونس ممن يحتمون بهم من مستعمري الأمس. والغريب كذلك أن من يعيش منهم على فتات هؤلاء العرب يدعي أنهم متخلفون بالقياس إليه وهو أجير عندهم أو عند من هو أجير عندهم: وهو لا يدري أن نخبه الحديثة التي تعملت في الغرب المتقدم وليس في الغرب المتخلف الذي تعلموا هم فيه أكثر منه انفتاحا على العالم كله شرقيه وغربية العالم الذي لا يرى منه هو إلا فرنسا التي لم تعد تمثل أفضل ما في الغرب حتى في ما يتعلق بالديموقراطية وقيم حقوق الإنسان فضلا عن التقدم العلمي والتقني والاقتصادي.
لم أر أسخف من هؤلاء الذين يحاولون بكل الطرق تشويه التعاون العربي فتصبح مساعدة تونس لقطر بالخبرة العسكرية ارتزاقا تهمة توجه إلى أهم مؤسسة من مؤسسات الوطن أعني الجيش الوطني الذي لولاه لكانت تونس كالحال في بعض البلاد الأخرى غارقة في حمام من الدم. ومثل هذا الكلام ينبس به أساطين الارتزاق الإعلامي والفكري استهانة بكرامة جيشنا الوطني. كما أن كل مساعدة اقتصادية لتونس عربية عامة وقطرية خاصة صارت تعتبر احتلالا وهابيا لكأن قطر صارت إمبراطورية العصر التي لا تغيب عن أساطيلها شمس. لكني أراهم يرقصون فرحا بتمتين التبعية للغرب عامة ولفرنسا خاصة ولمافية المال القذر بالأساس المافية التي تجعلهم هم المرتزقة في الحرب التي تخاض على قيم الأمة مدعين الدفاع عن المرحوم بورقيبة بعد سكوتهم عن إهانته لمدة أطول من مدة أهانته الاستعمارية إهانته من النظام البائد الذي يعملون بكل قواهم لصالح قياداته الخفية والعلنية دون احترام لشرف المهنة الإعلامية والمصلحة الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.