جمعية القضاة تدعو السلطات التونسية إلى إيقاف إجراءات تعليق نشاط جمعية النساء الديمقراطيات    أحدهما كان متجهاً إلى الجزائر: القبض على مشتبه بهما في سرقة مجوهرات اللوفر    هيئة أسطول الصمود: تسليم كل التبرعات العينية التي لم يتم شحنها إلى غزة، للهلال الأحمر    عاجل: دون خسائر بشرية: 3 حرائق متزامنة في المهدية    من ضِمنها أزمة الملعب وصفقة الوحيشي ..هذه أسباب اخفاق المنستيري في رابطة الأبطال    الباحثة والناقدة المسرحية فائزة مسعودي: المسرح التونسي يطرح أسئلته الكونية من رحم محلي    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    فيما واشنطن تقدّم مبادرة لحلّ أزمة السودان.. الدعم السريع تسيطر على مواقع هامّة في دارفور    المهدية: دون تسجيل أية أضرار بشرية ...اندلاع حرائق بمنطقة «جبل دار واجة»، والحماية المدنية تتدخّل    مع الشروق : ازدواجية المعايير والإنسانية المهدّدة    دعوة لتوجيه الدعم الى زيت الزيتون    تضم 8 مكاتب تنشط داخل مطار تونس قرطاج .. القصة الكاملة للتجاوزات في كراء السيارات    تراجع في عدد حوادث الطرقات    في العرض ما قبل الأول لفيلم «باراسول»...عندما تكون الشهامة طريقا إلى قلب المرأة    عباس يصدر إعلانا دستوريا حول رئاسة السلطة الفلسطينية في حال شغور المنصب    الجزائر.. إنهاء مهام الرئيس المدير العام لسوناطراك وتعيين نور الدين داودي خلفا له    عائلته أكدت تقديم دواء خاطئ له.. وفاة الطفل زيد العياري    عاجل: اتحاد الناشرين يعلق مشاركتو في المعرض الوطني للكتاب    البطولة العربية للأندية للكرة الطائرة للسيدات – النادي الإفريقي ينهزم أمام نادي ناصرية بجاية الجزائري 1-3    مونديال كرة اليد تحت 17 سنة – المنتخب التونسي ينعش آماله في التأهل إلى نصف النهائي بفوزه على نظيره الكوري 33-27    يوم 1 ديسمبر آخر أجل للترشح لجائزة نجيب محفوظ للرواية 2026    تحذير: اكتشاف مادة خطيرة في مكونات Bubble Tea    عاجل/ نتنياهو يكشف: نتنياهو: إسرائيل حددت "القوات الدولية التي لا تقبلها" في غزة..    بسبب نظافة المنزل.. امرأة تعتدي على زوجها بسكين..شنيا الحكاية؟    صمت أكثر من 36 ساعة؟ شوف شنيا يصير لبدنك    قابس : دعوة لتغيير المنوال التنموي القائم على الصناعات الكيميائية بمنوال جديد يضمن استدامة التنمية    شنوّة الBomb Cyclone؟ منخفض ينفجر في نهار واحد    عاجل: ديوان الخدمات الجامعية يفتح باب منحة التربص للطلبة...الرابط والآجال    لأوّل مرة: نادين نجيم وظافر العابدين في تعاون درامي رمضاني!    توزر: تأسيس نادي محاورات لتقديم تجارب إبداعية وحياتية    دعم صغار الفلاحين وتعزيز صادرات الزيت المعلب: الحكومة تتحرك    تحب تحمي قلبك؟ تجنّب الأطعمة هذه قبل الصباح    الإنجاب بعد 35 سنة: شنو لازم تعمل باش تحمي صحتك وصحة الجنين    البطولة الالمانية: بايرن ميونيخ يعزز صدارته بفوزه على بوروسيا مونشنغلادباخ    عاجل: غيابات في الترجي قبل مواجهة رحيمو    وزير الشؤون الدّينية يشارك في الملتقى الدولي للمذهب المالكي بالجزائر    عاجل: مطار خليج سرت يفتح بعد 12 عام    تايلاند وكمبوديا توقعان إعلانا لتسوية النزاع بحضور ترامب    محمد رمضان يكشف عن تعاون فني غير مسبوق مع لارا ترامب ويعلن مشاركة حفيدة الرئيس الأمريكي في الكليب الجديد    بطولة فرنسا: ثنائية لحكيمي تعيد باريس سان جيرمان إلى الصدارة    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    شوف شكون ضد شكون ووين: الدفعة الثانية من الجولة 11    رئيس الدولة يستقبل التوأم الفائزتين في تحدي القراءة العربي بيسان وبيلسان..    قبل الكلاسيكو.. مبابي يتوج بجائزة لاعب الشهر في الدوري الإسباني للمرة الثانية تواليا    مجلس وزاري مضيّق لمتابعة خطة إنجاح موسم زيت الزيتون 2025-2026    طقس الليلة    حجم احتياطي النقد الأجنبي    طلب فاق المعدلات العادية على أدوية الغدة الدرقية    الاقتصاد التونسي أظهر مرونة امام الصعوبات وحقق عدة مؤشرات ايجابية    مدنين: افتتاح فعاليات ملتقى المناطيد والطائرات الشراعية بجزيرة جربة بلوحة استعراضية زينت سماء الجزيرة    وزارة النقل تفتح مناظرة خارجية في 17 خطة معروضة بداية من 26ماي 2026    تفاصيل تقشعر لها الأبدان عن جزائرية ارتكبت واحدة من أبشع جرائم فرنسا    وزارة الصحة: تقنية جديدة لتسريع تشخيص الأمراض الجرثوميّة    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة و التمكين السياسي للمرأة...قناعة و خيار أم متاجرة و إجبار؟
نشر في باب نات يوم 10 - 06 - 2018


أيمن عبيد
ألمانيا
من المؤكد أن مسألة التمكين السياسي للمرأة و تفعيل دورها في الحياة العامة، كانت و لازالت من التحديات المطروحة بقوة، على طاولة كبريات الأحزاب و الحكومات و المنظمات الدولية، حتى أن نسبة مشاركتها في صنع القرار، أصبحت من المؤشرات الهامة في تحديد مدى تقدم التجارب الديموقراطية.
و بما أن قضية المرأة عموما، قضية مجتمعية بالأساس، فإن هذا الأمر يصبح أكثر تعقيدا و إثارة للإختلاف في مجتمعاتنا الشرقية، التي مازالت ترزح تحت نسيج من التصورات و التقاليد البالية.
فرغم أن التجربة التونسية الرائدة في العالم العربي، قد قطعت شوطا تشريعيا لابأس به في هذا الإتجاه، بدسترة مبدأ إلتزام الدولة بالسعي إلى تحقيق التناصف في المجالس المنتخبة، إلا أن تعزيز قدرة المرأة على أرض الواقع في إقتحام هذا الميدان الذكوري بإمتياز، يبقى منقوصا من أهم آلياته العمليّة. ألا و هو إفساح المجال أمام زعامات نسائية للبروز و تبوء المناصب القيادية المختلفة، حتى تكنّ أسوة حسنة تحفّز همم الأخريات و تعبّد الطريق أمامهنّ.
و ما زاد في الطين بلّة، أن يكون حزب ذو مرجعية إسلامية، صاحب السبق في تقديم إمرأة لمشيخة الحاضرة، ليس لأن ذلك المنصب ظل لزهاء قرنين من الزمان حكرا على الرجال وحسب، بل لما يحمله أيضا من رمزية معنوية و تاريخية، و ما يناط به من مهام و صلاحيات، بما يجعله قد يرتقي من المنظور الشرعي إلى مستوى الولاية العامة. فلا عجب بعد ذلك، ان انفتحت الأبواب على مصرعيها، أمام تسونامي من التأويلات.
و ليس من الغريب أن يذهب المناوؤون و المنافسون، إلى إعتبار ذلك لا يخرج عن مجرد المخاتلة و المتاجرة بصورة المرأة التونسية، كما علّق المكلف بسياسات حزب النداء، أو واجهة تهدف إلى كسر الصورة النمطية للإسلاميين كما أوردت صحيفة "جون افريك" ، بل و حتى خيانة للمرجعية الفكرية و تخليا عن الثوابت في سبيل السلطة و الكرسي، حسب زعم المشطّين من النخب المؤدلجة. و لكن المستغرب، أن يحذو الأنصار المختالون بنصرهم حذو المشككين، تباهيا بمقدور دهاء قيادتهم و نضجها التكتيكي و قدرتها العالية على المناورة، و كأنهم بذلك يقرّون أطروحة غيرهم.
فما حقيقة هذا التوجه النسوي لحركة النهضة؟ هل هو خيار ام إجبار؟ هل هو حصيلة دفق من الاجتهادات الفكرية و المخرجات الفقهية الرائدة؟
أم أنها مجرد إجراءات تكتيكية لا مبدئية، لا تخرج عن إطار إزدواجية في الخطاب معهودة، او البراغماتية في التعامل مع مكرهات المرحلة و السعي اللّاهث وراء مقبولية دولية؟
و في الحقيقة إن القائلين بإنسلاخ النهضة عن جلدها أو المتسائلين عن سرّ هذه النقلة و مأتاها، ينطلقون من تصور راسخ في المخيال الشعبي الشرقي، بأن المرأة في المنظور الإسلامي كائن دونيّ ناقص، أهليّته السياسية منقوصة.
و ليس لهم من مستمسك في زعمهم هذا من كتاب أو سنّة، إنما هي لعنة عصور الفتور، و ما أثمره تفاعل واقعها المنحط مع النصوص الدينية، من إرث ثقافي مدنّس بالخرافات المتلبّسة بلبوس القداسة، و أضحت بتقادمها، تعامل كجزء من الحقيقة الإسلامية المطلقة. و لا ريب أن تأثيرات التراث لا تقتصر على فئة بعينها من المجتمع، بل تطال حتى أكثر الناس إنكارا له، لتظهر بين الفينة و الأخرى جليّة، في طرائق تفكيرهم و وسلوكاتهم و أذواقهم و أنظمة الحياة التي ينشدون.
و خير دليل على ذلك، ما تناثر على شفتي أحد حماة صرح الحداثة، إذ صرّح بنبرة المستوثق جازما بعدم جواز تولي إمرأة لمشيخة المدينة، لتعارض ذلك مع تقاليدنا الإسلامية، إذ كيف لها بالله عليكم، أن تشارك الرجال مجلسهم في جامع الزيتونة، إحتفالا بالأعياد الدينية!!!
و لضرورة رفع اللبس عن هذا الخلط الخطير في موضوع المرأة، بين ما هو حقيقة إسلامية و الحقيقة التراثية، نالت تنقية المفاهيم الموروثة و إمتحانها على محكّ النصوص الثابتة، بغرض دعم الأصيل منها و تسفيه الدخيل و دحضه، حيّزا كبيرا من أدبيات حركة النهضة، ليكون ذلك محور البحث الرئيس، كما يدل عليه عنوانه، لكتاب "المرأة بين القرآن و واقع المسلمين"، و الذي صدر منذ سنة الألفين، ليصادم فيه الغنوشي بجسارة، حتى بعض المسائل التي عقد عليها إجماع الأمة أو كاد.
حيث انطلق من كون ما بين أيدينا من تفاسير للقرآن، إنما هي مجهودات بشرية قاصرة عن الكمال، لا تخلو مضامينها من إنعكاسات ما عايش أصحابها من إتجاهات ثقافية و سياقات تاريخية.
إذ تغلغلت فيها من ناحية، شوائب الإسرائيليات و روايات أهل الكتاب، رغم أن التلقي عنهم في أمور الدين منهيّ عنه. فأُعْتُمِد مثلًا ما جاء في التوراة، بسبب تشابه ألفاظه مع ما أوردته بعض الأحاديث في تربية الرجال على التلطّف في معاملة النساء و وصفها لطبائعهنّ مجازا بالضلع، لتأويل ما أجمله القرآن و لم يفصل فيه من مسائل الخلق، و الزّعم بأن حواء قد خلقت من ضلع آدم.
و كذلك كان الأمر، مع قصّة النزول من الجنّة، فما تناقله البعض عن أن أول كلام إبليس كان مع حواء و أنها أول من أكل من الشجرة، لا أصل له إلا في التراث اليهودي و الأناجيل التي ذهبت إلى القول: "إن آدم لم يغو، و لكن المرأة أغويت". فحمّلت الخطيئة للمرأة دون زوجها، و رأت بأنها لذلك ملعونة و محكوم عليها بالجهل و ألم الحمل و الولادة و التبعيّة للرجل.
و بذلك كانت هاته الأساطير، الأسس التنظيرية الأولى، لأقدم إضطهاد إنساني، إذ أنه إن سلّمنا بأن المرأة كائن تابع للرجل، بل و ضلع من أضلعه، بالإضافة إلى كونها أحبولة للشيطان و مصدرا وحيدا للإغواء و الفتنة، فإننا لا نكرّس لإنفساخ شخصيتها فحسب، بل و نزرع فيها إحتقارا للنفس و تقبّلا لكل أنواع الحيف و الظلم.
و من ناحية أخرى، فإن إستفحال منطق الغلبة و القوة، منذ إجهاض تجربة الحكم الراشد و إنفراط ما ساد فيها من قيم التراضي و التشارك، قد صاحبته جهود تنظيرية، لِنظْم قوافي سرديّة المرحلة الجديدة من الملك العاضّ، و التأصيل لمنظومة قيمية تبرّر للخنوع و تشرعن للإستبداد و التمييز بمختلف أنواعه. فنفس الإستبعاد الذي جرى على الفقراء و المستضعفين، قد طال أيضا المرأة لضعف بدنها ،فأقصاها من عالم الفعل الإجتماعي و السياسي الذي أضحى حكرا على أصحاب الشوكة و العضلات المفتولة من الرجال. فتمّ عزلها وحيدة وراء أسوار تحريم الإختلاط العالية ،و تحت تعلّة أنها فتنة، فتحت أمامها رحاب سجون المجتمعات المنفصلة لحين، ثم ما لبثت أن أوصدت عليها زنازين الوقار في البيت، و توالت بعد ذلك الحجب تكبّلها و الحواجز تردمها، لتخمد صوتها بذريعة العورة و تجبرها على ترك التعليم أو الإكتفاء بأدنى مستوياته، لتطبق حلكة الجهل على أنفاس فهمها و إدراكها، فيتحول المنزل بالنسبة لها من مسكن إلى مقبرة الحياة، و كأننا بذلك نعيد بإسم الدين إخراج عمل الجاهلية الأولى في شكل جديد، بوأد إنسانية المرأة و كرامتها و تحويلها إلا مجرد متاع و آلة للانجاب، و لا أساس لكل ذلك من الإسلام و لا من المصلحة.
بل و في جلّه مخالفة صريحة لتعاليمه، إذ لا شك في أن طلب العلم بكلّ ضروبه و التبحّر فيه، فريضة على كل مسلم و مسلمة. و قد بلغت أمهات المؤمنين مستويات من فهم النصوص و روايتها ما قصر عنه فحول الرجال، و وسع إهتمام السيدة عائشة حتى الطب و الأدب.
كما أن الصحابيات كنّ حاضرات في الأسواق و ساحات الجهاد، بل و تقاسمن الرجال مجالس العلم و غيرها في المسجد النبوي دون أية حواجز من خشب أو قماش بينهم ، فيناقشن و يستفهمن. فهل كان للصحابة لو كانوا بيننا، أن يستغربوا رؤية إمرأة أو يستهجنوا سماع صوتها بجامع الزيتونة المعمورة، في إحدى ليالي رمضان أو نهاره؟
فالمرأة لإن كانت فتنة للرجل فهو كذلك لها فتنة، مصداقا للحديث الشريف "ويل للرجال من النساء و ويل للنساء من الرجال"، إنما يكمن الإختبار الإيماني لكليهما، في مدى القدرة على تسيّد النزعات و الأهواء، لتأطير قوة التجاذب بينهما ضمن البرنامج الإلاهي لحياة البشر، حتى تسود بين شقّي الإنسانية علاقات عفوية جادة، فيصبح كل منهما بركة و رحمة للآخر.
و في الاتجاه العام للآيات القرآنية، دعوة ملحّة إلى الحد من سلطة الرجل التعسفية على المرأة "و لا تعضلوهن" "و لا تجبروا فتياتكم على البغاء"، و نسف للأسس التنظيرية التي يقوم عليها إضطهادها.
فقد ذهب جمع من المفسرين، كالرازي و محمد عبده و رشيد رضا، في تأويل "النفس الواحدة" على أنها دالة على وحدة الأصل الإنساني، كمناط للتكافل و الألفة بين البشر.
و زاد عليهم سيد قطب بأن قال، مرتكزا على مستندات لغوية وجيهة، بتماثل عملية الخلق بين آدم و حواء. و ذاك أكثر تماشيا مع مقاصد الشريعة في محاربة كل أشكال التمييز و تكريس المساواة بين الناس، بدون أدنى تفاضل بينهم، إلا على أساس العمل الصالح، لا الفوارق الجسدية، "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
و على عكس ما روي في القرون المظلمة، فقد أعاد الإسلام للمرأة إعتبارها و دفع بها إلى مستوى الرجل، كشريكة في الخلافة عن الله في الأرض. فأشركها في التكريم الإلهي كزوجها "أسكن أنت و زوجك الجنة" و جعلها تتلقى مثله الأمر بالإمتناع عن الأكل من الشجرة و تقع مثله في الإغواء "فوسوس لهما الشيطان".
و رغم أن الخطاب القرآني بصيغة التذكير يشمل النساء، كما قال الشيخ ابن عاشور، فمن أبرز ما يزيد في التأكيد على التساوي بين المرأة والرجل، ما تنزل في (الأحزاب35 ) من إجابة على أم عمارة إذ قالت "ما أرى إلا كل شيء للرجال، و ما أرى النساء يذكرن بشيء"، فكان أن الآية لم تذكر الرجال في موطن خير إلا ذكرت فيه النساء على حد سواء.
أما جملة "وليس الذكر كالأنثى" ، فلئن حمّلت عليها معاني تقديم جنس على الآخر، فهي في سياقها إما دلالة على الإختصاص، أو مواساة لإمرأة عمران، التي أُعطت أنثى خير مما كانت ترجو من الذكور.
و حتى إستكثار البعض لمرتبة النبوة على النساء، فلا إستناد له إلا إدعاء الإجماع، في حين أنه رأي خالفه أكثر العلماء، كما أورد القرطبي، و أبرزهم إبن حزم و صاحب التحرير و التنوير.
فإن كانت المرأة غير مستثناة من أعلى درجات الكمال الإنساني (النبوة)، أفليس من المخجل أن نتجادل في القرن الواحد و العشرين، حول أهليتها لمنصب بعينه في الدولة؟ ألا يعكس هذا عمق أزمة التأقلم مع الحداثة، و الأصالة المكذوبة التي نتشبّث بها، رغم تعارضها مع ما سبق إليه الإسلام و أكدته تعاليمه؟
فحق المرأة بل واجبها في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هو الأصل الأعظم للدعوة بكل أبعادها(فكرية، سياسية، إجتماعية...)، ثابت بصريح الآية (التوبة 71) .
و في عصر النبي ﷺ و خلفائه، شاركت المرأة في الشأن العام بالرأي؛ فأشارت أم سلمة في صلح الحديبية بالحلّ الذي أنقذ أحرج موقف عرفته علاقة القائد بأصحابه، و شهدت الصحابيات أهم إجتماع في تاريخ الإسلام بالعقبة، الذي إنبثق عنه قرار الهجرة، كما أن إبن عوف كان يدخل إلى خدور النساء لإستشارتهن في أفضل المترشحين الستّة للخلافة.
و شاركت كمفتية تستدرك على كبار الصحابة، و كقاضية، إذ نصب الفاروق الشفاء بنت عبد الله على الحسبة. و كمعارضة في مقام الرئاسة، حيث قادت السيدة عائشة ثلاثة آلاف من خيرة الصحابة و التابعين، تخطب و تفاوض و تنصب إمام الصلاة،و "تأمر و تنهى فإذا الأمر أمرها" كما حدّث أبو بكرة.
و بيد أن الإجماع كاد أن ينعقد على منعها الولاية العامة( الرئاسة)، إستنادا إلى حديث ظنيّ السند، لا يعدو أن يكون تعليقا على واقعة تولّي إبنة كسرى مكانه. فإن الطبري و أبو حنيفة و ابن حزم، قد أجازوا لها تولي القضاء، و هو من الولايات العامة التي تقاس شروط الإمامة عليها. كما أن الإمام الغزالي في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث"، قد بيّن أنه ليس من حاجز ديني حقيقي يحظر على المرأة تبوأ أي منصب في الدولة بما في ذلك الرئاسة.
و ذاك هو الرأي الذي أقرّه الغنوشي بل و سرّ به، قناعة منه بأن القوامة تنحصر في حدود الأسرة، أما خارجها فلم يرد ما يمنع ولاية بعض النساء على بعض الرجال.
و لإيمانه الراسخ، بأن حركة الإصلاح في إتجاه نهضة حضارية شاملة، لن تندلع إلا بتعبئة كل الطاقات خاصة المعطّلة منها. فالتحول المجتمعي المنشود، سيبقى في مسيره أعرجا، ما لم تُظبط خطى شطريه على إيقاع وتر واحد، فيحذوا حذو بعضهما، شقيقين على قدم المساواة، "النساء شقائق الرجال". فبالإضافة إلى وزنها الديموغرافي، فإن للمرأة قدرة كبيرة على التأثير في الرجل فترفعه أو تنحدر به، كما أنه بيدها تُخطّ ملامح زرع المستقبل، فلا ترضع أبناءها إلا مما تجرّعت، فإما عزة و أنفة و إما خنوع و إنكسار، و لذلك فإن كل ثورة تحررية لا تضعها موضع الشريك الكفء، هي مجرّد سمن يفور و سرعان ما يغور. فهي إذا على ضعفها مقياس لتقدم الأمم، ترتقي بإرتقائها و تنحط لإنحطاطها.
و من خلال هذه القراءة، في أهم الأدبيات المعناة بالمرأة عند حركة النهضة، بإمكاننا الإستنتاج بأن إزالة العقبات عن طريق تمكينها و الدفع بها إلى أعلى مستويات الفعل في الشأن العام، مثّل منذ عقود مشغلا محوريا للعقل النهضاوي.
كما أننا و بمعاينة الممارسات، نستطيع الجزم، بأن تلك القناعات لم تبقى سجينة الأطر التنظيرية، بل وجدت طريقها للتنزيل المطّرد. فلغة الأرقام التي لا تكذب، تقول أن كتلة الحركة، بنسبة أربعين بالمائة، هي الأكثر تمثيلا للمرأة في البرلمان، و رغم أن حضورها مازال محتشما نسبيّا في الهياكل المركزية( 25% في المكتب التنفيذي)، إلا أن تواجد 8 نساء بين ال25 عضوا الأكثر تحصلا على الأصوات في إنتخابات مجلس الشورى، و من ثمة إنتخاب السيدة جوهرة التيس لترأس مكتب الشباب، تمثل مؤشرات هامة على التحسّن المتواصل لتموقعهنّ القيادي داخل الحزب، و تنامي الوعي بأهمية الدور السياسي للمرأة، خاصة بين قادته المستقبليّين.
و بذلك يكون الإدعاء بأن هذا التوجه النسوي مجرد آلية تسويق للحركة، تمترسا أخيرا وراء آخر حصون الصراع الوهمي المفتعل، بين رجعية و حداثة. فقد كشفت التصريحات المعارضة لتقدم السيدة سعاد عبد الرحيم لترأس بلدية تونس( إمرأة، موش بلدية، خوانجية)، حقيقة الصراع القائم في تونس، بين تيار إصلاحي تجديدي يسعى إلى نفض أعباء التراث، و تيار المحافظين، المستميتين في الدفاع عن ما ساد في الماضي من تقاليد، توزَّع على أساسها السلطة و الثروة و الوجاهة الإجتماعية، و تحتكرها لصالح جنس على حساب الآخر و جهة من دون الأخريات و عائلة فكرية بعينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.