المجمع الكيميائي التونسي يسوّي وضعية 47 عاملا بمصنع "المظيلة 1" في مرحلة اولى تطبيقا لقانون منع المناولة بالقطاع العام    الاتحاد الأوروبي يهدد بردّ تجاري على الرسوم الأمريكية الجديدة    الليلة: رعد وأمطار وبرد في قلب الصيف...وتحذير من رياح قوية تصل 80 كم/س!    كيفاش تولّي فقير؟    مباراة ودية: فوز النجم الساحلي على الملعب التونسي    رڨوج" يفتتح مهرجان الحمامات الدولي في دورته 59    البولونية ايغا شفايتيك تتوّج بلقب بطولة ويمبلدون للمرة الأولى    بحث إمكانية مزيد التعاون بين تونس والصين وخاصة في قطاع الطاقة الرقمية والانتقال الطاقي    وزارة الأسرة تعلن عن نجاح 56 من بين مكفوليها في دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا    تونس تتسلم 189 حافلة جديدة ضمن الدفعة الثانية من صفقة مع شركة "كينغ لونغ" الصينية    قبلي: الشركة الأهلية "مراعي رجيم معتوق" تشرع في سلسلة من الزيارات الميدانية لمتابعة الوضع الصحي لقطيع الابل والاحاطة بالمربين    11 عرضا فنيا فى الدورة ال45 لمهرجان باجة الدولي من 22 جويلية الى 5 اوت القادم    الحدادي يمضي لنهضة البركان    باجة : تجميع أكثر من 2.5 مليون قنطار من الحبوب منذ انطلاق الموسم    الخليج يشتعل: الحرارة تتجاوز 50 درجة... فهل تصلنا الموجة؟    خبير يُحذّر: تركيبة خطيرة في مياه مجهولة المصدر تفتك بالتونسيين    الترجي الجرجيسي يتعاقد مع اللاعبين خليل القصاب وحسين الرفاعي    سامية الشعري مصدق تتحصّل على البكالوريا في سنّ ال64 عاما وئؤكد أن التجربة أحيت فيها روح الشباب وعلّمتها أن لا حرج مع العلم    برمجة متنوعة في انتظار جمهور مهرجان منستير الدولي    قابس : برمجة ثقافية صيفية ثرية    نهاية الأسبوع.. البحر هائج والسباحة ممنوعة    تشيلسي ولا باريس؟ شكون يرفع الكأس....الموعد والقنوات الناقلة    وفاة عامر غديرة، كاتب دولة أسبق لدى وزير الداخلية    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    محمد المديمغ يمضي مع نادي كرة اليد بجمال    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    عاجل/ تراجع بنسبة 50% في كميات اللحوم الحمراء بالمسلخ البلدي لهذه الولاية    طيران الإمارات تتصدّر الترتيب العالمي لأقوى العلامات التجارية    القصرين: تواصل تنفيذ برنامج "العطلة الآمنة" للتوعية المرورية خلال الصيف    عاجل/ بعد زيارة الرئيس: تدخّلات ميدانية في سواحل قليبية    عاجل/ اصطدام سيارة بمحل حلاقة وهذه حصيلة المصابين    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    تحت مظلة الأمم المتحدة... مؤتمر "حل الدولتين" يُعقد أواخر الشهر الجاري    التمديد مجدّدا في منحة تسليم الشعير الى حدود هذا الأجل..#خبر_عاجل    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    عاجل/ البنتاغون: صاروخ إيراني أصاب قاعدة "العديد" في قطر    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة و التمكين السياسي للمرأة...قناعة و خيار أم متاجرة و إجبار؟
نشر في باب نات يوم 10 - 06 - 2018


أيمن عبيد
ألمانيا
من المؤكد أن مسألة التمكين السياسي للمرأة و تفعيل دورها في الحياة العامة، كانت و لازالت من التحديات المطروحة بقوة، على طاولة كبريات الأحزاب و الحكومات و المنظمات الدولية، حتى أن نسبة مشاركتها في صنع القرار، أصبحت من المؤشرات الهامة في تحديد مدى تقدم التجارب الديموقراطية.
و بما أن قضية المرأة عموما، قضية مجتمعية بالأساس، فإن هذا الأمر يصبح أكثر تعقيدا و إثارة للإختلاف في مجتمعاتنا الشرقية، التي مازالت ترزح تحت نسيج من التصورات و التقاليد البالية.
فرغم أن التجربة التونسية الرائدة في العالم العربي، قد قطعت شوطا تشريعيا لابأس به في هذا الإتجاه، بدسترة مبدأ إلتزام الدولة بالسعي إلى تحقيق التناصف في المجالس المنتخبة، إلا أن تعزيز قدرة المرأة على أرض الواقع في إقتحام هذا الميدان الذكوري بإمتياز، يبقى منقوصا من أهم آلياته العمليّة. ألا و هو إفساح المجال أمام زعامات نسائية للبروز و تبوء المناصب القيادية المختلفة، حتى تكنّ أسوة حسنة تحفّز همم الأخريات و تعبّد الطريق أمامهنّ.
و ما زاد في الطين بلّة، أن يكون حزب ذو مرجعية إسلامية، صاحب السبق في تقديم إمرأة لمشيخة الحاضرة، ليس لأن ذلك المنصب ظل لزهاء قرنين من الزمان حكرا على الرجال وحسب، بل لما يحمله أيضا من رمزية معنوية و تاريخية، و ما يناط به من مهام و صلاحيات، بما يجعله قد يرتقي من المنظور الشرعي إلى مستوى الولاية العامة. فلا عجب بعد ذلك، ان انفتحت الأبواب على مصرعيها، أمام تسونامي من التأويلات.
و ليس من الغريب أن يذهب المناوؤون و المنافسون، إلى إعتبار ذلك لا يخرج عن مجرد المخاتلة و المتاجرة بصورة المرأة التونسية، كما علّق المكلف بسياسات حزب النداء، أو واجهة تهدف إلى كسر الصورة النمطية للإسلاميين كما أوردت صحيفة "جون افريك" ، بل و حتى خيانة للمرجعية الفكرية و تخليا عن الثوابت في سبيل السلطة و الكرسي، حسب زعم المشطّين من النخب المؤدلجة. و لكن المستغرب، أن يحذو الأنصار المختالون بنصرهم حذو المشككين، تباهيا بمقدور دهاء قيادتهم و نضجها التكتيكي و قدرتها العالية على المناورة، و كأنهم بذلك يقرّون أطروحة غيرهم.
فما حقيقة هذا التوجه النسوي لحركة النهضة؟ هل هو خيار ام إجبار؟ هل هو حصيلة دفق من الاجتهادات الفكرية و المخرجات الفقهية الرائدة؟
أم أنها مجرد إجراءات تكتيكية لا مبدئية، لا تخرج عن إطار إزدواجية في الخطاب معهودة، او البراغماتية في التعامل مع مكرهات المرحلة و السعي اللّاهث وراء مقبولية دولية؟
و في الحقيقة إن القائلين بإنسلاخ النهضة عن جلدها أو المتسائلين عن سرّ هذه النقلة و مأتاها، ينطلقون من تصور راسخ في المخيال الشعبي الشرقي، بأن المرأة في المنظور الإسلامي كائن دونيّ ناقص، أهليّته السياسية منقوصة.
و ليس لهم من مستمسك في زعمهم هذا من كتاب أو سنّة، إنما هي لعنة عصور الفتور، و ما أثمره تفاعل واقعها المنحط مع النصوص الدينية، من إرث ثقافي مدنّس بالخرافات المتلبّسة بلبوس القداسة، و أضحت بتقادمها، تعامل كجزء من الحقيقة الإسلامية المطلقة. و لا ريب أن تأثيرات التراث لا تقتصر على فئة بعينها من المجتمع، بل تطال حتى أكثر الناس إنكارا له، لتظهر بين الفينة و الأخرى جليّة، في طرائق تفكيرهم و وسلوكاتهم و أذواقهم و أنظمة الحياة التي ينشدون.
و خير دليل على ذلك، ما تناثر على شفتي أحد حماة صرح الحداثة، إذ صرّح بنبرة المستوثق جازما بعدم جواز تولي إمرأة لمشيخة المدينة، لتعارض ذلك مع تقاليدنا الإسلامية، إذ كيف لها بالله عليكم، أن تشارك الرجال مجلسهم في جامع الزيتونة، إحتفالا بالأعياد الدينية!!!
و لضرورة رفع اللبس عن هذا الخلط الخطير في موضوع المرأة، بين ما هو حقيقة إسلامية و الحقيقة التراثية، نالت تنقية المفاهيم الموروثة و إمتحانها على محكّ النصوص الثابتة، بغرض دعم الأصيل منها و تسفيه الدخيل و دحضه، حيّزا كبيرا من أدبيات حركة النهضة، ليكون ذلك محور البحث الرئيس، كما يدل عليه عنوانه، لكتاب "المرأة بين القرآن و واقع المسلمين"، و الذي صدر منذ سنة الألفين، ليصادم فيه الغنوشي بجسارة، حتى بعض المسائل التي عقد عليها إجماع الأمة أو كاد.
حيث انطلق من كون ما بين أيدينا من تفاسير للقرآن، إنما هي مجهودات بشرية قاصرة عن الكمال، لا تخلو مضامينها من إنعكاسات ما عايش أصحابها من إتجاهات ثقافية و سياقات تاريخية.
إذ تغلغلت فيها من ناحية، شوائب الإسرائيليات و روايات أهل الكتاب، رغم أن التلقي عنهم في أمور الدين منهيّ عنه. فأُعْتُمِد مثلًا ما جاء في التوراة، بسبب تشابه ألفاظه مع ما أوردته بعض الأحاديث في تربية الرجال على التلطّف في معاملة النساء و وصفها لطبائعهنّ مجازا بالضلع، لتأويل ما أجمله القرآن و لم يفصل فيه من مسائل الخلق، و الزّعم بأن حواء قد خلقت من ضلع آدم.
و كذلك كان الأمر، مع قصّة النزول من الجنّة، فما تناقله البعض عن أن أول كلام إبليس كان مع حواء و أنها أول من أكل من الشجرة، لا أصل له إلا في التراث اليهودي و الأناجيل التي ذهبت إلى القول: "إن آدم لم يغو، و لكن المرأة أغويت". فحمّلت الخطيئة للمرأة دون زوجها، و رأت بأنها لذلك ملعونة و محكوم عليها بالجهل و ألم الحمل و الولادة و التبعيّة للرجل.
و بذلك كانت هاته الأساطير، الأسس التنظيرية الأولى، لأقدم إضطهاد إنساني، إذ أنه إن سلّمنا بأن المرأة كائن تابع للرجل، بل و ضلع من أضلعه، بالإضافة إلى كونها أحبولة للشيطان و مصدرا وحيدا للإغواء و الفتنة، فإننا لا نكرّس لإنفساخ شخصيتها فحسب، بل و نزرع فيها إحتقارا للنفس و تقبّلا لكل أنواع الحيف و الظلم.
و من ناحية أخرى، فإن إستفحال منطق الغلبة و القوة، منذ إجهاض تجربة الحكم الراشد و إنفراط ما ساد فيها من قيم التراضي و التشارك، قد صاحبته جهود تنظيرية، لِنظْم قوافي سرديّة المرحلة الجديدة من الملك العاضّ، و التأصيل لمنظومة قيمية تبرّر للخنوع و تشرعن للإستبداد و التمييز بمختلف أنواعه. فنفس الإستبعاد الذي جرى على الفقراء و المستضعفين، قد طال أيضا المرأة لضعف بدنها ،فأقصاها من عالم الفعل الإجتماعي و السياسي الذي أضحى حكرا على أصحاب الشوكة و العضلات المفتولة من الرجال. فتمّ عزلها وحيدة وراء أسوار تحريم الإختلاط العالية ،و تحت تعلّة أنها فتنة، فتحت أمامها رحاب سجون المجتمعات المنفصلة لحين، ثم ما لبثت أن أوصدت عليها زنازين الوقار في البيت، و توالت بعد ذلك الحجب تكبّلها و الحواجز تردمها، لتخمد صوتها بذريعة العورة و تجبرها على ترك التعليم أو الإكتفاء بأدنى مستوياته، لتطبق حلكة الجهل على أنفاس فهمها و إدراكها، فيتحول المنزل بالنسبة لها من مسكن إلى مقبرة الحياة، و كأننا بذلك نعيد بإسم الدين إخراج عمل الجاهلية الأولى في شكل جديد، بوأد إنسانية المرأة و كرامتها و تحويلها إلا مجرد متاع و آلة للانجاب، و لا أساس لكل ذلك من الإسلام و لا من المصلحة.
بل و في جلّه مخالفة صريحة لتعاليمه، إذ لا شك في أن طلب العلم بكلّ ضروبه و التبحّر فيه، فريضة على كل مسلم و مسلمة. و قد بلغت أمهات المؤمنين مستويات من فهم النصوص و روايتها ما قصر عنه فحول الرجال، و وسع إهتمام السيدة عائشة حتى الطب و الأدب.
كما أن الصحابيات كنّ حاضرات في الأسواق و ساحات الجهاد، بل و تقاسمن الرجال مجالس العلم و غيرها في المسجد النبوي دون أية حواجز من خشب أو قماش بينهم ، فيناقشن و يستفهمن. فهل كان للصحابة لو كانوا بيننا، أن يستغربوا رؤية إمرأة أو يستهجنوا سماع صوتها بجامع الزيتونة المعمورة، في إحدى ليالي رمضان أو نهاره؟
فالمرأة لإن كانت فتنة للرجل فهو كذلك لها فتنة، مصداقا للحديث الشريف "ويل للرجال من النساء و ويل للنساء من الرجال"، إنما يكمن الإختبار الإيماني لكليهما، في مدى القدرة على تسيّد النزعات و الأهواء، لتأطير قوة التجاذب بينهما ضمن البرنامج الإلاهي لحياة البشر، حتى تسود بين شقّي الإنسانية علاقات عفوية جادة، فيصبح كل منهما بركة و رحمة للآخر.
و في الاتجاه العام للآيات القرآنية، دعوة ملحّة إلى الحد من سلطة الرجل التعسفية على المرأة "و لا تعضلوهن" "و لا تجبروا فتياتكم على البغاء"، و نسف للأسس التنظيرية التي يقوم عليها إضطهادها.
فقد ذهب جمع من المفسرين، كالرازي و محمد عبده و رشيد رضا، في تأويل "النفس الواحدة" على أنها دالة على وحدة الأصل الإنساني، كمناط للتكافل و الألفة بين البشر.
و زاد عليهم سيد قطب بأن قال، مرتكزا على مستندات لغوية وجيهة، بتماثل عملية الخلق بين آدم و حواء. و ذاك أكثر تماشيا مع مقاصد الشريعة في محاربة كل أشكال التمييز و تكريس المساواة بين الناس، بدون أدنى تفاضل بينهم، إلا على أساس العمل الصالح، لا الفوارق الجسدية، "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
و على عكس ما روي في القرون المظلمة، فقد أعاد الإسلام للمرأة إعتبارها و دفع بها إلى مستوى الرجل، كشريكة في الخلافة عن الله في الأرض. فأشركها في التكريم الإلهي كزوجها "أسكن أنت و زوجك الجنة" و جعلها تتلقى مثله الأمر بالإمتناع عن الأكل من الشجرة و تقع مثله في الإغواء "فوسوس لهما الشيطان".
و رغم أن الخطاب القرآني بصيغة التذكير يشمل النساء، كما قال الشيخ ابن عاشور، فمن أبرز ما يزيد في التأكيد على التساوي بين المرأة والرجل، ما تنزل في (الأحزاب35 ) من إجابة على أم عمارة إذ قالت "ما أرى إلا كل شيء للرجال، و ما أرى النساء يذكرن بشيء"، فكان أن الآية لم تذكر الرجال في موطن خير إلا ذكرت فيه النساء على حد سواء.
أما جملة "وليس الذكر كالأنثى" ، فلئن حمّلت عليها معاني تقديم جنس على الآخر، فهي في سياقها إما دلالة على الإختصاص، أو مواساة لإمرأة عمران، التي أُعطت أنثى خير مما كانت ترجو من الذكور.
و حتى إستكثار البعض لمرتبة النبوة على النساء، فلا إستناد له إلا إدعاء الإجماع، في حين أنه رأي خالفه أكثر العلماء، كما أورد القرطبي، و أبرزهم إبن حزم و صاحب التحرير و التنوير.
فإن كانت المرأة غير مستثناة من أعلى درجات الكمال الإنساني (النبوة)، أفليس من المخجل أن نتجادل في القرن الواحد و العشرين، حول أهليتها لمنصب بعينه في الدولة؟ ألا يعكس هذا عمق أزمة التأقلم مع الحداثة، و الأصالة المكذوبة التي نتشبّث بها، رغم تعارضها مع ما سبق إليه الإسلام و أكدته تعاليمه؟
فحق المرأة بل واجبها في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و هو الأصل الأعظم للدعوة بكل أبعادها(فكرية، سياسية، إجتماعية...)، ثابت بصريح الآية (التوبة 71) .
و في عصر النبي ﷺ و خلفائه، شاركت المرأة في الشأن العام بالرأي؛ فأشارت أم سلمة في صلح الحديبية بالحلّ الذي أنقذ أحرج موقف عرفته علاقة القائد بأصحابه، و شهدت الصحابيات أهم إجتماع في تاريخ الإسلام بالعقبة، الذي إنبثق عنه قرار الهجرة، كما أن إبن عوف كان يدخل إلى خدور النساء لإستشارتهن في أفضل المترشحين الستّة للخلافة.
و شاركت كمفتية تستدرك على كبار الصحابة، و كقاضية، إذ نصب الفاروق الشفاء بنت عبد الله على الحسبة. و كمعارضة في مقام الرئاسة، حيث قادت السيدة عائشة ثلاثة آلاف من خيرة الصحابة و التابعين، تخطب و تفاوض و تنصب إمام الصلاة،و "تأمر و تنهى فإذا الأمر أمرها" كما حدّث أبو بكرة.
و بيد أن الإجماع كاد أن ينعقد على منعها الولاية العامة( الرئاسة)، إستنادا إلى حديث ظنيّ السند، لا يعدو أن يكون تعليقا على واقعة تولّي إبنة كسرى مكانه. فإن الطبري و أبو حنيفة و ابن حزم، قد أجازوا لها تولي القضاء، و هو من الولايات العامة التي تقاس شروط الإمامة عليها. كما أن الإمام الغزالي في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل الحديث"، قد بيّن أنه ليس من حاجز ديني حقيقي يحظر على المرأة تبوأ أي منصب في الدولة بما في ذلك الرئاسة.
و ذاك هو الرأي الذي أقرّه الغنوشي بل و سرّ به، قناعة منه بأن القوامة تنحصر في حدود الأسرة، أما خارجها فلم يرد ما يمنع ولاية بعض النساء على بعض الرجال.
و لإيمانه الراسخ، بأن حركة الإصلاح في إتجاه نهضة حضارية شاملة، لن تندلع إلا بتعبئة كل الطاقات خاصة المعطّلة منها. فالتحول المجتمعي المنشود، سيبقى في مسيره أعرجا، ما لم تُظبط خطى شطريه على إيقاع وتر واحد، فيحذوا حذو بعضهما، شقيقين على قدم المساواة، "النساء شقائق الرجال". فبالإضافة إلى وزنها الديموغرافي، فإن للمرأة قدرة كبيرة على التأثير في الرجل فترفعه أو تنحدر به، كما أنه بيدها تُخطّ ملامح زرع المستقبل، فلا ترضع أبناءها إلا مما تجرّعت، فإما عزة و أنفة و إما خنوع و إنكسار، و لذلك فإن كل ثورة تحررية لا تضعها موضع الشريك الكفء، هي مجرّد سمن يفور و سرعان ما يغور. فهي إذا على ضعفها مقياس لتقدم الأمم، ترتقي بإرتقائها و تنحط لإنحطاطها.
و من خلال هذه القراءة، في أهم الأدبيات المعناة بالمرأة عند حركة النهضة، بإمكاننا الإستنتاج بأن إزالة العقبات عن طريق تمكينها و الدفع بها إلى أعلى مستويات الفعل في الشأن العام، مثّل منذ عقود مشغلا محوريا للعقل النهضاوي.
كما أننا و بمعاينة الممارسات، نستطيع الجزم، بأن تلك القناعات لم تبقى سجينة الأطر التنظيرية، بل وجدت طريقها للتنزيل المطّرد. فلغة الأرقام التي لا تكذب، تقول أن كتلة الحركة، بنسبة أربعين بالمائة، هي الأكثر تمثيلا للمرأة في البرلمان، و رغم أن حضورها مازال محتشما نسبيّا في الهياكل المركزية( 25% في المكتب التنفيذي)، إلا أن تواجد 8 نساء بين ال25 عضوا الأكثر تحصلا على الأصوات في إنتخابات مجلس الشورى، و من ثمة إنتخاب السيدة جوهرة التيس لترأس مكتب الشباب، تمثل مؤشرات هامة على التحسّن المتواصل لتموقعهنّ القيادي داخل الحزب، و تنامي الوعي بأهمية الدور السياسي للمرأة، خاصة بين قادته المستقبليّين.
و بذلك يكون الإدعاء بأن هذا التوجه النسوي مجرد آلية تسويق للحركة، تمترسا أخيرا وراء آخر حصون الصراع الوهمي المفتعل، بين رجعية و حداثة. فقد كشفت التصريحات المعارضة لتقدم السيدة سعاد عبد الرحيم لترأس بلدية تونس( إمرأة، موش بلدية، خوانجية)، حقيقة الصراع القائم في تونس، بين تيار إصلاحي تجديدي يسعى إلى نفض أعباء التراث، و تيار المحافظين، المستميتين في الدفاع عن ما ساد في الماضي من تقاليد، توزَّع على أساسها السلطة و الثروة و الوجاهة الإجتماعية، و تحتكرها لصالح جنس على حساب الآخر و جهة من دون الأخريات و عائلة فكرية بعينها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.