عمر الطيب ما ستقرؤونه ليس الاّ غيرة و حرقة على ما آالت اليه الأوضاع في بلدي و رغبة في النهوض و التقدّم .... ولات حين مندم ... بل انّه وقت الشروع في العمل ... الذي لم نبدأ فيه بعد ... فهل من رشاد وحكمة يا أهل التربية والتعليم؟ لا يمرّ يوم الاّ وتسمع أصوات الفزع والغضب والبكاء والعويل على نتائج التلاميذ في الامتحانات الوطنية وقبلها حول مواضيع الامتحانات الوطنية !!! انّ المتأمّل في حال ووضع التربية والتعليم في تونس منذ اندلاع " الثورة المباركة " وبقراءة موضوعية للأحداث ومتابعة دقيقة لتدخّلات جميع الأطراف الفاعلة ... لا يمكنه الاّ أن ينتظر مثل هذه النتائج وهذه الوضعية ... المزرية والتعيسة... التلاميذ الذين ترشحوا لاجتياز الامتحانات الوطنية هم أولئك الأطفال والمراهقين الذين عاشوا الانفلات الأمني والاجتماعي والسياسي منذ سنة 2011، هم أولئك الذين تعطّلت الدروس في مدارسهم لأشهر، هم أولئك الذين انتظروا لأشهر انتهاء معارك النقابات مع الوزير، هم أولئك الذين لم يتحصّلوا على تكوين جيّد، هم أولئك الذين نجحوا آليا دون خوض لأيّ امتحان أو تقييم، هم أولئك الذين وقع عليهم تجريب أنواع مختلفة من الإصلاحات المزعومة: " الزمن المدرسي " و " المراقبة المستمرّة " و " فروض وامتحانات موحّدة " في سنة واحدة ... هم أولئك .... هم أبناء المواطن الكادح الذي أصبح عاجزا عن توفير لقمة العيش لعائلته فضلا عن توفير المال اللازم للدروس الخصوصية.... سأحاول أن قدّم البعض من الأسباب التي لا يمكن الاّ أن تؤدّي الى ما نحن عليه: - عدم الاستقرار السياسي ومعركة الهوية والأيديولوجيا أدّت الى حروب تموقع داخل وزارة التربية ممّا أدّى الى اسناد الأمور المصيرية الى أشخاص يفتقدون الى التجربة والخبرة ... بل الى الحكمة والكفاءة. - استقالة " الدولة " من الشأن التربوي وعدم اعتباره شأنا وطنيا خالصا أي لا يكون مرتبطا بأشخاص أو بهذا الوزير أو ذاك... كل الدول التي راهنت على التعليم كانت قد جعلت من التعليم شأنا وطنيا لا يمكن لأي وزير أن يأتي ويتشدّق ب " لدي مشروع "... كل المشاريع هي مشاريع الدولة ومهما كان المسؤول عليه تنفيذ أو مواصلة تنفيذ ما تمّ اقراره من إصلاحات ...لا أن يغيّر أو يبدّل المشاريع والقرارات واللجان كما يشاء أو على أهوائه وميولاته... هذا أدّى الى تدخّل الأجنبي في تقرير مصير البلاد وابتزازها من خلال تقديم تصوّرات وإصلاحات مقابل بعض الهبات والأموال التي ضاعت في الطريق .... - السماح للنقابات بفرض شروطها وتدخّلها في " الشأن البيداغوجي " أدّى الى اخلالات وأخطاء وهفوات بل فوضى تتطلّب وقتا طويلا لتنظيفها. - انتداب مدرّسين أساتذة ومعلّمين لا يمتلكون الحدّ الأدنى من الكفاءة العلمية والبيداغوجية: الذين تمّ انتدابهم من خلال العفو التشريعي العام أو الذين نجحوا في مناظرات الكاباس سواء بالملفّات أو بمعدّلات تحت ال 03/20 .... - هؤلاء المدرّسين لم يتحصّلوا على تكوين ولا تقييم ... وإطار الاشراف البيداغوجي من متفقدين ومرشدين لم يقوموا بما يجب القيام به تجاه المنتدبين الجدد ... - طرق التدريس والمقاربات البيداغوجية العقيمة ... - البرامج الرسمية والكتب المدرسية ... - منظومة التقييم الحالية ... - ماهية الامتحانات الوطنية .... - التوجيه الخاطئ ,,, - الاعداديات و المعاهد النموذجية ,,, - المسالك و الشعب... - مقاولات الدروس الخصوصية التي يجب إيجاد الحلول الحقيقية لتأطيرها وجعلها رافدا لعملية التعلّم .... - عملية التعلّم في تونس وقع ضربها في الصميم ولا يمكن انتظار نتائج عادية أو طيّبة ... المصيبة أنّه لا يمكن الاّ انتظار نفس النتائج في السنوات القادمة... انّ التحليل الموضوعي والدراسة العلمية الدقيقة والتشخيص الواقعي هو الذي يؤدّي الى معرفة الهنات والنقائص والإخلالات وبالتالي معرفة العلاج والإصلاحات الضرورية ... فقط يجب اختيار الكفاءات الحقيقية والتي لا همّ لها سوى التقدّم بالبلاد والنهوض بها واعتبار التعليم أولوية وطنية وليست حكرا على أحد... عندما لا يعترف الجميع دون استثناء بأنّ لهم قسط في هذا الوضع المتأزّم وعندما نبقى نلوم بعضنا البعض دون تحمّل للمسؤوليات كلّ من موقعه فهذا هو الخسران العظيم. أنا عمر التايب كرجل تعليم و مسؤول تربوي أتحمّل جزءا - و لو كان ضئيلا - من تدهور الوضع التربوي في تونس ... حتّى لو كان الوقوف على الربوة أو الاستقالة التامة من تقديم ما يجب تقديمه ... فهذا أيضا يعتبر ا تقاعسا لا يحق لأهل التربية و التعليم.... لنعترف و نتحمّل مسؤلياتنا كلّ من موقعه. كلّ من يرى نفسه مقصودا من هذا التحليل فأنا أقصده بل أتّهمه.