بقلم: شكري بن عيسى عندما كتبنا ودوننا وأكّدنا منذ ظهور نتائج انتخابات 2014 وحتى قبلها، بأنّ النداء حزب على شاكلة شبكات النفوذ والمافيات، يحمل في جيناته خاصيات العصابات وتشكيلات الميليشيات، ولا يستجيب بحال لمستلزمات الاحزاب الدستورية والقانونية، ولا علاقة له بالديمقراطية والشفافية، وكان ضروريا واستعجاليا حلّه قضائيا لما يشكّله من تهديد للأمن والنظام العام، لم يقبل أعضاء ومكونات هذا التنظيم التقييم القانوني والسياسي، ومنهم من احتج وهاج وماج، ولكن اليوم الطوفان العنيف صار عارما. ولم يتأخر الرد من داخل الحزب ذاته، وبدأت المواجهات تخرج للعلن بعدما كانت نوعا ما خفية، وكانت معركة "الهراوات" في الحمامات فارقة في الصدد، الى أن انطلقت المعارك في كل ميدان، والشقوق أصبحت أكثر من أن تحصى وتُعدّ، واليوم بعد استحواذ الشاهد على ثمانية نواب من كتلة النداء دفعة واحد، مباشرة اثر تشكّل كتلة جديدة مساندة لرئيس الوزراء الاسبوع المنقضي تحت اسم "الائتلاف الوطني" تضم33 عضوا، ارتقت المواجهة الى مستوى الميليشياوية والنعوت دخلت الى حقل الفظاعة والقذارة. الخصام تحوّل بشكل مباشر الى مسرح مؤسسات السلطة، وعملية "القرصنة" حسب نداء تونس تمت في قصر الضيافة بقرطاج، والمعركة صارت مفتوحة وبكل الوسائل، على غرار الاوغاد الذين اشتركوا في عملية السطو، واليوم كل يرى نفسه الاحق بالمسروق وحيازته، وبالفعل لم يكن النداء سوى عملية تحيل كبرى على الشعب، من أجل افتكاك السلطة ولم تكن الوعود سوى مغالطات كبرى، والغنيمة تحولت بسرعة الى مجال حاد للعنف المتنوع بين الاطراف، التي لم يكن يجمعها لا مبادىء ولا قيم ولا رؤى، سوى المنافع والمصالح الشخصية، التي سرعان ما قسمت الجميع. الغريب أنّ الشاهد الذي يرى في نفسه الأحق ب"الشقف"، وانّه الاجدر بوراثته والتحوّز به وجعله ماكينة في خدمته، وهو الذي كان لفترة غير بعيدة مغمورا نكرة داخل الحزب، هو من كُلّف من مؤسس الحزب بترؤّس "لجنة ال13" لتصعيد حافظ للادارة التنفيذية وسحق كل خصومه، في مقابل وعد بالصعود للقصبة تحقق بعد فترة وجيزة، عبر عملية "قيصيرية" دقيقة المراحل والاليات، لا يقدر عليها الا داهية مخضرم عايش كل الانظمة في وزن السبسي، الذي وجد نفسه كما ابنه في عين العاصفة بمجرد تفتّح عين ساكن القصبة على السلطة في 2019. وكان طبيعي أن تتحول المعركة الى "حرب شوارع" وعلى الملأ وتستعمل فيها وسائل الدولة، فالمغنم كبير ولا يقدر بثمن، والشاهد يبدو أنه أيقن أن الطريق الى 2019 لن يكون الا بامرين مركزيين، الأوّل هو استنزاف ما يمكن استنزافه من "الشقف"، لغنم ما يمكن من نواب وشخصيات داخل الحزب لاستغلاله في الوقت الحاضر من اجل تجنب ضربة في الجنب تخرجه مدحورا من القصبة، وخلخلة ما سيبقى من الحزب من اجل اضعافه حد الشلل، أما الثاني فهو البقاء في السلطة واستغلال المنصب، للحصول على عديد المكاسب والتاثير واغراء المترددين من اجل ضمهم ل"مشروعه"، والبقاء أطول وقت ممكن من اجل مراكمة ما امكن من بعض اشلاء الارقام حتى بأجزاء المائة، عبثا لتقديمها كمنجزات، ومن اجل الاطالة في بقائه اقصى ما يمكن حتى اقتراب الانتخابات، كي لا يطاله النسيان عند الشعب، فالسطوة والاشعاع في مجتمعاتنا لا يزال مقترنا بالسلطة. والشاهد اغلب المؤشرات تصب في اتجاه عدم وجود أرضية صلبة لتكوين تنظيم حزبي ضارب في الوقت الحالي، ابتداء من افتقاد مشروعية الانجاز والكاريزما وصولا الى افتقاد شخصيات وازنة يمكن ان يقوم عليها الحزب، فضلا عن ان ابرز الوجوه من وليد جلاد واياد الدهماني وبن غربية وسمير بالطيب وحتى "المنتدب" الاخير بن فرج كلها وجوه محروقة اغلبها فاقدة للمصداقية، والتصقت بها صفات الانتهازية بتسجيلها في اكثر من "مركاتو"، وأصبحت شخصيات محترفة في البحث عن التمركز والانخراط مع "الاقوى" بعيدا عن كل اعتبار قيمي، وغياب مرتكزات لانشاء حزب وازن جعلت التأخير في الحسم، للاستفادة اقصى ما يمكن من تناقضات الساحة، وتفادي افتضاح العيوب عند اول اختبار، في انتظار (حتى وهما) ظهور حدث يمكن ان يقلب الأمور ويعطي "هبة" سماوية لصاحب الطموحات المتورمة. طبعا "مولى الباتيندة" وجد نفسه في حالة صدمة مرعبة، لانه صار ضحية فعله في تصعيد احد المرتبطين به على اساس المصاهرة لاعلى مناصب السلطة، ولكن كان منتظرا ان يكون الانقلاب السياسي على "صاحب الفضل"، فالسياسة بالاساس عند هذا الحزب في المنطلق كانت لعبة ذئاب، والشاهد اقرب واحد للخفايا واكثر واحد اطلاعا على الغاية من تصعيده، لخدمة العائلة الكبرى بعيدا عن كل اعتبار المصلحة الوطنية، وبالتالي فهو في المنطلق في أساس تواجده في القصبة في تركيبته حفرت الميكيافيلية والانتهازية المقيتة، في حزب لم يمارس يوما الديمقراطية، كل قياداته معينة بطريقة مسقطة حسب شبكات النفوذ والتحكم، ما يفتح الباب لاي قوة بانتهاج أسلوب التأثير والافتكاك والسطو خارج منطق الديمقراطية والشفافية. معركة صارت مفتوحة على كل الواجهات، ومؤسسات الدولة صارت أحد الأدوات، في وقت تنهار فيه البلاد على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والمالية والسياسية، والمواطن صار عاجزا عن توفير مستلزمات حياته، واليوم صار رهينة نزوات ونزعات واهواء السلطة، بل الوطن برمته صار رهينة لدى من ائتمنهم الشعب على حقوقه، فصار يتقاذفه الجميع ويسلبوه ما بقي فيه من خيرات، فالجوع تجاوز كل الحدود والوحشية السياسية صارت في اعلى مستوى، والمجهول صار تنينا يواجه البلاد، لا أحد يعلم مدى نهمه. معركة على المسروق الذي كل طرف يرى انه الاحق به، ولا ندري حقيقة ان كان سيفيد أحدا وقد تحوّل في أغلب عناصره الى أشياء متعفنة، في مرحلة البقرة تموت وتهلك والجماعة تتخاصم على أضرعها المتلاشية للحصول على حليب، لن يحوزوه !!