فاضل الزغلامي اتّفق المتابعون للشأن التّونسيّ، على الصّعيدين المحلّي والدّوليّ، على أنّ تجربة "التّوافق" بين حركتي النّهضة ونداء تونس لعبت دورا هامّا في الحفاظ على المسار الدّيمقراطيّ في البلاد والنّأي بالثّورة التّونسيّة عن مصير مثيلاتها في ليبيا واليمن وسوريا ومصر. ومع إعلان رئيس الجمهوريّة التّونسيّة الباجي قائد السّبسي نهاية تجربة التّوافق، طُرح السّؤال حول ملامح المشهد السّياسيّ في البلاد ومصير أبرز مكوّناته، منها الحزب الحاكم المعارض، نداء تونس. لم ينتظر حزب نداء تونس طويلاً حتّى كشف عن سياسته المتّبعة بعد "الطّلاق" بينه وبين الحزب صاحب الكتلة الأولى برلمانيّا، حركة النّهضة، وسرعان ما "كشّرت قيادات الحزب الّذي أسّسه الباجي قائد السّبسي عن أنيابها"، بحسب مراقبين، وأظهرت العداء لحليفها السّابق، ولزميلها "المجمّد" يوسف الشّاهد، رئيس الحكومة الحاليّ. وقبيل أشهر من محطّات انتخابيّة هي الأكبر في تاريخ تونس، كما يصفها سياسيّون، سعى حزب "نداء تونس" إلى استدعاء أجواء 2013 بما تحلمه من استقطابٍ ثنائيّ وخطابٍ إيديولوجيّ، الأمر الّذي لم يكن كافيًا بالنّسبة له ليحافظ على تماسكه، حيث تراجع عدد نوّابه في البرلمان بعد موجة استقالاتٍ شملت حتّى قياداتٍ بارزة داخله، على غرار منجي الحرباوي. أمام نزيف الاستقالات هذا، "استنجد" الباجي قائد السّبسي، وفق ما أكّدته وسائل إعلامٍ محلّيّة، بسليم الرّياحي، ليعقد معه "صفقة" انداماج بين حزبي نداء تونس والاتّحاد الوطنيّ الحرّ في محاولة لرأب الصّدع، فاستعاد بذلك المركز الثّاني في ترتيب الكتل البرلمانيّة، ب 46 نائبًا. خطوة وإن أبقت عليه كلاعبٍ أساسيّ في المشهد السّياسيّ، رغم ما نتج عنها من احتجاجات داخليّة بدعوى "إقحام غرباء عن الحزب" بحسب ما صرّحت به قياداتٌ جهويّة، إلاّ أنّها لم تحصّن نداء تونس من هزّات عنيفة زادت من إضعاف استقراره. قضايا فسادٍ تلاحق قياداتٍ من نداء تونس: فيوم أمس الأربعاء، كشفت جريدة "الشّروق" التّونسيّة ما أسمته "فضيحة" هزّت أركان مجلس نوّاب الشّعب. وأوردت الصّحيفة على لسان منى البوعزيزي، أنّ عددًا من نوّاب حزب نداء تونس "مثلوا أمام قاضي التّحقيق في القطبين القضائي والمالي بتهم الثّراء الفاحش، غير القانوني، بالإضافة إلى علاقاتهم المشبوهة برجل الأعمال شفيق جرّاية". وفي هذا السّياق، أفادت الصحفيّة منى البوعزيزي أنّ شفيق جرّاية "قام بشراء نوّابٍ عن حزب نداء تونس بمبلغ قيمته نصف مليار"، مشيرة إلى أنّ النّواب الّذين تمّت دعوتهم للتّحقيق "كانوا موظّفين لا يملكون ثروة تذكر قبل التحاقهم بالمجلس"، لنجد اليوم أربعة منهم وقد امتلكوا سيّاراتٍ فاخرة جدّا لا يقلّ سعر الواحدة منها عن 120 ألف دينارٍ، فضلاً عن عقاراتٍ بالبحيرة وحدائق المنزه وحيّ النّصر، وحساباتٍ بنكيّة مشبوهة. القطيعة مع وسائل الإعلام: إثر ذلك، صدر عن الدّيوان السّياسيّ لنداء تونس بيان أول أمس الأربعاء 28 نوفمبر، للتّنديد ب "حملات التشّويه والمنظّمة والّتي تشنّها عدد من وسائل الإعلام ضدّ قيادات الحزب بأولمر فوقيّة". واستنكر الدّيوان السّياسيّ للحزب ما قال إنّه "تدخّل من رئاسة الحكومة في المؤسّسات الإعلاميّة المصادرة والعموميّة" معلنا مقاطعته لعدد منها، على غرار جريدتي الصّباح والشّروق، وقناتي التّاسعة والحوار التّونسيّ. وفي مداخلة إذاعيّة، حذّرت النّاطقة الرّسميّة باسم نداء تونس أنس الحطّاب الصّحفيّة بجريدة الشّروق، منى البوعزيزي في خضمّ حديثها عمّا كشفته من قضايا فسادٍ تتعلّق بنوّاب حزبها. وتوّجهت أنس الحطّاب لمنى البوعزيزي، في مداخلة إذاعيّة بالقول إنّ "من نشر خبر مثول تورّط نوّاب نداء تونس في قضايا فساد، يردّ بالو على روحو.." إضافة إلى الصّحفيّة منى البوعزيزي، كشف المحلّل السّياسي لزهر العكرمي في آخر ظهورٍ إعلاميّ له أنّ الأمين العامّ الجديد لحزب نداء تونس، سليم الرّياحي، "هاربٌ خارج أرض الوطن ولا ينوي العودة خوفا من السّجن"، بسبب قضيّة تتعلّق باستيلائه على مبلغٍ قيمته 23 مليار من النّأدي الإفريقي، وفق ما أفاد به محامي الفريق. وفي معرض حديثه عن سليم الرّياحي، قال لزهر العكرمي مساء الأربعاء إنّ "سليم الرّياحي رفع قضيّة ضدّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد، تتعلّق بالإعداد لانقلابٍ على رئيس الجمهوريّة التّونسيّة الباجي قائد السّبسي، ثمّ لاذ بالفرار". تجدر الإشارة إلى أنّ نقابات أعوان إطارات أمن رئيس الدّولة والشّخصيّات الرّسميّة ندّدت بما أسمته "الزّج بها في هذه القضيّة إن هو إلاّ محاولة لاستدراج السّلك في معركة لا تعنيه"، مضيفة أنّ "زمن الانقلابات قد انتهى". وأضافت النّقابة :"كلّ من تُصوّر له مخيّلته الضّيّقة أنّه قادر على أن يدخل قيادات وإطارات وأعوان الأمن الرّئاسي خارج ما يضبطه القانون لم يخبر ولاءنا المطلق إلى قيم الجمهوريّة". القطيعة بصفة نهائيّة مع يوسف الشّاهد: مثّل رئيس الحكومة يوسف الشّاهد محور الخلاف بين حزب نداء تونس ممثّلا في رئيس الجمهوريّة وابنه، وحركة النّهضة، بعد رفض الأخيرة طلب حليفها السّابق إقالة يوسف الشّاهد وإقرار تحوير وزاريّ كلّيّ. وعلّلت حركة النّهضة آنذاك رفضها بسعيها الحفاظ على حدّ أدنى من الاستقرار السّياسيّ في البلاد. وفي وقتٍ سابقٍ، هاجم رئيس الحكومة القياديّ نجل رئيس الجمهوريّة، حافظ قائد السّبسي، متّهما إيّاه بالوقوف وراء الأزمة الّتي تعصف لنداء تونس، ليصدر عن الحزب بعد ذلك قرار بتجميد عضويّة يوسف الشّاهد. ومؤخّرا، قال يوسف الشّاهد لدى حضوره في البرلمان لتقديم التّقرير العامّ حول مشروع ميزانيّة الدّولة ومشروع الميزان الاقتصاديّ لسنة 2019، إنّه لن يتأثّر "بقول من يرى في العودة إلى الشّرعية والدّستور انقلابا"، في تصريح رأى فيه محلّلون أنّه دليل على أنّ علاقة النّداء برئيس الحكومة وصلت إلى نقطة اللّاعودة. والأسبوع الجاري، كشفت تقارير إخباريّة نيّة يوسف الشّأهد إعلان تأسيس حزب جديد مع بداية شهر جانفي المقبل، ملفتة إلى أنّ كتلة "الائتلاف الوطنيّ" بالبرلمان، والّتي تضمّ مستقيلين من حزب نداء تونس، وحزب آفاق تونس وغيرهما، ستكون نواة هذا الحزب الجديد. وتضمّ كتلة الائتلاف الوطنيّ 44 نائبا. حركة النّهضة تعرضُ عن نداء تونس: ونهاية الأسبوع الماضي، صرّح رئيس حركة النّهضة التّونسيّة، من إيطاليا، بأنّ تونس تسير نحو تكوين ما أسماها "الكتلة التّاريخيّة" الضّروريّة للعبور بالبلاد نحو الاستقرار السّياسيّ. وتشهد علاقات حركة النّهضة في الأشهر القليلة الماضية، مع أحزابٍ على غرار "مشروع تونس" تطوّرا وتقاربا حيث تحدّثت وسائل إعلاميّة عن لقاءات جمعت محسن مرزوق بعبد الكريم الهاروني، القياديّ بالنّهضة. ويلاحظ المراقبون في هذا الصّدد أنّ الخطاب الإعلامي لقيادات حزب "حركة النّهضة" ونوّابه البالغ عددهم 67، قد تغيّر ليصبح "أكثر حدّة" رغم المحاولات المتواصلة لإبقاء "شعرة معاوية" مع رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي. وفي آخر ظهورٍ إعلاميّ له، أشار القيادي بحركة النّهضة، عبد الكريم الهاروني إلى وجود "أطرافٍ داخل قصر قرطاج تعمل على استغلال مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة والمسّ من حيادها والضّغط لفرضِ أكاذيب تبثّها الجبهة الشّعبيّة وهيئة الدّفاع عن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي". كذلك، أكّد عبد الحميد الجّلاصي، القياديّ بنفس الحزب، في تصريحات إذاعيّة يوم أمس، أنّ "النّهضة ستكشف للتّونسيّين كلّ الحقيقة كلّ الحقيقة بخصوص قضيّتي اغتيال شكري بلعيد ومحمّد البراهمي"، ملفتا إلى أنّ عناصر من هيئة الدّفاع عن بلعيد والبراهمي عملت مع الرّئيس المخلوع زين العابدين بن علي. سياسة الأرض المحروقة: وكان رئيس الجمهوريّة التّونسيّة التّونسيّة الباجي قائد السّبسي استقبل الأسبوع الجاري أعضاء هيئة الدّفاع عن شكري بلعيد ومحمّد البراهمي. ويقول متابعون للشأن السّياسي إنّ خطوة الباجي قائد السّبسي لا تعدو أن تكون واحدة من "مكائده" للضّغط على حركة النّهضة، ويوسف الشّاهد، في إشارة إلى قضيّة التّخطيط لانقلابٍ ضدّه والّتي كان نداء تونس قد أعلن عن تبنّيها سياسيّا، فضلاً عن التّوجه إلى عرض قانون المساواة في الميراث على البرلمان؟. وبحسب ما صرّح به لزهر العكرمي فإنّه لم يبقى أمام حركة نداء تونس في ظلّ ازدياد عزلتها سوى اتّباع "سياسة الأرض المحروقة" ونشر الفوضى السّياسيّة. والأسبوع الماضي، ساندت قيادات من النّداء، بقوّة، الإضراب العامّ الّذي شنّه الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل. وتحدّثت وسائل إعلامٍ دوليّة في هذا الصّدد بعن أنّ الإضراب العامّ هو "خطوة من خطوات الباجي قائد السّبسي لإضعاف رئيس الحكومة التّونسيّة يوسف الشّاهد"، والّذي أكّد مؤخّرا أنّ أبواب الحوار مع المنظّمة الشّغيلة كان ولايزال مفتوحا. بدوره، أبدى الأمين العامّ للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل بمناسبة افتتاح المجلس الوطنيّ للحوار الاجتماعيّ رغبة في "إيجاد أرضية للحوار مع الحكومة من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة تأخذ بعين الإعتبار الوضعية الإجتماعيّة". يأتي كلّ هذا في وقت استقبل فيه رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السّبسي رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، عرّاب انقلاب عبد الفتّاح السّيسي على الرّئيس المعزول محمّد مرسي، بالإضافة إلى وليّ العهد السّعودي محمّد بن سلمان، في انتظار لقاء سيجمعه مع المشير اللّيبي خليفة حفتر.