قنواتهم الرسمية وصالوناتهم يتحسسون فروات رؤوسهم، خشية من ان يُحلق لهم، بعد ان حُلق لاقرانهم فضائيا، يعمل سدنة الاعلام حاليا علي صرف اهتمام الناس عن الحريات الاساسية الحقيقية والقضايا الجوهرية الي اشاعة القنوات الفضائية الغنائية التي نافت علي 15 في مختلف العواصم العربية. هذا التحول المفاجيء والملفت يبدو ارضاء شكليا لمطالب الغرب الاصلاحية والهاء للناس في صروف الجنس وبيع الاوهام، املا في تأجيل الاستحقاقات الديمقراطية والتعددية والشفافية وحكم دولة المؤسسات والقضايا العالقة، عن طريق صرف الناس عن القنوات السياسية بعد أن أعيتهم الحيلة. فقد اسعفتني اجازتي السنوية الطويلة التي قضيت جُلها في هوليوودنا القاهرة ان اتابع اثنتي عشرة محطة غنائية عربية عن قرب هي: روتانا، ميلودي هيت، ال. بي. سي، الخليجية، ميوزيكا، سترايك، نغم، ميوزك بلاس، انفنتي، ستار اكاديمي وغيرها. لشدة دهشتي وجدت جل الجمهور في القاهرة والشام يفرّج عن كربه الحالي بحرية نحسد عليها، وهي حرية التقليب بين محطات النايل سات لمشاهدة كليبات غنائية Semi-Porno بحثا عن اللذة الابيقورية، لدي مطربات مؤديات يمارسن فصول رقص سادي وكأنهن في محافل زار للغرائز والرغبات. هذه المحطات باتت تتنافس علي استقطاب نجوم ونجمات السقوط واذاعة كل الاغاني المشبوهة اخلاقيا.. وقاسمها المشترك انها بدون فن وبدون رقابة وبدون قيود.. وبدون ملابس.. وبس. فحينما صعد نجم هيفاء وهبي التي غزت التلفزيونات والحياة العامة العربية بغوايتها وجسدها بنتوءاته وتجويفاته خلناها طفرة في الذوق وفي الفيديوكليب فيما كانت حقيقةً البيان الاول في ثورة التحرر و الاصلاح الراهنة في ديارنا العربية. فقد تداعي اغلب المنتجين، الذين قابلتهم وشاهدت اعمالهم علي هذه الفضائيات لبث ثقافة المصاصة و العلكة وشهوة الحلوي والفراش والعامود ومايوهات المسبح. فشاهدنا نجمات الاثارة يتطايرن كألسنة اللهب من قناة الي اخري يعاقرن كل شيء حميمي خاص، فها هي روبي تمارس الرياضة بملابسها اللاصقة، والتي تنقل ادق التفاصيل انا اعمل ايه باللي بحبه/ يا ويلي يا ناري وتتعري ايحائيا امام صديقها لتضمن لنفسها قدرا وسيعا من الاثارة والرواج. ولحقت بركبها اليسا ونانسي عجرم ومروي وميسم نحاس ونجلا وحنان عطية وهنادي وبوسي سمير، وغيرهن الكثير، ممن لم تسعفني الذاكرة، في تخزين اسمائهن من مطربات الغرائز و الايروتيك اواي. تأملوا معي كلمات هذه الاغنية المنتشرة حاليا علي هذه الفضائيات: جاي بسلامته يرمي ابتسامته/ فاكرني باجي بالحبة دول.. وانا في المحبة باجي حبة حبة.. باجي بالهداوة وبالاصول بشويش بالراحة/ واسمعها مني وما تهددش . وهكذا اصبحنا نشاهد فتيات الليل في منازلنا يحشدن كل اسلحة دمارهن الشامل للايقاع بكل من تسول له نفسه مشاهدة الاغاني المصورة للتطهر من ادران الحياة العربية اليومية. هؤلاء المطربات بنات الكليب بتن هن المثال و شباب الكليب هم القدوة في الملبس وتسريحات الشعر وحركات الاثارة والاغراء، ويحللن ضيفات مبجلات علي البرامج الثقافية والفنية العربية ليناقشن سر أزمة المسرح والسينما ويقدمن نصائح تقيل الحياة الفنية من عثراتها وتنتشل الشباب من وهاده. فمن فتاة الشورت الصارخ التي تتلوي مع الحصان الي تلك التي تتعري في الحانة مع جموع السكاري، واخري ترقص في الديسكو محتضنة عمودا قاسيا تلتف حوله كحية سلاّلة، الي بوسي سمير تتأوه غنائيا بهذه الكلمات بحبه هوه يا قلبي هوه/ تعبت منه تعبني هوه.. ادخله جوه يجيلي بره.. اجيله بره يجيلي جوه.. افتح وادخل في القلب.. حسسني بطعم الحب . أما هنادي فتستأثر بأحداق المشاهدين وهي نائمة بملابسها البيضاء الشفافة تتلوي وتلوي معها أعناق المشاهدين الغياري. اذاً.. كل المحطات الغنائية مطالبة بوضع النقط علي الحروف قبل ما نطلع سوي للروف! بكيني ماريا ماريا .. وما أدراك ماريا.. إنها مطربة لبنانية ارمنية عمرها 19 عاما، حصلت علي لقب ملكة جمال البكيني في جزيرة مالطة منذ عامين، وهي نجمة نجوم الفضائيات هذه الايام بأغنيتها اليتيمة إلعب.. إلعب.. إلعب . هل شاهدتموها وهي تلحس الآيس كريم لحساً شبقياً.. وهي تستحم أيضاً في بانيو الحليب مع الكورن فليكس علي إيه يا جميل الصورة/ هو احنا بنعشق يا حبيبي/ ولا إحنا بنلعب كوره ؟ ماريا مطربتنا الغراء او الاغراء يتبناها حاليا في مصر المنتجان نصيف قزمان وجمال مروان صاحبا شركة ميلودي . المثير ان المطربة لا تجيد اللغة العربية مما اضطر المنتجين ان يكتبا لها الاغاني بالحروف اللاتينية التي تجيدها. ماريا باحت لنا انها تقوم بالترفيه عن الشباب العربي عبر الفضائيات، وان غناءها ليس اغراء بل هو دلع، اما الاغراء الحقيقي والايحاءات الجنسية فشاهدوها لها بعد عيد الفطر في اغنيتها الجديدة عندك شي ومطلعها يقول عندي شي ما بعرف شو.. شو/ بيجيني وبيدوبني وبيطيرني وبيلعبني/ بياخدني علي عالم تاني بيرجعني في ثواني/ بيريحني وبيتعبني/ تعرف شو.. ما بعرف شو . حتي انا، كاتب هذه السطور، ما بعرف شو.. بتعرفوا انتو شو؟ شو. عصر الفواكه الفضائي وما دمنا في المحطات الغنائية، تستعر المنافسة بينها حاليا علي انتاج اغان تحمل مورثات الفواكه بأصنافها المدارية والاستوائية، بعلية كانت أم مروية. وتحتدم المنافسة حاليا بين محطة الخليجية الغنائية الجديدة، التي انتجت اغنية يا البرتقالة وكانت صيحة خليجية عالية في عالم الفانتسيز والرغبات الخفية، وبين محطة سترايك اللبنانية من جهة اخري، وهي تتسابق مع اترابها، والتي انتجت ايضا أغنية تحمل اسم يا يوسف افندي بنفس الجمل الموسيقية وتجد رواجاً كبيراً خاصة في الخليج لما لايقاعاتها من تمايل الموز وانحناء الاجاص وتكور الدراق ونعومة المانغا. ودخل علي خط المنافسة الفضائية هذه ايضا مغني البرتقالة الثالثة المطرب العراقي علاء سعد، الذي نجح بدوره في نقل البرتقالة العراقية من أسواق الخضار والفاكهة في بغداد الي حواضر الفضائيات الغنائية العربية. ونحن بانتظار اغان جديدة للجزر والفليفلة و يا فجلةً في خيالي ووداعا للرومانسية واغاني الورود والياسمين واهلاً بالعصائر الطبيعية.. ويا ورد مين يعصرك عني!