فرانس 24 - القائمون على شركات الخدمات الجنائزية في فرنسا لا يخفون قلقهم من نقص الإمكانيات وخصوصا عدم توفر الأقنعة الواقية. "هذا جنون"، كما يصف فرانك فاسير مدير شركة "لوترو ريف"للخدمات الجنائزية بخصوص ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا. فرانك فاسير يشرف على شركتين للخدمات الجنائزية فيباريس وليون (ثالث كبرى مدن فرنسا الواقعة بوسط البلاد). على مدى الأسبوعين الماضيين، سجل باتيست سانتيلي وهو مدير دار الخدمات الجنائزية "سانتيلي"، زيادة بنسبة 40% في عدد الوفيات التي تتعامل معها شركته. يقول لفرانس24: "لقد عالجنا 26 حالة مرتبطة بفيروس كورونا، وهو عدد ضخم مقارنة بإجمالي عدد الوفيات". خلال هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، يجد العاملون في شركات الخدمات الجنائزية، من مستشارين ومسؤولين عن النقل والعاملين في عمليات توضيب الجثامين وتجميلها والمشرفين على حرق الجثث، أنفسهم في الخطوط الأمامية لهذه الحرب ضد الفيروس. ومع تغير طرق الإشراف على الجثامين ونقص المعدات المتاحة، زاد قلق هؤلاء المهنيين. فهم يتوجب عليهم التكيف مع الأوضاع من خلال حماية موظفيهم والاستجابة بأفضل شكل ممكن لطلبات الأسر. إيداع الجثث فورا في توابيت "نعيش غموضا تقنيا"، يقول فرانك فاسير بأسف في إشارة إلى آخر التعليمات المتعلقة بالتعامل مع جنائز المتوفين بفيروس كورونا. حتى 24 مارس/آذار، اتسمت توصيات المجلس الأعلى للصحة العامة بالتشدد، إذ منعت غسل الجثث وتحضيرها، كما منعت تسليمها للعائلات وأمرت بوضعها فورا في التوابيت. بعد ذلك، اتسمت التعليمات بنوع من المرونة إلى حد ما، إذ تسمح اليوم بإجراء عمليات تجميل للجثث، وأيضا عرض المتوفى على أقاربه، إذ تم تخفيف القواعد بعد أن تبين أن انتقال الفيروس يقل بعد وفاة المريض. كما يسمح للأقارب بإلقاء نظرة أخيرة على وجه المتوفى في المستشفى أو في الغرفة الجنائزية مع مراعاة إجراءات الوقاية" بحسب توصيات الهيئة المكلفة بالمساعدة في اتخاذ القرارات لدى وزارة الصحة. لكن العديد من العاملين في القطاع الجنائزي يرفضون القيام بذلك، بحسب فرانك فاسير، الذي أوضح بأن شركته ستواصل اتباع نفس الإجراءات وهي وضع الجثث في توابيت مباشرة من دون عرضها على الأقارب قبل إيداعها في غرف حفظ الجثث. "وإلا فإنه في غضون أسبوع، لن يتبقى موظفين لدفن المتوفين". وهي نفس الطريقة التي يتبعها باتيست سانتيلي والذي يملك تسع وكالات في منطقتي إيل دو فرانس (باريس وضواحيها) والواز (شمال باريس) وثلاث شركات جنائزية. ويقول سانتيلي: "لن أغير طريقتي في العمل.. أريد أن أحافظ على موظفي شركتي لأننا لا نعرف حقا ما إذا كانت الجثث شديدة العدوى أو إذا كان جسم المصاب أقل عدوى عندما كان على قيد الحياة". "نعيش في خوف دائم" يقول فرانك فاسير: "في هذا السياق الصعب، يجب على الشركات الجنائزية المحافظة بأي ثمن على سلامة موظفيها وهم الذين يعانون أصلا من نقص في التجهيزات". ويضيف: "نحن نعتبر أن العاملين ليسوا محميين بالشكل الكافي لأنهم لا يُعتبرون من الطواقم الطبية. ليس لدينا شيء على الإطلاق، لدينا ثلاثة أقنعة بسيطة فقط لفريق من خمسة أفراد ونستقبل الأشخاص باستمرار". ويشير باتيست سانتيلي إلى أن "الوضع صعب للغاية"، مضيفا أنه "من المفروض أن نكون مجهزين بعدّة خاصة عندما نذهب لجلب متوفى بفيروس كورونا. عدة تتكون من بدلة واقية خاصة وأقنعة ونظاراتوواقي للأحذية. لكن من الصعب جدا الحصول على هذه المعدات. وأرجو أن توفر لنا الحكومة البعض من هذه الأدوات قريبا". إلى حد الآن لا يُعتبر العاملون في القطاع الجنائزي من بين المهنيين الذين لهم الأولوية في الحصول على أقنعة طبية. الكثير من مهنيي القطاع استخدموا "حقهم في الانسحاب" لأنهم على اتصال مباشر ومطول مع الموتى، ويبرر باتيست سانتيلي هذا القرار بالرغبة في حماية جميع الموظفين. في وكالاتها التسع، اتخذت شركة باتيست سانتيلي عدة إجراءات للحفاظ على العملاء والموظفين كاستخدام القفازات والأقلام ذات الاستخدام الوحيد. ويضيف مسؤولها الأول "حاليا، نستقبل عددا كبيرا من العائلات التي كانت على اتصال بالمتوفي بسبب فيروس كورونا أو حتى أشخاص مصابين بالفيروس، نعيش في خوف دائم". وفي كلتا شركتي الخدمات الجنائزية التي اتصلنا بهما، يقتصر حضور الأشخاص داخلهما على ثلاثة فقط، اثنان من عائلة المتوفي وشخص واحد من العاملين بالشركة. وشخصان فقط إذا تعلق الأمر بوفاة من جراء فيروس كورونا. ويعتبر فرانك فاسير أن هذا الإجراء ضروري رغم الصعوبات التي يتضمنها، ولا سيما حين يتحتم صرف الأشخاص خارج الشركة الجنائزية. "نحن مرهقون..." كل هذه القيود تنطبق أيضا خلال مراسم الدفن والحرق، كما يوضح مدير شركة "لوترو ريف" للخدمات الجنائزية والذي يضيف بأنه لا يسمح بإجراء مراسم خلال عمليات حرق الجثث، "يتم تنفيذ العمليات التقنية المتعارف عليها فقط، إذ يوضع التابوت في محرقة الجثث ويتم حرق الجثث من دون حضور العائلة". الكنائس من جهتها حددت عدد الأشخاص الذين يمكنهم حضور الاحتفالات الدينية في عشرين شخصا، وفرضت تدابير صحية كاحترام مسافة أمان لتجنب العدوى. وتعتمد المقابر نفس الطريقة، حتى أن بعضها يمنع دخول أكثر من عشرة أشخاص. تعقد هذه الظروف عملية الحداد الطويلة التي تمر بها العائلات عند فقدان أحد أفرادها. ويقول باتيست سانتيلي بأنه في الأسابيع الأخيرة ومن بين المراسم الجنائزية ال65 التي أشرفت عليها شركته، فقد لاحظ غياب أفراد العائلة خلال مراسم نحو 20 شخصا والسبب أنهم مصابون بفيروس كورونا أو يخشون مغادرة بيوتهم". لتعويض هذا الغياب، يقول مدير شركة سانتيلي الجنائزية أنه أنشأ نظاما خاصا يقوم على تصوير الجنائز ليضمن للعائلات حسن سير العملية. وهو أيضا "يقترح على العائلات تنظيم مراسم تكريمية في المقبرة بعد رفع الحجر الصحي وتلاشي الوباء". يعترف باتيست سانتيلي بأنه من الصعب توفير مرافقة ودعم إنساني في هذه الظروف العصيبة، "فلا أحد من العاملين في شركات الخدمات الجنائزية جاهز لذلك، علينا احترام الإجراءات الأمنية واحترام مسافة الأمان... بالطبع التعاطف موجود ولكن الوضعية معقدة للغاية". ويؤكد المسؤول على "العمل الاستثنائي" الذي يقوم به العاملون معه. ويضيف فرانك فاسير: "نحن مرهقون. هناك عمل كثير لكننا نقوم بالعمل الصحيح، وهذه هي طبيعة وظيفتنا، لا يقتصر الأمر على وضع الجثامين في توابيت وإغلاقها".