- نشر الهادي الجربي عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري قراءة لمشروع الاتفاقية الثنائيّة بين الدولة التونسيّة وصندوق قطر للتنمية هذا نصّها: لا يزال ملفّ مشروع الاتفاقية الثنائيّة بين الدولة التونسيّة و صندوق قطر للتنمية يُثير الجدل والنقاش بين مُؤيِّد متحمّس و رافض قاطع، و بينهما قلّةٌ اختاروا الحياد و اعتبروا فيه السلامة...كلٌّ حسب خلفيّاته و انتماءاته بل و حتى ميولاته الشخصيّة لشِقّ دون آخر، ليَضيعَ في النهاية جوهرُ الموضوع في خِضمّ التموقعات الإيديولوجية وفي قلب الصراعات والتجاذبات السياسوية وخدمة أجندات المال و المصالح المحليّة و الإقليمية. و بعيدا عن ردود الأفعال الاعتباطية والتمسّك بالقوالب الجاهزة والأحكام المُسْبقة دون إعمال رأي ولا بحث وتقصّي حقيقيَّيْن للمردود الاقتصادي والمالي لهاته الاتفاقية بما يعود بالنّفع على تونس في إعادة هيكلة اقتصادها وتدعيم مختَلَف مجالات التنمية وتوفير أقصى قدْر من الاستثمار الخارجي دعما لرأس المال الوطني، فإنّ الحزب الجمهوري يرى أنّه من الحكمة وروح المسؤولية الوطنية والبراغماتية السياسية أن نقوم بقراءة موضوعية ونزيهة لهاته الوثيقة، واضعين في مقدّمة اهتماماتنا مصلحة تونس. الوثيقة : هي مشروع اتفاقية تتضمّن أربعة عشر (14) فصلا في اثني عشر (12) صفحة، مطروحة على مجلس نوّاب الشعب في جلسة عامة، حول تركيز مكتب "الصندوق القطري للتنمية" بتونس. وهي في مُجْملها لم تخرج من حيث الشكل والبناء عن الإطار العام للاتفاقيات الدولية سواء بين الدّول أو المنظّمات العالمية التي تُعْنى بالاستثمار والتنمية والثقافة والتجارة وغيرها من مجالات التعاون الدولي. و تأتي هذه الاتفاقية في إطار مذكّرة التفاهم بين الطرفين التونسيوالقطري المؤرخة في 29 نوفمبر 2016 بشأن فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس. هذا وقد وافقت الدولة التونسية على منح التسهيلات اللازمة طبقا للقوانين المعمول بها لإنجاز المشاريع المُقترحة من طرفها بالاتفاق مع الطرف القطري. و بالتوقّف عند سبعة(7) فصول واردة في هذه الوثيقة (الفصول 3,4,6,7,9,11,14)، يمكن ملاحظة مدى تكافئها ودرجة حمايتها للمصالح والسيادة الوطنية التونسية : - ينصّ الفصل الثالث(3) في جملته الأخيرة عل أن يقومَ الصندوق باختيار مشاريع " بناءً على اقتراح من الطرف التونسي". - يتعرّض الفصل الرابع(4) إلى مجالات التعاون التنموية و عددها تسعة(9)، على النحو التالي: الطاقة - التربية و التكوين و البحث العلمي - الموارد الطبيعية، الفلاحة و الصيد البحري - الصناعة - السكن - السياحة - تكنولوجيا المعلومات والاتصال - التمكين الإقتصادي. - ينصّ الفصل السادس(6) على تمتّع مكتب الصندوق في تونس بالشخصية القانونية " طبقا للتشريع التونسي و التراتيب الجاري بها العمل" . - يُشير الفصل السابع(7) في فقرته الثالثة(3) إلى أنّ مكتب الصندوق " لا يسمح أن يكون مقرُّه مَلْجئًا يحتمي به أيُّ شخص يجري البحث عنه لتنفيذ حكم قضائي ضدّه ...". - يُلزِم الفصل الحادي عشر(11) كلّ موظّف في مكتب الصندوق بتونس " أن يحترم قوانين وتراتيب البلد المُضيف، كما يجب عدم التدخّل في شؤونه الداخلية " . - يتعهّد الفصل الثاني عشر(12) بتسوية ما قد ينشأ من خلاف بين الطرفين حسب التراتيب المعمول بها دوليّا، ابتداء من الطرق الدبلوماسية إلى إجراءات المصالحة للجنة الأممالمتحدة في مادّة القانون التجاري الدولي، إلى هيئة تحكيم يؤسِّس لها الطرَفان. - ينصّ الفصل الرابع عشر(14) و الأخير أنّه بإمكان الطرفين تعديل الاتفاقية أو حتى إنهاء العمل بها سواء بالتراضي أو بإشعار أحد الطرفين، " و لا يؤثّر إنهاءُ العمل بهذه الاتفاقية على المشاريع التي هي في طور الإنجاز و التي تبقى واجبة الوفاء و السداد". تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الحملات المناهضة لمشروع هذه الاتفاقية لم تستند لقوانين الاستثمار الدولي أو للتشريعات التونسية والتي أكدت الفصول السابق ذكرها لمشروع هذه الاتفاقية التزامها بتطبيقها. كما أن جل مؤسسات التمويل والتعاون الدولي المنتصبة في تونس أمضت اتفاقيات مماثلة شكلا ومضمونا وتحصلت على نفس الامتيازات المتعلقة بطرق التسيير والانتداب وتحويل المرابيح، دون أي مخالفة لقوانين الاستثمار. أما حجة كون هذه الاتفاقية تهدد بتملّك الأجانب للأراضي الفلاحية، فهذا مجانب للصواب باعتبار كون الاتفاقية تعهدت بتطبيق القوانين التونسية والتي هي بدورها تمنع تملك الأجانب للأراضي الفلاحية. بعد هذا العرض، يجدر التأكيد أنّه تبقى للحزب الجمهوري بعض التحفّظات والمآخذ الشكلية والجوهرية لنقاط تضمّنتها الوثيقة، و المتمثّلة في النقاط التالية: أ - الجانب التحريري للوثيقة غلب عليه الأسلوب السردي بإطالة و إسهاب مُمِلّيْن في بعض الفصول كان من الأجدى تفاديهما بالاختصار . ب - ضرورة مراجعة صياغة الفقرة العاشرة(10) من الفصل السابع(7) لتوضيح عبارة " يُعيقُ" و ضبط مدلولها وحصر مفهومها في النَصّ. ج - توضيح صِيَغ التدخّل و حدوده لكلّ طرف في إنجاز المشاريع المُتّفَقِ عليها في الفقرة العاشرة(10) من نفس الفصل السّابع. د- إعادة النظر في عدد مجالات التعاون التنموية (9) و تقليصها إلى سبعة(7) بسحب مجالَيْ: - الموارد الطبيعية و الفلاحة ( الإبقاء على الصيد البحري ). - تكنولوجيا المعلومات والاتصال. و في الختام، يؤكّد الحزب الجمهوري مجدَّدا أنّ المزايدات السياسية و اختلاق الخصومات والمعارك الوهمية لا تزيد المشهد السياسي المرتبك بطبعه إلا إرباكا مُضاعَفا، بما يُبعِدنا أكثر عن أهدافنا الحقيقية في التنمية ودعم السيادة الوطنية التي كان دَومًا الحزب الجمهوري أوّل المنتصرين لها و لِقِيَمها و أصْلبَ المدافعين عنها.