بقلم ادريس العوسجي (*) الأزمة الاقتصادية القادمة ستكون اكثر تأثير من أزمة 2008 و سيكون أثرها على المواطن التونسي أكثر حدة من الأزمات السابقة فمع تفاقم البطالة، خصوصا بالنسبة للوظائف الهشة و المرتبطة بالسياحة بشكل مباشر أو غير مباشر، ستتهاوى القدرة الشرائية للمواطن، خصوصا الطبقة الضعيفة و الطبقة المتوسطة، مع فقدان الدينار التونسي لقيمته امام العملات الأجنبية. كشف المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية في دراسة نشرت في شهر ماي 2020 عن امكانية فقدان ما يقارب 430 ألف موطن شغل في تونس خلال فترة الثلاثة أشهر من الحجر الصحي، أي بمعدل 143 ألف موطن شغل في الشهر الواحد، وذلك منذ بداية انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) منتصف مارس الماضي. كما ينتظر عدد من الاقتصاديين أن ترتفع نسبة البطالة من جراء هذه الجائحة من 14,9 في المائة نهاية 2019 إلى 20 أو25 بالمائة نهاية 2020. كما أعلن المعهد الوطني للإحصاء يوم 22 ماي، أن الناتج المحلي الإجمالي لتونس انكماش بنسبة 1,7 في المائة في الربع الأول من 2020، إذ تضرّر قطاع السياحة بشدة من أزمة فيروس كورونا(كوفيد-19). وبرغم من أن تونس قد بدأت منذ أسابيع في تخفف القيود المفروضة على تنقل الأفراد وعمل الشركات، إلا أن الجائحة قد ألحقت الضرر كبير بقطاع السياحة الذي يساهم بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مصدر رئيسي للعملة الأجنبية. كما رجح رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة تتراوح بين 4 إلى 7 في المائة هذه السنة جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وهو أكبر انكماش منذ الاستقلال. أزمة إقتصادية عالمية تسببت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) في جميع أنحاء العالم، في أكثر من 5 ملايين إصابة مؤكدة و أكثر من 320 ألف حالة وفاة إلى حدود نهاية شهر ماي الجاري. ولا تزال العديد من البلدان مغلقة كليا أو جزئيا، مما أدى إلى تعثر التدفقات التجارية وتوقف سلاسل الإنتاج. فلقد شهدت صناعت السيارات توقف كلي و توقف في القطاعات الخدمية؛ كقطاع الطيران و قطاع السياحة. جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) سيعاني الاقتصاد العالمي من أكبر وأعمق أزمة منذ 100 عام، والتي ستشل الكثير من الاقتصاديات في جميع أنحاء العالم. فمن المعلوم أن أكبر إقتصاد في العالم و هو إقتصاد الولاياتالمتحدة قد تضرر بشدة وقد إنكماش بنسبة غير مسبوقة تجاوزت 6 في المائة في الربع الاول فقط من سنة 2020. في غضون أسابيع قليلة، أصبح لدى الولاياتالمتحدة 36,5 مليون عاطل عن العمل، و يناهز هذا ربع القوى العاملة تقريبا. ولذلك يتوقع صندوق النقد الدولي حدوث تراجع اقتصادي لا يقل على 3 في المائة خلال هذه السنة. و ذلك إذا تحسن الوضع الصحي و أصبح تحت السيطرة في النصف الثاني من العام الحالي. و شدد الصندوق على مسؤلية الحكومات في إتخذت الإجراءات اللازمة لدعم الشركات الصغرى و المتوسطة لمنع حدوث طوفان عالمي من حالات الإفلاس وتسريح العمال. وبحسب كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، ستدمر هذه الأزمة خلال هذا العام على الأقل 9 تريليون دولار من القيمة الاقتصادية العالمية وقيمة ما سيدمر جراء هذه الجائحة سيكون أكثر من اقتصادات ألمانيا واليابان مجتمعتين. كما أضافت "لن تنجو أي دولة من تبعات هذه الازمة". و وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي سيتقلص اقتصاد الولاياتالمتحدة بنسبة 6 في المائة هذا العام ، واليابان بأكثر من 5 في المائة وألمانيا بنسبة 7 في المائة. و ستشهد العديد من الاقتصادات الناشئة انكماشًا هذا العام أو ستشهد انخفاضًا حادًا في نموها كما يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الصيني سريع النمو سيتراجع هذا العام و لن يزيد على نسبة 1 في المائة في احسن الاحوال. و يتوقع الصندوق كذلك ان ينكمش الاقتصاد الاروبي، اهم شريك للإقتصاد التونسي، بمعدل 7,5 بالمائة. كما يتوقع ان تنكمش إقتصاديات جنوب أروبا بأكثر من ذلك بكثير فسيتراجع الإقتصاد الإيطالي مثلا بأكثر من 9 في المائة. وقد اشار يوم 2 جوان الجاري وزير المالية الفرنسي لومير ان توقعات صندوق النقد الدولي غير واقعية و أن وزارة المالية الفرنسية تتوقع أن ينكمش الاقتصاد الفرنسي هذه السنة بنسبة 11 في المائة وقال لومير: "لقد تأثرنا بشدة بالفيروس واتخذنا إجراءات فعالة و غير عادية لحماية صحة الفرنسيين وكانت هذه الإجراءات على حساب النمو الاقتصاد". تشدد كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث على أن التقديرات لا تزال غير مؤكدة. إذا استمر تفشي الفيروس لفترة أطول ، فقد يكون الضرر أعلى بكثير من التوقعات الأولية. إذا استمر الوباء حتى العام المقبل، فإن جوبيناث لا تستبعد تقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 8 في المائة إضافية في العام المقبل كذلك. التبعات الإجتماعية للأزمة ستكون كارثية على تونس كل المعطيات الحالية توضح ان هذه الأزمة غير مسبوقة. فإن تدهور الارقام و المؤشرات الإقتصادية غير مسبوق، برغم من عدم توفر العديد من المؤشرات الاقتصادية التونسية بشكل محيين لكن المعطيات الأولية و أرقام المؤسسات العالمية، كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي، تثبت بما لا يدع مجال لشك أن هذه الأزمة ستكون "أم الأزمات" كما قال الباحث الاقتصادي في جامعة هارفارد الأميركية الدكتور كينيث روغوف. و من المتوقع أن تكون أثارها الإجتماعية كارثية بالمقارنة مع الأزمة المالية لعام 2008. فسيفقد الدينار التونسي لقيمته امما العملات الأجنبية و سيرتفع معدل البطالة إلى 20 في المائة و قد يصل إلى 25 في المائة. و هذا الإرتفاع سيصيب خصوصا الوظائف الهشة و المرتبطة بالسياحة بشكل مباشر أو غير مباشر وكذلك أصحاب الشهائد العليا من الشباب. كما ستتهاوى القدرة الشرائية للمواطن، خصوصا من الطبقة الضعيفة و الطبقة المتوسطة. ستعمق المشاكل الإقتصادية في محيط تونس و شركائها من مشاكل تونس الإقتصادية الموجودة منذ سنوات و التي ستتعمق أكثر فأكثر من جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). فدول جنوب أروبا و التي تعتبر الشريك الأهم بالنسبة الى تونس ستعاني من إنكماش حاد لإقتصاديتها سيتراوح بين 8 و 11 في المائة هذه السنة. مع أنها كانت تعاني قبل ذالك من مشاكل هيكلية في إقتصاديتها و هذا ما سيتسبب في ركود إقتصاد طويل الأمد لأهم الأسواق التصدرية بنسبة لتونس. إمكانية الخروج من هذه الأزمة ستكون صعبة و صعبة جدا. فإضافة على أن هذه الأزمة ستضرب جزء كبير من أسواق تونس التصدرية في دول جنوب أروبا، ستضرب كذلك قطاع السياحة والذي سيخسر 1,4 مليار دولار من العملة الصعبة و400 ألف وظيفة هذا العام فقط. وهذا ما سيترتب عليه إرتفاع لإحتياجات تونس من التمويل الخارجي و التي ستتضاعف من 2,5 مليار يورو إلى 5 مليار يورو. وهذا ما سيفاقم من أزمة المديونية التي يعاني منها الإقتصاد التونسي منذ سنوات. هذه الأزمة ليست كغيرها من الأزمات فقد ضربت أهم موارد العملة الصعبة للإقتصاد التوتسي وهما السياحة والصنعات التصدرية. و برغم من شعور عموم الشعب التونسي بالإنتصار و النجاح على إثر السيطرة على الجائحة من الناحية الصحية. فإن أثار الأزمة الاقتصادية مازالت لم تظهر لعموم المواطنين. أما النخبة السياسية في تونس فيبدوا أنها غير مهتمة بهذه الأزمة و تبعاتها على المواطن و على الاقتصاد التونسي و مستقبل الاجيال القادمة. الأثار الاقتصادية و الإجتماعية لهذه الأزمة ستكون غير مسبوقة فإن كانت أزمة 2008 الإقتصادية تعد من الأسباب المباشرة لثورات الربيع العربي و كثير من التحركات الإجتماعية في مختلف بلدان العالم فمن غير المستبعد أن تخلف هذه الازمة العديد من التحركات و الاحتجاجات و حتى الثورات وقد يزيد هذا في إستفحال الأزمة الإقتصادية خصوصا إذا صاحبت الأزمة الإقصادية و الإحتججات الإجتماعية المتوقعة أزمة سياسية أو عدم إستقرار سياسي. وهذا قد يدخل البلاد في نفق مظلم و موجة من الفوضى و عدم الإستقرار. تبعات هذه الأزمة قد تستمر من سنتين الى ثلاث سنوات و لكنها ككل الأزمات ستوفر جملة من الفرص كذلك. تلك الفرص سيقتنصها الأذكياء و الشعوب الواعية التي تستطيع أن تحدد أهدفها بدقة و تحمي مصالحها بحزم مع مرعات العدالة في توزيع الثروة و الحكم الرشيد في تسيير الدولة. للأسف لا أرى هذا في الواقع التونسي، خصوصا على مستوى النخبة السياسية و لكن ما أتمناه، هو أن يفاجئنا الشعب التونسي كما فاجئنا من قبل في 2010 و 2011. * ماجستير بحوث في الاقتصاد من جامعة امستردام