سنة 2023 : عدد زوّار تونس بلغ 9.370 مليون سائح أي بزيادة بنسبة 45،5 بالمائة    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    عاجل : تأجيل قضية رضا شرف الدين    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    عاجل/ حادثة إطلاق النار على سكّان منزل في زرمدين: تفاصيل ومعطيات جديدة..    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    منوبة: تقدّم ّأشغال بناء المدرسة الإعدادية ببرج التومي بالبطان    الحماية المدنية: 17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة: هل دقت ساعة الخيارات الصعبة؟
نشر في باب نات يوم 28 - 06 - 2020


نزار بولحية
القدس العربي
كثيرا ما يقول خصوم حركة النهضة عنها إنها كانت وما زالت تفضل الحكم من وراء الستار، وإن الوضع الذي تطمئن له أكثر من غيره وتجده لائقا بها هو أن تضع رجلا في السلطة وأخرى في المعارضة. وكثيرا ما يردد هؤلاء أيضا أن الحركة لم تعد تميل بعد أن أخذت الدرس واستخلصت العبرة من تجربة الترويكا في السنوات التي تلت هروب الرئيس الراحل المخلوع بن علي إلى المخاطرة بالبروز من جديد في الصورة والظهور بمظهر من يمسك بدفة القيادة أو حتى بالنزول بثقل وراء الحكومات التي تكون شريكة فيها، لعلمها بصعوبة وحساسية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس وخشيتها من أن تدفع وحدها بالنهاية ثمن أي هزات أو انتفاضات أو ردات فعل شعبية قد تحصل جراء قرارات وسياسات تلك الحكومات، ولرغبتها أيضا في أن تترك هامشا أو نافذة قد تتيح لها في وقت ما فرصة التخلي أو التنصل من الخيارات التي وضعتها أو ساهمت في وضعها.
لكن الحركة ظلت تنفي دائما وأبدا ما تعتبره محض مغالطات وافتراءات وتحامل عليها وتقول بالمقابل إنها وبقدر ما لا تفضل اللعب على حبلين فإنها تعتبر نفسها حزبا للحكم لا يتهرب أبدا من تحمل أعباء المسؤولية لكن على قدر ما يمنحه الناخبون له من أصوات. ولعل ذلك هو مربط الفرس والجزء الظاهر من مصدر اللبس في فهم دور الحركة وموقعها في الساحة السياسية المحلية. فالتشريع الانتخابي التونسي فصل بشكل لا يسمح لأي حزب بالحصول على الأغلبية المطلقة التي تخوله تشكيل الحكومة منفردا. وهذا ما يجعل الحاجة لعقد التحالفات والتوافقات أمرا ضروريا لا مهرب منه. ولأنها تصدرت نتائج تشريعيات العام الماضي، فقد كانت النهضة هي المطالبة قبل غيرها بالبحث عن شركاء. ولم يكن العثور على هؤلاء بالأمر الهين. ولحسابات أو لتقديرات أو حتى لتوجهات معينة، فقد سقطت أو أسقطت تلك الحكومة التي رشحتها الحركة وقيل وقتها إن الترتيب النهضوي لذلك لم يكن جادا أو قويا بما يكفي لتمريرها في جلسة منح الثقة البرلمانية، ووجدت بعض القيادات النهضوية أن رفع السقف عاليا سيكون مفيدا فأعلنت حينها أنها لا تمانع في الدعوة لإعادة الانتخابات إن لزم الأمر وأن يتم الاحتكام مجددا للصناديق إن وصل مسار تشكيل الحكومة لطريق مسدود. ثم لم يعرف بعد كيف وقع اختيار الرئيس قيس سعيد بحكم ما خوله الدستور له عند فشل المحاولة الأولى لعرض حكومة على البرلمان على إلياس الفخفاخ ليكون مرشحا جديدا لتشكيلها. ولكن ذلك ألقى بظلال كثيفة داخل الحركة نفسها. ولم يكن الاختيار وحده هو سبب قلقها وريبتها بل كان كل المسار الذي انتهجته طوال الانتخابات موضع تساؤل وربما حتى تشكيك في الجدوى منه أو محصلته النهائية.
لقد عاد البعض ليشير إلى التسرع وسوء التقدير الذي رافق عملية اختيار الشيخ مورو مرشحا للانتخابات الرئاسية وللجدل الصاخب الذي أثارته عملية اختيار القوائم التشريعية، ثم لحرص رئيس الحركة الشيخ الغنوشي على رئاسة البرلمان والمغزى من وراء ذلك. ولم يتصدع جراء كل ذلك البيت النهضوي أو تظهر فيه تشققات بارزة أو تغمره موجة استقالات كبرى. غير أن إعلان أسماء وازنة ومعروفة مثل القيادي المخضرم عبد الحميد الجلاصي وأمين عام الحركة الشاب زياد العذاري في أوقات مختلفة عن الانسحاب من موقعيهما كان مؤشرا قويا على أن هناك حالة من القلق لم يعد ممكنا تجاهلها وأن مياها كثيرة باتت تسري في البيت. ولكن هل كان بإمكان النهضويين أن يفعلوا شيئا آخر غير ما فعلوه منذ فوزهم بتشريعيات العام الماضي؟ وهل كان في مقدورهم أن ينتهجوا خيارات غير التي انتهجوها؟ وحده التاريخ قد يحسم في ذلك. لكن السؤال الآن هو كيف يلوح مستقبلهم؟
ليست التحديات التي تواجههم بالهينة أو بالبسيطة. وهي وعلى قدر تعقدها وتشعبها تبدو متعددة الأوجه والأبعاد. لكن هناك جملة من العوامل قد تتحكم وتحدد وإلى حد كبير قدرتهم على النجاح في كسبها أو قد تجعل حظوظهم في ذلك وعلى العكس ضعيفة ومحدودة. وقد تتلخص بالأساس في عاملين اثنين: أولهما هي حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الرهيبة التي سيواجهونها مثلما سيواجهها أي حزب قد يجد نفسه اليوم في موقع الحكم في تونس. فهل يمكن للتونسيين أن يصبروا على الحركة وأن يتفهموا الصعوبات الجمة التي يعانيها اقتصادهم خصوصا بعد أن جعلت تداعيات جائحة كورونا كثيرين يتوقعون أن ينزل معدل النمو هذا العام بست درجات تحت الصفر؟ وهل سيكونون مستعدين بالفعل لإعطائهم فرصة أخرى لإنجاح ما وصفها رئيس الحكومة خطة إنقاذ اقتصادية؟
أما العامل الثاني الذي قد يكون حاسما ومحددا أيضا فهو مدى تفهم القوى الإقليمية والدولية لدور النهضة وموقعها وقابلية تلك القوى واستعدادها للعمل معها. فهل أنها ستكون قادرة وهي التي تملك كثيرا من أدوات الضغط المالية والسياسية على أن تمنح التجربة التونسية فرص النجاح، وهل ستكون على استعداد أيضا لأن تسمح من وراء ذلك للإسلاميين بأن يقدموا نموذجا ناصعا ومشرفا في الحكم وإدارة الدولة قد يتردد صداه في المنطقة ويكون محل محاكاة وتقليد في دول عربية أخرى؟
أن التقاء جملة من الاكراهات والمؤثرات الداخلية والخارجية واضطراب المشهد السياسي المحلي وضبابية أفقه، مع كل ما يحصل الآن من تحضيرات وترتيبات داخل الحركة للمرحلة المقبلة، قد يعطي صورة عن مقدار الخيارات الصعبة وربما الأليمة التي قد يقدم عليها أكبر الأحزاب والكتل البرلمانية في تونس. ففيما لم يحدد بعد موعد للمؤتمر المقبل للحزب والذي من المفترض أن يتم في غضون العام الجاري ليس معروفا بعد ما إذا كان الشيخ راشد الغنوشي سيبقى مجددا على رأس النهضة أم أنه سيترك مكانه لشخصية أخرى التزاما بما ينص عليه قانونها الأساسي من استحالة ترؤس أي شخص لها لأكثر من دورتين انتخابيتين. وتكمن أهمية مثل ذلك القرار في انه سيكون معيارا لقياس درجة التغييرات المقبلة التي قد تطرأ لا فقط على ما يخص مسألة تجديد وتشبيب القيادات بل أيضا على خط الحزب وتوجهاته في تكريس نفسه كحزب حاكم. ولعل مثل ذلك الوضع قد يؤثر في حال حسمت الأمور نحو تفرغ الشيخ الغنوشي لرئاسة البرلمان على موقع النهضة داخل المجلس النيابي بشكل يسحب من خصومها ورقة ضغط لطالما استخدموها كلما تعلق الأمر بازدواجية موقع الغنوشي كزعيم ورئيس للحركة ثم رئيس في الوقت نفسه لمجلس النواب، ويقدم النهضة كحركة تؤمن بفصل السلطات والأدوار والغنوشي كرجل دولة ديمقراطي يحترم قرارات ولوائح حزبه ويلتزم بها. والمؤكد أن أي قرار سيأخذه مجلس شورى الحركة في هذا الاتجاه أو ذاك سيكون مفصليا وستتكون له تداعيات وتبعات فورية لا على الداخل النهضوي فحسب بل حتى على المستوى السياسي المحلي في تونس.
لكن الوجه الآخر للصورة والمسألة العاجلة التي يتعين على النهضويين حسمها بسرعة وبوضوح هي تحديد علاقتهم بالرئيس سعيد وبحكومة الفخفاخ. فلم يعد خافيا على أحد أن هناك نوعا من البرود والجفاء حتى لا نقول القطيعة غير المعلنة بين الرئاسات الثلاث، وان التيار لا يمر بينهم بالقوة المطلوبة. وجوهر المشكل هو في مسألة تقاسم الأدوار بينهم وفي رغبة قيس سعيد تغيير النظام السياسي بشكل يعطيه صلاحيات أكبر ويجعل تونس بعيدة عن النظام شبه البرلماني الذي تفضله النهضة وفي حرص الأخيرة على أن لا يتقرر شيء من دونها وأن تكون شريكة فعلية في صنع القرارات والسياسات وفي خشيتها كذلك من أي عملية قد تهدف لاستبعادها بشكل ما من السلطة. ولعل العنوان الأبرز لكل ذلك هو فقدان الثقة التامة بين مكونات الائتلاف الحكومي وضعف أو حتى غياب شروط التضامن والتآزر بين أعضائه لدرجة عجزهم أكثر من مرة عن إمضاء وثيقة رمزية بهذا المعنى واختلافهم حول تفاصيلها وبنودها. ويتضح المظهر الأكبر للاختلاف في رغبة النهضة توسيع الحزام السياسي بتشريك حزب قلب تونس وأحزاب أخرى في الائتلاف الحكومي مقابل رفض أحزاب داخل الحكم كحركة الشعب وقيس سعيد، وهو من يصفه البعض بالرجل الخفي للحكومة لذلك بدعوى انه قد "يفكك الحكومة" الحالية مثلما جاء في حواره الأخير مع قناة تلفزيونية فرنسية. ولعل جلسة الخميس الماضي لمساءلة حكومة الفخفاخ تحت قبة البرلمان كانت جس نبض أولي وبروفة للتحركات والخطوات المقبلة التي ستقدم عليها حركة النهضة في علاقتها لا بالحكومة فحسب بل حتى بالرئيس سعيد نفسه. ولا شك أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي ستتعرض لها ستعجل باقتراب وقت الخيارات الصعبة بالنسبة لها وستجعلها على يقين تام من انه لم يعد هناك من مبرر لتأجيلها. أما كيف ستكون تلك الخيارات؟ فمن الواضح أنها وبغض النظر عن طبيعتها ستجعل كثيرا من خصومها يراجعون وفي كل الأحوال انطباعهم بانها لا تزال تفضل اللعب على حبلين، ووضع رجل في الحكم وأخرى في المعارضة ويعتبرونه لاغيا ومنتهيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.