مرتجى محجوب أشير بداية بأن الانضباط بما هو التزام بقواعد سلوكية و قانونية ، لا يتعارض البتة مع مبدا الحريات الفردية و الجماعية ، بل هو ضرورة حتمية حتى لا تتجاوز حريتك حرية غيرك و حتى يسهل التعايش بين أفراد المجتمع . الانضباط ، يعني أن تقوم بواجباتك قبل المطالبة بحقوقك و ان تحاسب نفسك قبل أن يحاسبك غيرك ، عمليا و انطلاقا من واقعنا التونسي الحالي ، الانضباط يعني أن تحترم توقيت العمل و ان تبذل فيه الجهد الكافي و المطلوب ، و ان تتحلى بالنزاهة المهنية و الشفافية و المصداقية ، هو يعني أن تحترم اشارات المرور سواء كنت سائقا أو مترجلا و كذلك سائر قوانين البلاد ، هو يعني أن تكف أذاك اللفظي أو المعنوي أو المادي عن الناس ، هو يعني الجدية و الاستقامة ما استطعت ... الانضباط الذي يشكو مجتمعنا التونسي من نقص فادح فيه ، و الذي هو سر نجاح الأمم و الشعوب ، و الذي لا بد له من مرجعية قيمية و معرفية و ثقافية سواءا كانت دينية ام وضعية ،يمكن أن يكون ذاتيا و هو الافضل و الأمثل و يمكن كذلك ، بل ينبغي اذا اقتضى الأمر ، أن يفرض فرضا من طرف سلطة حاكمة لا بد أن تكون هي بدورها مثالا في الاستقامة و الانضباط . أما في غياب الانضباط ، فاننا سنعيش الفوضى و الهمجية و التهور و شتى أنواع الافات الاجتماعية و الجرائم و الاعتداءات و لو كان النظام السياسي "ديموقراطيا " و لو كنا نمتلك أفضل دستور حريات و حقوق في العالم ، فقط لأننا نسينا او تناسينا أن من أهم أركان و أسس الديموقراطية هو الانضباط و ما ادراك ما الانضباط ، سر الرقي و النجاح على المستويين الفردي و الجماعي . الحاكم الديموقراطي مسؤول اذا على فرض الانضباط في مجتمعه لأن الانضباط هو من صميم الديموقراطية ، أما اذا بقي سلبيا و ترك الحبل على الغارب ، فسمه ما شئت الا حاكما ديموقراطيا ، مع الإشارة اخيرا ، بأن الانضباط سواء كان فرديا أو جماعيا هو سمة المجتمعات الراقية و الأنظمة الديموقراطية أكثر منه في الأنظمة الإستبدادية و الشمولية التي تبيح للحاكم ما لا تبيحه للمحكوم و التي علمنا التاريخ أن نهاياتها دائما مأساوية و دراماتيكية ، تعاني منها الشعوب لسنوات و ربما لعقود أو قرون طوال .