الأناضول - - الاتفاق يعتمد معايير جهوية في توزيع المناصب السيادية بين الأقاليم الثلاثة - المجلس الأعلى للقضاء ومجلس نواب طرابلس وحفتر وقيادات في قوات بركان الغضب وشخصيات سياسية نافذة أعربت مسبقا رفضها لنتائج مشاورات بوزنيقة بين "مجلس الدولة" و"نواب طبرق" نجاح وفدا المجلس الأعلى للدولة الليبي و"نواب طبرق"، في التوقيع على مسودة اتفاق لتوزيع المناصب السيادية السبعة، خلال الجولة الثانية من مشاوراتهما في مدينة بوزنيقة المغربية، خطوة صغيرة من شأنها أن تفتح الطريق لخطوات أكبر، رغم التحديات الكثيرة لإقرارها. فعدة أطراف نافذة في شرق البلاد وغربها تبدي رفضها للمعايير "الجهوية" التي اعتمدها وفدا المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) و"نواب طبرق"، مما يدعو للتساؤل حول سبل تنفيذها على الأرض. وستحال المسودة لإقرارها من رئيسي الأعلى للدولة خالد المشري، و"النواب" عقيلة صالح، قبل إحالتها على الجلسة العامة. لكن أول مشكلة تواجه إقرار هذه المسودة، انقسام مجلس النواب بين طبرق وطرابلس، وإن مالت الأغلبية للأخير، إلا أن الأول من كان ممثلا في مشاورات بوزنيقة. وسبق لمجلس النواب المنعقد في طرابلس (84 نائب من إجمالي 188) أن اعترض على مشاورات بوزنيقة التي لم يكن ممثلا فيها، مما قد يدفع أغلبية أعضائه للتصويت ضد هذه المسودة. خاصة وأن اتفاقية الصخيرات الموقعة في نهاية 2015، تشترط "لتعيين وإعفاء شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية.. موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب"، في حين أن نواب طبرق لا يتجاوز عددهم 26، في حين يغيب الباقون عن جلسات المجلسين لأسباب مختلفة بينها الإقامة خارج البلاد، أو الوفاة أو الاختفاء القسري. ولم تخرج بوزنيقة2 كثيرا عما تم التوافق بشأنه في بوزنيقة1، من خلال اعتماد معايير جهوية في توزيع المناصب السيادية السبعة (محافظ البنك المركزي، والنائب العام، ورئيس المحكمة العليا، ورئيس لجنة مراقبة الانتخابات ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز مكافحة الفساد). فخلال الجولة الأولى من المشاورات، التي جرت بين 6 و10 سبتمبر/أيلول الفارط، تم الإعلان أيضا أنه تم التوصل إلى "تفاهمات" حول معايير تولي المناصب السيادية السبعة. لكن رغم أن المناصب السيادية جزئية صغيرة في أزمة كبيرة عنوانها الأبرز "إصرار الجنرال الانقلابي خليفة حفتر على السيطرة بالقوة على الحكم في ليبيا وإخضاع المؤسسات السيادية لسلطته"، إلا أن الحوار في حد ذاته بين الفرقاء السياسيين الليبيين خطوة إيجابية في حد ذاته. في هذا الاتجاه، اعتبر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن الحوار الليبي في بوزنيقة، يشكل "سابقة إيجابية" يمكن البناء عليها كمقاربة للمضي قُدما لحل الأزمة في هذا البلد. فالهدف من محدثات بوزنيقة ليس حل الأزمة الليبية، بقدر ما هو فتح ثغرة صغيرة في جدار الصراع الصلد، لعل شعاع أمل ينبعث منه لإعادة بناء الثقة المفقودة بين أطراف البلاد المتنازعة. ** ردود فعل متباينة وإن كانت أغلب ردود الفعل مرحبة بالأجواء الإيجابية التي تمخضت عنها مشاورات بوزنيقة، إلا أن هناك من تحفظ بشأن ما قد ينتج عنها من تقاسم للمناصب على أساس جهوي بين الأقاليم الثلاثة (طرابلس برقة وفزان)، على حساب مبدأ الكفاءة والمقدرة. ومن أوائل الرافضين للمعايير التي تم التوافق عليها في بوزنيقة، المجلس الأعلى للقضاء، الذي أصدر الإثنين بيانا شديد اللهجة، اعتبر تفاهمات بوزنيقة فيما يتعلق بالسلطة القضائية "تدخلاً ومساساً بسيادة واستقلال هذه السلطة"، مشيرا إلى أنها "إحدى السلطات الثلاثة التي ظلت موحدة ولم تنقسم" (على عكس السلطتين التشريعية والتنفيذية). وبرر المجلس الأعلى للقضاء رفضه التعيين في المناصب السيادية على غرار اختيار منصب رئيس المحكمة العليا والنائب العام لا يكون إلا من خلال التشاور مع هذه المحكمة والمجلس، باعتبار أن المناصب القضائية تخضع إلى معايير تقتضيها طبيعة العمل القضائي وتُنظمها القوانين الخاصة، ثم يتولى البرلمان المنتخب سلطة تعيين تلك المناصب. لكن تصريح عضو المجلس الرئاسي للحكومة الليبية محمد عماري زايد، كان أكثر تشاؤما بشأن نجاح محادثات بوزنيقة وغيرها، وقال في تصريح لشبكة الجزيرة القطرية "هذه الحوارات لن توصل لشيء، بل قد تطيل من عمر الأزمة". وأرجع عدم تفاؤله بشأن نجاح هذه المسارات الدولية للحوار "لافتقارها لأساس شرعي صحيح، وتنافس هذه المسارات المختلفة؛ سواء ما يجري في المغرب وفي جنيف من ناحية، ودخول مصر على الخط، وبعض الدول تريد أن يكون لها مسار خاص". وهذا التداخل بين عدة مسارات، ليس فقط في المغرب وجنيف ومصر بل أيضا برلين والجزائر وتونس، دفع وفدا الحوار الليبي لدعوة الأطراف الدولية إلى "دعم مسار بوزنيقة الذي حقق نتائج إيجابية". فالأممالمتحدة ممثلة في بعثتها بليبيا تجد أن مشاورات بوزنيقة تتداخل مع مبادرتها لحل الأزمة الليبية، خاصة ما تعلق باختيار مجلس رئاسي جديد من ثلاث أعضاء ورئيس حكومة منفصل عنه، ونقل مؤسسات الحكم إلى سرت. غير أن مشاورات بوزنيقة لم تصل بعد إلى مرحلة اختيار خليفة للسراج، ومازال من السابق لأوانه أن يتم إقرارها على مستوى مجلس النواب بجناحيه. في حين تركز مصر على المحادثات العسكرية، ومحاولة التقرب من الطرف اللين في مدينة مصراتة الاستراتيجية (200 كلم شرق طرابلس) وهي بذلك تتقاطع مع محادثات لجنة 5+5 العسكرية التي تشرف عليها الأممالمتحدة، وهذه التقاطعات قد تؤدي إلى تنافس وتضارب مصالح مما قد يتسبب في إفشال فرص التوصل إلى حوار. كما سبق لقيادات في "عملية بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي، أن رفضت ما اعتبرته تقاسما للمناصب، في الوقت الذي يحشد حفتر مليشياته ومرتزقته شرقا وجنوبا. كما أن حفتر، أعرب مسبقا رفضه للمحادثات التي يجريها حلفاؤه في برلمان طبرق مع المجلس الأعلى للدولة، مما يحرم عقيلة صالح، من القدرة على تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه على أرض الواقع. وعلق المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة صلاح البكوش، ساخرا على معايير بوزنيقة قائلا "إذا استمرت المفاوضات على هذا المنوال، قد نصل إلى ما يلي: لن تكون محافظ (البنك) المركزي أو رئيسا للرئاسي ما لم تكن شرقاوي، لن تكون رئيس وزراء ما لم تكن غرباوي، لن تكون رئيس مجلس النواب ما لم تكن فزاني.." وتعكس هذه المواقف الصعوبة التي تواجهها مسودة اتفاق بوزنيقة، لاعتمادها ولو بشكل مؤقت، إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تنهي عهد المحاصصة الجهوية أو تكرسها.