أبو مازن الزمان يوم عيد الشهداء وذكرى مظاهرة ضخمة لتونسيين طالبوا ببرلمان تونسي فجابتهم قوات "الحماية" بوابل من الرصاص والمكان مقبرة الشهداء بالسيجومي أين دفنت أجسادهم الطاهرة. لا الزمان والمكان يسمحان بالكلام في غير طلب الرحمة والدعاء بفراديس الجنان ولكن حصل ما حصل فتكلّم وأظهر مستندا لو يعلم الناس تاريخه ثم حذف جواب سامعيه. الصورة الكاريكاتورية صدرت سنة ست وثلاثين أي قبيل يوم الشهداء بعامين ولعلها كانت احدى المحرّضات على المطالبة ببرلمان تونسي والصورة أيضا جاءت من جريدة هزلية عابثة ضاحكة كما نصت هي نفسها على ذلك في صفحتها الأولى اذ كان الهزل طريقة جذابة للقارئ ووسيلة فعالة لشحذ الهمم. نفس الجريدة تحدثت عن الصبايحية "بالكسوة وبلاش كسوة" وتحدثت متهكمة على الثعالبي والماطري وبورقيبة وغيرهم ممن أفنوا حياتهم خدمة للحركة الوطنية. هو اذن أسلوب ساخر كان يقدّم مقاربة للمقاومة والإصلاح في وقت عصيب تعيش تونس بين استعمار وحربين عالميتين وانتشار اوبئة وفقر وشظف عيش أعتى مما نعيشه اليوم. إنّ الفترة المشار اليها في ذلك الكاريكاتير هي فترة حكم أحمد باي الثاني ووزيره الأكبر الهادي الاخوة ولا أرى أنّ كليهما وعهدهما يشبه في شيء ما نعيشه اليوم اللهم تحكّم فرنسا في باي تونس وارتباط عمل الحكومة بقرارات المقيم العام. ولقد خلف أحمد باي (بن علي) الثاني محمد المنصف باي ووزيره الأكبر محمد شنيق الذي كان داعما للحماية ومعارضا للحر الدستوري وانقلب ذات يوم ليكون رجل التوافق ومتزعم حركة الإصلاح "المنصفية" حتى قبيل نيل الاستقلال الداخلي حيث نفته فرنسا مع مجمل وزرائه الى الجنوب التونسي. الوثيقة الكاريكاتورية لا تعني شيئا اذن غير غرابة الدليل وغرابة الاستشهاد فلا الواقع الذي نعيشه اليوم هو نفس الواقع الذي خطت فيه الصورة الساخرة ولا الحركة الوطنية التي طالبت بمجلس تأسيسي وليس مجالسيا ودستور مدني تشبه في شيء ما ذهب اليه المستشهد بالكاريكاتير ولعله يعوّل عن البوز والجهل بتاريخ الوطنية الذي يبقى الغائب عن ذهن التونسيين حيث اختصره الاعلام والساسة في اسم وحيد ثم اسمين ولعله صار اليوم يحتمل ثلاثة أو أربع أسماء لا غير. فمتى نوفّي شهداء الوطن حقّهم ؟