وات - الحلقات الاولى لمسلسل "اولاد الغول " الذي تبثه حاليا قناة "التاسعة" ضمن برمجتها الرمضانية رسمت ملامح دراما تونسية مبتكرة من حيث الشكل والمضمون قد تتوضح بشكل كامل مع انتهاء العمل خصوصا وانها تعيد للذاكرة مناخات فنية ثرية عاشتها الدراما التونسية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي لكن بمعالجة فيها الكثير من الابداع على مستوى التقنيات المستعملة مع اداء متميز للممثل فتحي الهداوي. المسلسل من اخراج مراد الشيخ وسيناريو رفيقة بوجدي وهو عبارة عن مجموعة من العلاقات المتشابكة لافراد اسرة "الغول" حيث يحاول كل فرد فيها الاستقلال بذاته ونحت شخصية متفردة سيمتها الثورة على السائد ورفض الواقع في علاقة بسلطة الاب فتحي الهداوي او "اسماعيل الغول" وهيمنته على تفاصيل حياة كل فرد من عائلته سواء بفيض مشاعر حب تطفو تارة وتختفي اطوارا اخرى من خلال علاقته بابنائه او بمشاعر الكره واللامبالاة في علاقة بزوجته وحيدة الدريدي او "الكاملة" . قد يكون محتوى المسلسل متداولا بمعنى يلخص حياة عائلة تونسية عادية تعيش صراعات وجودية ومشاكل حياتية مرتبطة بطبيعة العلاقات الانسانية لكن النسيج الدرامي للعمل يمنح الكثيرمن المساحات الابداعية منها ماهو مرتبط بالسيناريو الذي مكن ابطال العمل من حرية التفاعل مع محتواه بابراز ثرائه كل على طريقته لاسيما افتعال مواقف مفعمة بالمشاعر المتداخلة او بالحوار الحاد الذي لاحظنا انه عانق العنف في كثير من الاحيان ولكن بجمالية غير معهودة. العنصر الاساسي لمسلسل "اولاد الغول" كان بلا شك اداء الممثل فتحي الهداوي المبهر الذي حمل على ظهره وزرعمل يخرج عن المالوف فجمع بين جمال الحركة وحسن الاداء وقوة الحضور لشخصية محورية مثقلة بالاوجاع وغنية بدلالات انسانية راوحت بين المزاجية والنرجسية من جهة وبين السلطة الابوية بشقيها الطيب والحامي. وفتحي الهداوي لم يكن ليتمكن من فرض اسلوبه الفني لولا وجود نخبة من الممثلين المحترفين نذكر منهم بالخصوص وحيدة الدريدي وربيعة بن عبد الله وحكيم بومسعودي الذين كانوا دائما في مواجهة صامتة معه وابنائه من الممثلين الشباب وتحديدا "هارون" او حلمي الدريدي و"بية" او سارة الحناشي و"يوسف" او فارس الاندلسي الذين استطاعوا كل باسلوبه الخاص الاحتكام لنمط حياة مغاير لما تم التخطيط له الى جانب الحضور المتميز لشاكرة الرماح وبلال البريكي وصلاح مصدق. المهم ان العمل المتكون من ثلاثين حلقة يتحسس طريقه نحو النجاح في اطار رؤية اخراجية نوعية تعتمد الابهار في الاداء والاضواء والديكور الذي راوح بين التقليدي والعصري مع تركيز المخرج مراد الشيخ هذه المرة على الاختلاجات الداخلية والمشاعر المتنافرة للشخصيات التي عادة ما نجدها ترتسم على الوجه عبر توجيه الكاميرا اليها بشكل مبالغ فيه احيانا لتقتنص ما يعتمل في اعماق الشخصية الى جانب محاولاته تبسيط مواضيع حياتية هامة مثل الاتجار بالمخدرات والخيانة وحب التسلط في مشاهد لا تخلو احيانا من السطحية دون ان تمس بجوهر العمل وسياقه الدرامي.