وات - تحقيق نعيمة عويشاوي - "تقرر عدم التكفل بالأدوية موضوع مطلبكم لان المستفيد من الوصفة غير مدرج ضمن قائمة أولي حق المضمون الاجتماعي" ..هكذا تم اعلام عائلة نجاة ابنة طبربة من ولاية منوبة، ذات ال63 عاما بعد ان فاجأها الفطر الاسود . الرد كان قاسىا.. فان يصلك مثل هذا القرار وانت في قمة وجعك، تنتظر دواءا مكلفا غير متوفر بصيدليات بلدك ، ولا حل لك الا من وراء البحار .. ينتابك شعور بالاخباط والباس .. تتأمل بضيق في الأفق ،ان ينقذك مسؤول بالموافقة على التكفل بالأدوية البديلة المتوفرة، لكنه يعلمك برفض الطلب مكتفيا بالقول "القانون لايسمح "، ليتركك تعاني أوجاع داء لايرحم ، لاسيما في ظل محدودية الامكانيات المادية، .. ... وقع القرار - الذي يعود حسب مصالح الصندوق الوطني للتامين على المرض(الكنام ) الى عدم ادراج المريضة كقرين ضمن بطاقة العلاج - ، على انفس الجميع ، كان اشد من تلقي خبر الاصابة بهذا القاتل الغادر" الفطرالغشاء المخاطي" او ما يعرف بالفطر الاسود العفني. وفي خضم موجة انتشار عدوى الكورونا، وتصاعد اخبار الوفيات وخاصة في منطقة طبربة التي تعد الاعلى في عدد الاصابات على مستوى معتمديات منوبة باكثر من 06 الاف حالة ورابع اعلى وفيات ب164 حالة ، لم تهنأ العائلة بنتيجة اختبار الكوفيد السلبية بعد اصابة للام نجاة ابنة طبربة بولاية منوبة، ذات ال63 عاما بالكورونا، بعد ان فاجأها الفطر الاسود ، بعد ثلاثة اشهر من تعافيها بالمنزل . اعلان حالات محدودة .. لم يتجاوز عدد الحالات المكتشفة في تونس تزامنا مع جائحة كورونا الخمس حالات، وفق معطيات وزارة الصحة بين شهري جويلية واوت المنقضيين، بالتزامن مع موجة الاصابات بعدد من دول العالم ومنها الهند. اجمع اخصائيوا الامراض الجرثومية على عدم ارتباط جائحة كورونا بداء الفطر الاسود الذي عرفته منظمة الصحة العالمية بانه عدوى فطرية نادرة تصيب اصحاب النقص الشديد في المناعة . فقد اعلن ، بتاريخ 31 جويلية 2021 عن حالة امراة تبلغ من العمر 43 عاما اصيلةالقيروان تم التفطن لاصابتها بمستشفى الاغالبة ، ثم التعهد بها بمستشفى سهلول بولاية سوسة ولاتزال محل رعاية طبية حتى الان ، اضافة الى حالة وافدة من ليبيا ، تم جلبها للعلاج بمصحة خاصة بولاية مدنين ، ثم غادرت دون معلومات عن حالتها ومصيرها. وخلافا لتلك الحالات المعلن عنها من قبل وزارة الصحة ، فاجأت حالة طبربة بولاية منوبة الجميع، بعد نداء من عائلتها لانقاذها،وطلبها التدخل باسترجاع مصاريف ادويتها وانقاذها من المرض. علاج مكلف..وفقدان بعض الادوية بذلت العائلة ما بوسعها رغم محدودية امكانياتها ، بعد ان طُلب منها بقسم الحنجرة والأنف بمستشفى الرابطة بالعاصمة ، التكفل بالأدوية والعقاقير التي كانت باهظة الثمن، واقتنت دواء من فرنسا بكلفة 05 آلاف دينار ،لتستغرق مدة العلاج بهذا الدواء 15 يوما فقط. وقد تم بعد ذلك تغيير الدواء بآخر موجود في الصيدليات التونسية ومدة العلاج به تصل الى 6 أشهر،وذلك بكلفة تفوق ال 50 ألف دينارحسب ما ورد في التقرير الطبي..ولم تستطع العائلة توفيره بعد رفض صندوق التامين عن المرض التكفل بذلك لعدم تسوية وضعيتها القانونية ببطاقة العلاج وفق الرد الذي حصلت عليه العائلة. وامام هذا الوضع القاسي التجأت العائلة للقضاء ، ليصبح الموضوع محل تقاض بمحكمة الناحية ، حيث تقدمت العائلة بشكاية في حق الصندوق، مؤكدة عدم صحة ما ورد بالقرار وتاكيد ادراج الام ببطاقة العلاج، وقد أنصفت المجكمة العائلة وقضت بحقها في التغطية الصحية اثر جلسة استعجالية ، لكن بعد فوات الاوان ووفاة الام المريضة وفق تاكيد ابنها عبد المؤمن العويني ... فبين تأخر تشخيص الحالة من قبل الاطباء الذين عاينوها،والذي فوت فرصة انقاذها من تطور اعراض الوباء، وكلفة العلاج والأدوية المطلوبة خلال رحلة الامل الاخير في إنقاذها لم يرحم المرض الفقيدة .. فقد فتك الداء بنجاة بين منتصف جويلية وأوت، وهو ما يكشف نقائص المنظومة الصحية في العمق لاسيما بعد ان تفاقمت اعباؤها بسبب جائحة كورونا .. فقد اعتبرت الاستاذة المساعدة الاستشفائية في الطب بقسم الامراض الجرثومية والجروح المتعفنة بمعهد القصاب الجامعي، سحر سلاّم ، ان الداء الذي يظهر مع انخفاض المناعة واستخدام المضادات الحيوية واستخدام الكورتيزون بكميات كبيرة والاصابة بالسرطان والسيدا، علاوة على رفعه نسبة الوفاة لدى المريض، فانه ادويته باهضة جدا. كما ان بعضها غير متوفر دائما ومنها "أمفوتيراسين ب" للحقن ،و "بوساكونازول" ، هذا فضلا عن سميّة الادوية واثارها الجانبية الخطيرة ،التي قد تؤدي الى الوفاة. وبينت ان مضادات الفطريات "أنتيفونجيك" مرتفعة الكلفة " وعملية التكفل بها ضمن منظومة استرجاع المصاريف محدودة جدا ،ولا تشمل جميع المضادات ، وتكون حسب المريض والعلاج والمدة اللازمة. تفافمت مشكلة نقص الادوية في السنوات الاخيرة ، وهي تطرح كذلك مع امراض جرثومية عادية ، اذ لا تتوفر عديد الادوية لعلاج المرضى وخاصة المضادات الحيوية، وغالبا ما يؤكد المريض عدم قدرته على اقتنائها ، وهو نفس الاشكال مع الفطر الاسود النادر السريع الانتشار والتطور والذي لا يمهل صاحبه كثيرا. 532 دواء مفقودا ..منها ادوية حياتية جمعية الصيادلة التي تشخص وضعية توفر الادوية بالصيدليات، وتصدرتقريرا في الغرض كل ستة اشهر، اكدت هذا الامر ، مع اعلانها في فيفري المنقضي المتزامن مع موجة كورونا عاتية بتونس ، فقدان 532 دواء منذ شهر فيفري ، منها ادوية حياتية ضرورية تخص امراض خطيرة ونادرة. وهو امر يشمل وفق تصريح رئيس الجمعية ناظم الشاكري "المستشفيات العمومية ومصحات الضمان الاجتماعي التي تغيب في صيدلياتها بعض الادوية الحياتية التي لايجدها المرضى المضمونون اجتماعيا، وبات فقدانها مهددا اساسيا لحياتهم" . واضاف ان النقص شمل بعض المضادات الحيوية وعديد الادوية التي تشمل كل الامراض، وذلك نتيجة عجز منظومة التغطية الصحية في تونس عن القيام بواجبها" وفق تصريحه . وبين ان "اهم ركيزة في المنظومة، هو الصندوق الوطني للتامين على المرض الذي يتخبط في ديون كبيرة مع مسديي الخدمات المتعاملين معه ومنها الصيدلية المركزية". من جهتها ،اوضحت مديرة إدارة وحدة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة ، الدكتورة مريم خروف، ان الوزارة تتابع بالتنسيق مع جميع هياكلها ،وضعية التزود بالادوية وتجاوز النقص في بعضها ، وذلك عبر عقد اجتماعات متكررة مع الصيادلة والمخابر وكل الهياكل ذات العلاقة. ولفتت الى وجود اشكال في توفير ادوية الامراض النادرة من ذلك ان بعض ادوية الفطر الاسود توفر حسب الطلب والحاجيات وبتقييم من الاطباء على غرار عقارمضاد الفطريات "امبيزوم ". واعتبرت ان بعض الادوية الاخرى التي تمت الاشارة اليها على غرار مضاد الفطريات "بوساكونازول" ليست مدرجة ضمن اقتناءات الادوية، اذ توجد ادوية بديلة من نفس التركيبة التي يمكن استعمالها وهي متوفرة. الفطر الاسود في ارقام وفي خضم نداءات استغاثة الجميع ، لتوفير الادوية وانقاذ المرضى ، برزت معاناة مرضى الفطر العفني ، اكثر خلال موجة الكورونا ، وسط غياب احصائيات دقيقة عن مرضاه وضحاياه . اذ خلص بحث طبي انجز في مستشفى فرحات حشاد بسوسة ، في افريل 2014 حول العناية التشخيصية والسريرية لداء الفطر الاسود،انه بدأ في الظهور منذ 1994 بحالة ، سجلت بالمستشفى، وارتفع عدد الحالات الى تاريخ البحث( 2014) ، الى 68 حالة مسجلة موزعة بين صفاقس 28 حالة ،وتونس20 حالة، وسوسة 20 حالة . كما اكدت المختصة في الأمراض المعدية الدكتورة آمال اللطيف في تصريح اعلامي ، أن تونس سجلت وعلى مدى ال5 سنوات الأخيرة، 5 إصابات بمرض الفطر الأسود من سنة 2016 الى 2020 ) بمعدل إصابة كل سنة، هذا اضافة الى الخمس الحالات المسجلة في 2021 والمعلن عنها تزامنا مع جائحة كورونا . لم تكن الضحية نجاة حالة الوفاة الوحيدة المعلنة ،اذ اعلنت وزارة الصحة عن ضحية لهذا المرض النادر في سبتمبر 2019 ، ردا على اشاعات تناقلت حول وفاة شابة(امال) نتيجة لسعة بعوضة بمنطقة عقارب بولاية صفاقس ،وأثارت وفاتها احتجاجات نشطاء بالمجتمع المدني بعد ان ربطوا الحادثة بحالة التلوث في المنطقة . تم عرض الشابة المريضة بداء السكري على التشريح ،وتم بعد فتح بحث تحقيقي من النيابة العمومية بصفاقس حول اسباب الوفاة، تاكدت وفاتها بتعفن على مستوى الوجه بسبب مرض الفطر العفني . هذه الاصابة التي تعرف طبيا ،بالعدوى الأنفية الدماغية ، كانت النقطة المشتركة بين الضحيتين ، وهو ما اعتبرتها الاستاذة المساعدة الاستشفائية في الطب بقسم الامراض الجرثومية والجروح المتعفنة بمعهد القصاب الجامعي، امل سلاّم ، الاصابة الاكثر خطورة ،،والارفع في معدل الوفاة بها يصل الى 70 بالمائة من الحالات حتى عند اجراء الجراحة العاجلة . هذا الى جانب بقية الاصابات المتمثلة في فطر الغشاء المخاطي الرئوي والجهاز الهضمي ، والعدوى التي تمس كامل اجهزة الجسم والجلدي التي تعد الاقل مخاطر والتي يمكن علاجها والنجاة منها. وقد ارجع سبب الوفيات عموما الى ضبابية المعلومات المتوفرة عن المرض ، وربطه بالكورونا ، فضلا عن عدم معرفة الاطباء في تونس بالكيفية المطلوبة، على عملية تشخيصه المبكر، وساهمت في ابطاء التدخل الطبي الكفيل بإيقاف انتشاره، ليحول فرحة عائلات بتعافي افرادها من الكورونا الى فاجعة موت وفقدان ... وقد اكدت الدكتورة سحر ، ان المستشفيات التونسية نادرا ما تشهد مثل هذه الحالات ، الامر الذي يجعل معرفة الاطباء به محدودة جدا ، وتصعب سرعة تشخيصه ، وهو ما ينعكس على سرعة تطور الاصابة التي تصل نسبة التعافي فيها الى 80 بالمائة في حالة الفطر الجلدي ، والى نسبة لا تفوق ال30 بالمائة في بقية الاصابات وخاصة العدوى الأنفية الدماغية الاخطر والاعلى نسبة وفيات. مؤطر اثبتت دراسة قام بها فريق طبي بمستشفى الرابطة من قبل عدد من الاقسام منها قسم الأمراض السارية ، و قسم الامراض الباطنية، في 2009 ان ارتفاع معدل الوفيات في صفوف 17 مصابا بداء الغشاء المخاطي وحيد القرن المداري الدماغي، منهم 9 نساء تمت متابعة وضعيتهن الصحية ،طيلة 16 عاما بين 1992 و2007 والقيام بالعلاج والتدخل الجراحي بعد اصابتهم على مستوى الأنف والعينين والدماغ بتشوهات واضحة، اذ بلغ معدل الوفيات نسبة 65 بالمائة وذلك نتيجة تاخر التشخيص ونقص العلاج الجراحي. ويبدو ان هناك اجماعا على ان تشخيص هذا الداء لا يزال صعبًا مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات فعلاج هذا المرض يتطلب تدخل عديد الاختصاصات، على غرار اختصاص الحنجرة والانف والاشعة وطبيب الطفيليات المرض اخصائي انسجة واشعة. وقد تم في هذا الاطار التاكيد على ان تقوية المناعة ، يعد خط الدفاع الأول عن الجسم وهو اقصى مايمكن فعله، امام غياب علاج وقائي فعال وذلك بالاستغناء عن استعمالات كورتيزون وجرعات الستيرويد القشري غيرالمستحقة، وتخفيض نسبة اقامة مرضى الكوفيد في اقسام الانعاش وكل ما من شانه انهاك الأنظمة الدفاعية للجسم .