تحرير روضة بوطار - غيّبها الوباء لسنتين متتاليتين لتعود من جديد ويستعيد معها شهر رمضان رونقه الخاص، انها عادات وتقاليد جزيرة جربة الضاربة في القدم والموغلة في المحلية التي يقترن احياؤها بشهر رمضان فتضفي على هذا الشهر المعظم رونقا خاصا. ففي الجزيرة لا يزال أهلها وخاصة منهم امازيغيو الاصل والمنتمون للمذهب الايباضي يتمسكون بكل عاداتهم وتقاليدهم ومنها الاحتفال بأول صيام لابنائهم الذكور والاناث من خلال تنظيم حفلات يدعون اليها الاحباب والاقارب ويقيمون الولائم كل حسب امكانياته، ويبقى اعداد طبق البسيسة وتزيينه بالبيض والحلوى وتوزيعه على المدعوين الركيزة الاساسية وابرز فقرات الاحتفال الذي تتزين فيه الفتاة الصائمة وتوضع لها الحناء فتكون بمثابة العروس. ... لا ينتهي الاحتفال بالصوم الاول لليافعين عند ذلك اليوم فقط، والذي غالبا من يسبق شهر رمضان، بل يتواصل الاحتفال بالصائمين الجدد طيلة الشهر المعظم من خلال دعوتهم كل ليلة للافطار عند احد الاقارب حيث يلتقي عدد كبير من الصائمين الجدد فيقضون الليلة يتسامرون ويتعارفون، وتقدّم لهم الهدايا والنقود قبل المغادرة. ويتجاوز الاحتفاء بالصائمين الجدد بعده الاحتفالي فقط ليحمل عدة معان ودلالات رمزية فهو طريقة سهلة وبسيطة لتأصيل فريضة الصوم لدى الناشئة باعتماد الترغيب والتشجيع، ويمثّل أيضا رسالة ضمنية للطفل مفادها دخوله مرحلة جديدة من العمر وهي مرحلة التكليف وتحمل المسؤولية واعلان ادراكه سن النضج. يحيي اهل جربة هذه العادة اينما وجدوا حتى في بلدان المهجر، وفي حال تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف يحتفون بابنائهم في عطلتهم الصيفية بجربة قبل العودة الى بلدان اقامتهم، فيبالغون في الاحتفال من خلال الولائم والذبائح واقامة السهرات الفنية التي تحييها فرق غنائية نسائية. اما العادة الاخرى التي تتزامن مع شهر رمضان فهي الدُولة، وأصل الكلمة امازيغي (الدولث) ويعني اللمة والتداول، وتنطلق بداية من ثاني ليالي رمضان لتنتهي ليلة 27 من الشهر، وخلالها تتداول العائلات كل ليلة على دعوة الاقارب والصائمين الجدد للافطار عندها وتعد طبقا رئيسيا هو المعقود الذي يرتكز أساسا على الزبيب ويتطلب متّسعا من الوقت لإعداده من خلال رحيه ثم نقعه في الماء لفترة، ثم يصفى ويطهى الى ان يصبح مرقا سميكا يميل الى الحلاوة وعند الافطار يسكب على العصيدة ليقدم للضيوف. اما قديما فكان اول طبق من عصيدة المعقود يرفع قبل اذان المغرب الى مسجد الحي ليتناول منه المصلون وايضا الطلبة الذين يقيمون بالجزيرة والقادمين من خارجها لتلقي العلم والمعرفة، وخاصة علوم الدين والفقه الاباضي فمساجد الجزيرة لعبت في القدم دور المؤسسات التعليمية التي يقصدها الطلبة من الجنوب التونسي ومن الغرب الليبي والصحراء الجزائرية. وتسبق شهر رمضان عادات اخرى تعدّ لقدومه والتي قد لا تختلف على بقية المناطق حيث تستعد العائلات بجربة لتوفير الحاجيات الغذائية اللازمة لهذا الشهر من خلال اعداد شربة الشعير، ودقيق الشعير، والملثوث، إلى جانب بقية الاستعدادات الاخرى على غرار تنظيف المسكن، وغسل الاغطية، والمفروشات وغيرها. وتختتم حلقة العادات والتقاليد في اليوم الاخير من شهر رمضان اليوم الذي يسبق عيد الفطر بالاحتفال بالعرفة التي يخرج فيها الاطفال لاقتناء اللعب بعد ان ارتدوا ملابسهم الجديدة مرفوقين بابائهم للتبضع بحاجيات يوم العيد.