(وات/ مكتب توزر/ تحرير صالحة محجوبي) - في مثل هذا الوقت من كل سنة والى غاية الأيام الأولى من شهر سبتمبر، حين تكون العوامل المناخية مناسبة لتجفيف الأطعمة وحفظها، ترفع حرائر الجريد سواعدهن ويتجندن فرادى أحيانا وفي مجموعات أحيانا أخرى لإعداد "العولة" أي مؤونة سنة كاملة من أطعمة متنوّعة مختلفة وبهارات تحتاجها الاسرة على امتداد السنة. وقد عملت تجربة سوق الرحبة لترويج المنتجات الغذائية المحلية، وهو محل قامت بتركيزه جمعية المنحلة للمواطنة الفاعلة بتوزر، على احياء هذه العادة بل ونشرها لتصبح مداخيل هذه المنتجات مورد رزق لدى عدد كبير من الاسر، وفق راضية سالمة احدى المنتفعات بمتجر سوق الرحبة. ... ففي منطقة صحراوي من مدينة توزر، سخّرت راضية مثلها مثل عدد آخر من نساء الحي منزلها لإعداد الأطعمة التقليدية وتقديمها لمتجر سوق الرحبة قصد تعليبها وترويجها في الجهة وخارجها، وتحدّثت راضية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء عن مزايا هذه التجربة التي أحيت فيهن عادات الجريد القديمة بعد أن كانت مهدّدة بالزوال بفعل خيارات الاسر وتوجهها نحو الأطعمة الجاهزة والمعلبة من طرف المصانع. التجربة، وفق ذات المصدر، كانت كفيلة بإعادة الاعتبار للعولة من تجفيف للفلفل ورحيه والبسيسة والكسكسي والبركوكش والفلفل المملح والملوخية، وتطوّر الطلب على هذه المنتجات من أجوارهن ومن حرفاء آخرين، لا سيما وأن المواد الأولية تنتجها واحات الجريد بالطرق البيولوجية التقليدية، قائلة إن نجاح التجربة شجّعها على بعث ورشة صغيرة في منزلها سترى النور قريبا ستخصّصها للإنتاج والتجفيف والتعليب استعدادا لعملية الترويج. ورغم مزايا ارتفاع درجات الحرارة في التجفيف، فإنّ الموجة القوية الأخيرة عملت على إضعاف نشاطها، حيث لم تنطلق راضية وكذلك النساء الاخريات في اعداد العولة بصفة رسمية وخصوصا بالنسبة الى الكسكسي باستثناء بعض المنتجات التي لا تتطلب مجهودا كبيرا، وفق قولها. وخلال نشاطها تحرص راضية على التقيّد بعادات الجريد في اعداد بعض الأطعمة من حيث طريقة الاعداد والاضافات لكل منتج، ويعدّ البركوكش احدى الاكلات ذات الخصوصية المحلية والخاصة ببلاد الجريد، فهو يحضّر على غرار الكسكسي إلا أن "حباته الأكبر حجما تجعله مميزا يتم اعداده في موسم الصيف وتجفيفه لطبخه في فصلي الشتاء والربيع، ويطبخ بإضافة البقول الجافة و7 أصناف من اللحم وبعض النباتات المجففة التي تعطيه مذاقا مميزا". كما تمتاز الجهة بنوع ثالث من الكسكسي وهو السفة، حيث تتم عملية التحضير لهذه الأنواع الثلاثة في نفس الوقت إلا أن الاختلاف يكمن في حجم الحبات وفي طريقة الطهي. وللملوخية، وفق مليكة زمال احدى المنتفعات بتدخل متجر سوق الرحبة، طقوس خاصة في جهة الجريد، حيث يتم قطعها وجمعها من الواحات القريبة ثم تنقيتها ورقة ورقة والاكتفاء بالورقات دون الاغصان حتى تحافظ على مذاق طيب، وغسلها وتجفيفها ورحيها، وفي طريقة اعداد البهارات تحرص مليكة كذلك على بعض عادات الجريد من خلال الإضافات متميّزة ولا سيما استعمال بعض النباتات التي يقع انتاجها في الواحة على غرار النعناع والحبق. وتؤكد المتحدثة بأن العوامل المناخية والاقتصادية كانت سببا في خفض مستوى انتاج العديد من النساء خلال الصائفة الحالية، مؤكدة أن غياب بعض المواد ومنها دقيق السميد، وبعض أنواع البهارات، وفقدانها من الأسواق أدى الى نقص في الإنتاج وتأجيل إعداد بعض المنتجات الى وقت لاحق الى حين توفر موادها الأولية، وفق قولها. ونظرا للمردودية الاقتصادية لنشاط كل من مليكة وراضية وعدد من النساء الأخريات في معتمديات دقاش وحامة الجريد، اللاتي مكّنهن متجر سوق الرحبة من عملية الترويج، فإنّهن يأملن في تطوير عملهن بإدخال آلات خفيفة تساعدهن في نشاطهن، دون التخلي عن الطابع التقليدي، فضلا عن تمكينهن من المواد الأولية لضمان توفير منتوج يلبي حاجيات الحرفاء على امتداد السنة. وتأمل هؤلاء النسوة أن تظفرن بفرص أكبر في التعريف بمنتوجهن وتسويقه وترويجه لقناعتهن بأن خصوصيات الجريد وعاداته الغذائية مطلوبة في الجهة وخارجها، وحتى من طرف السياح الأجانب، والتونسيين المقيمين خارج حدود الوطن، فزيادة على المذاق والخصوصية تتميز منتجاتهن بالتجفيف الطبيعي الكامل بفضل حرارة الشمس. وقد بيّنت لهن تجربة سوق الرحبة لهن ارتفاع الطلب على بعض المنتجات كفلفل الجريد والملوخية وساهمت في ترويح منتجات مشتقة من التمور منها رب التمر وسكر وخل التمر، وهي منتجات عرفت طريقها الى السوق ومازالت في حاجة الى التعريف والتسويق. تابعونا على ڤوڤل للأخبار