(وات/تحرير ليلى بن ابراهيم)- تنظر الدائرة الجنائيّة المختصة في القضايا الإرهابية بمحكمة الاستئناف بتونس يوم 11 مارس الحالي في قضيّة ما يعرف ب"أحداث" بن قردان التي جدّت يوم 7 مارس من سنة 2016 عندما هاجمت مجموعة إرهابية هذه المدينة في محاولة للسيطرة عليها وإقامة "إمارة داعشية". ويمثل 96 متهما في هذه القضية أمام القضاء، الذي كان أصدر يوم 6 مارس 2022 أحكاما ابتدائية بالإعدام ضد 16 متهما، وبالسجن مدى الحياة في حق 15 آخرين، وبالسجن بين 20 و30 عاما ضد 14 متهما، وبأحكام تتراوح بين 4 و15 سنة سجنا ضد آخرين. ... لقد أفشل استبسال قوات الجيش والأمن الوطنيين وأهالي المنطقة وتلاحمهم هذا المخطط الإرهابي، وأسفرت المعركة مع المجموعة الإرهابية عن استشهاد 18 عنصرا من أبناء الجيش والأمن وسبعة مدنيين، مقابل القضاء على أكثر من خمسين إرهابيا والقبض على العشرات الآخرين. ومثلت معركة بن قردان، التي تحيي تونس غدا الخميس ذكراها الثامنة، نقطة فارقة في تاريخ الحرب على الإرهاب، فقلب التحام أبناء المؤسستين العسكرية والأمنية وأهالي المنطقة وتكاتفهم الهجوم المباغت إلى نصر مبين و"ملحمة" تاريخية كانت لها تداعيات على الحرب على الإرهاب لا في تونس فحسب بل في منطقتي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وفق ما يؤكده باحثون وخبراء استراتيجيون. وفي هذا الشأن، يقول أستاذ العلوم الجيواستراتيجية رافع الطبيب، في تصريحات ل(وات)، إن معركة بن قردان كانت "درسا" لكل من أراد القضاء على "داعش"، إذ كانت " حافزا للجيش الليبي لدحر بؤر الإرهاب، كما كانت محفزا ودرسا للعراقيين وقوات الحشد العراقية التي تمكنت من تحرير الموصل من داعش بعد عام، ونفس الشأن بالنسبة لمعركة سوريا". المعركة .. الأحداث انطلقت عملية بن قردان، وفق عرض مصوّر كانت وزارة الدفاع الوطني نشرته بعيد الانتهاء من العمليّة، يوم 2 مارس 2016 في منطقة العويجاء (بن قردان)، التي عرفت آنذاك وجود عدد كبير من المتشدّدين. وذكرت الوزارة أنّه وقع التدخّل في المنطقة والقضاء على 5 إرهابيين. وفي يوم 7 مارس وقع الهجوم على الثكنة العسكرية بالمدينة وضرب محطّة الإشارة وغرفة العقيد آمر الفوج، إضافة إلى منطقتي الشرطة والحرس وكذلك المعتمدية. وتكبدت المجموعة الإرهابية في هذه العملية خسائر فادحة مما جعلهم يفرّون في كل الاتجاهات، وفق وزارة الدفاع. وبملاحقتهم وقع اكتشاف مخازن ذخيرة محيطة بالمدينة هدفها عزل المدينة عن مناطق جرجيس ومدنين وتطاوين وقطع الإمدادات عنها لجعلها "إمارة داعشيّة". الملاحقات الأمنية في عملية بن قردان تواصلت إلى حدود يوم 20 مارس من السنة نفسها بالقضاء على أحد أخطر العناصر الإرهابية في منطقة الصيّاح وهو محمد الكردي. وقبلها بيوم (19 مارس) تم القضاء على عنصرين إرهابيين (الأخوين مارس) في منطقة العامرية. استمرت عملية الملاحقة للعناصر الإرهابية المورّطة في عملية بن قردان إلى ما بعد شهر مارس في إطار عمليات استباقيّة، على غرار العمليّة الأمنيّة الاستباقيّة التّي قامت بها وحدات الحرس الوطني يوم 11 ماي 2016 بجهة المنيهلة من ولاية أريانة والصمار من ولاية تطاوين. وجرى خلالها القضاء على 4 عناصر إرهابيّة كانوا شاركوا في الهجوم الإرهابي على مدينة بن قردان، وهم نجم الدّين بن محمّد الضّاوي غربي ونجيب بن خشيرة بن عمارة المنصوري ووليد بن عمارة بن محمّد السديري ولسعد بن علي بن ابراهيم دراني. وأسفرت العمليّة عن إيقاف العنصر الإرهابي الخطير عادل الغندري (مولود في 06-06-1986 أصيل بن قردان) الصّادرة في شأنه عديد مناشير التّفتيش من أجل ضلوعه في عديد العمليّات الإرهابيّة في تونس. كما كشفت السلطات يوم 24 ماي 2016 عن مخزن للأسلحة ببن قردان يحتوي على 29 قطعة سلاح من نوع كلاشنيكوف و3 قاذفات "آر بي جي". المسار القضائي أصدرت الدائرة الجنائية المتخصصة في القضايا الإرهابية، يوم 4 مارس 2022، أحكامها في القضية المتعلقة بأحداث بن قردان التي شملت 96 متهما. وذكر الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائيّة بتونس، آنذاك، أنّ عدد المتّهمين في القضية بلغ 96 يتوزّعون بين 62 موقوفا و25 بحالة سراح و9 بحالة فرار. وتمثلت الأحكام الصادرة في عقوبة الإعدام ل 16 متهما والسجن بقية العمر ل 15 متهما، وتراوحت بقية الأحكام من 4 و30 سنة سجنا لعدد آخر من المتهمين. ووجه القضاء للموقوفين في القضية تهما تتعلق ب"التآمر على أمن الدولة والانضمام إلى تنظيم إرهابي والإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية وغيرها من الجرائم المنصوص عليها بالقانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 مؤرخ في 7 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، إضافة إلى تهمتي القتل العمد ومحاولة القتل العمد طبقا لأحكام المجلة الجزائية". الإرهاب في تونس لم تكن تونس بمنأى عن العمليات الارهابية التي شكّلت تهديدا لكل الدول والشعوب في فترة ما جرّاء المتغيّرات الإقليمية والدولية وعدم الاستقرار الجيوسياسي التي تشهده المنطقة، وفق ما جاء في مقدّمة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب الأولى . وشهدت خلال العقود الأخيرة بعض الأعمال الإرهابية على غرار عملية سندس بولاية توزر( 1995) وعملية معبد الغريبة بجربة (2002) وأحداث سليمان بولاية نابل (2006). وتؤكد الاستراتيجية أنه إثر تأزّم الأوضاع في ليبيا بعد سنة 2011 باتت تونس "مسرحا" لعدة هجمات إرهابية استهدفت القوات الأمنية والعسكرية والسياسيين والسياح والمدنيين. وشهدت تونس سنة 2011 حادثة الروحيّة الإرهابية التي استشهد فيها مقدم ورقيب من الجيش، وقُتل كذلك مسلحان تونسيان، فيما جرح جندي ومواطن آخران. ووقع إلقاء القبض على مسلحين ليبيين إثنين حوكما بعد ذلك ب20 سنة سجنا. تتالت العمليات الإرهابية إثر ذلك من سنة 2012 إلى سنة 2015 فكانت عبارة عن معارك متقطّعة وتفجيرات بالألغام وكمائن في جبل الشعانبي ومواجهات بعدد من المناطق الأخرى على غرار أحداث قبلاط وسيدي علي بن عون ( 2013 ) والهجومين على متحف باردو ونزل امبريال سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي بالعاصمة (2015). ورغم استمرار الهجمات الإرهابية وتسارع وتيرتها تمكنت تونس، بفضل استبسال قواتها الأمنية والعسكرية والعمليات الاستباقية وتضافر جميع الجهود، من القضاء على عدد كبير من الإرهابيين وتفكيك خلايا إرهابية وإفشال العديد من المخططات التخريبية. وكانت أحداث بن قردان سنة 2016 النقطة الفارقة في تاريخ حرب تونس على الإرهاب وذلك بإفشال مخططهم الهادف إلى إقامة "إمارة داعشيّة" ودحرهم في ملحمة بطوليّة كانت محل تنويه إقليمي ودولي. تابعونا على ڤوڤل للأخبار