آفة خطرة تنخر كيان مجتمعنا وتضر بالعلاقات داخله... إنها آفة النفاق... إنهم المنافقون الذين يظهرون عكس ما يبطنون... الذين يجاملونك حينما تلتقي بهم ويمدحونك ويمجدونك ويشكرونك ويؤكدون لك أنك عبقري زمانك، وحين تفارقهم يقلبون الشريط على الوجه الآخر و لا تُسمع منهم إلا عبارات الاستنقاص التي تقال في شأنك وتقلل منه وعكاظيات السب والشتم وهتك العرض.... تتصل بأحدهم عبر الهاتف فيحدثك بمعسول الكلام وتصلك عباراته جميلة منمقة كلها محبة واحترام، ولكنه وهو يكلمك يُلاحظ على وجهه قسمات تدل على السخرية والاستهزاء منك وعلى شفتيه ابتسامة كلها مكر تناقض كليا ما ينطق به من كلمات ومن عينيه تصدر غمزات تكشف أن صاحبها منافق من الدرجة الأولى، وزيادة على ذلك يدير رأسه ذات اليمين وذات الشمال علامة على أنه لا يصدقك في ما كنت تحدثه به وعلى أنه غير مقتنع بما تذكره له عبر الهاتف وأنت بعيد عنه... حين يحتاجون إليك يكادون يقدسونك وتراهم يعاملونك بكل لطف ويتصلون بك في كل لحظة معبرين لك عن شوقهم إليك وإلى اللقاء بك وأنت تستغرب كل هذا ولا تجد تفسيرا، ولكن بعد مدة وجيزة جدا ستكتشف كل شيء وسيزول عنك الغموض والاستغراب لمّا تعلم أن معاملتهم اللطيفة لك كانت لغاية في أنفسهم وكانت مشروطة بمصلحة ما تحققها لهم، ويوم يتحقق لهم ما كانوا يصبون إليهم يتوقف لطفهم في معاملتهم لك ويزول شوقهم إليك ويعوضه تجاهلهم لك لم وتبرمهم منك... تتحدث إلى أحدهم فلا تسمع منه إلا الكلام الجميل والعبارات الأنيقة وفي ثنايا كلامه يذكر لك أحيانا آية قرآنية وأحيانا أخرى حديثا نبويا شريفا، ولا يكف لسانه عن ذكر اسم الله عز وجل واللهج به في كل المواضع وبكل الأشكال والصنوف، ولا ينسى أن يخبرك أن الشيخ الفلاني في الفضائية الفلانية قال كذا وكذا وخطيب الجمعة في ذلك الجامع أكد هذا الأمر أو نفاه، ولا يفوته أن يناقش تلك الفتوى ويحللها أو يعارضها إن جزئيا أو كليا، هذا إذا لم يأخذ مكان المفتي فيحلل لك ما يشاء ويحرم لك ما يريد، ولا يتعب من أن يذكرك في كل آن وحين وبمناسبة وبدون مناسبة أنه ذهب إلى المسجد أو أنه خرج منه أو أنه صائم هذا اليوم أو أنه ساعد تلك العائلة الفقيرة بمبلغ مالي معين، ثم بعد ذلك تكتشف أنه استولى على ميراث أبيه وحق أخوته فيه وأنه كان مدينا بمبالغ مالية لبعض الأشخاص ولم يسدد ذلك الدين على الرغم من قدرته على سداده، وفي الليل بالمقهى تسمعه يتفنن ويبدع في قول الكلام البذيء والعبارات النابية التي لا تليق برجل مثله وكأن لسانه لم ينطق منذ قليل بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام... بعضهم يقصد البقاع المقدسة ويؤدي مناسك الحج ويعود شخصا آخر ويظل لمدة طويلة وهو يسرد لأفراد عائلته وأصدقائه الأحداث التي عاشها هناك ويصف لهم المشاعر التي انتابته في أقدس مكان عند المسلمين ويصر إصرارا غريبا على أن يناديه الآخرون بالحاج أو عم الحاج، وفي ما بعد تكتشف صدفة أنه اشترى من عطار الحومة عددا من صناديق المشروبات الغازية أو علب العصير أو المرطبات احتفاء بالمدعوين الذين جاؤوا ليودعوه يوم ذهابه إلى البقاع المقدسة ولم يسدد ثمنها في الإبان فبقي دينا في عنقه لم يسدده بعد مرور سنوات على الرغم من علمه وتذكير العطار له بذلك الدين... هؤلاء المنافقون تصادفهم في كل مكان وتجد نفسك مجبرا على التعامل معهم... أحيانا يستغفلونك وينطلي عليك نفاقهم الذي لا تكتشفه إلا بعد فوات الأوان، وأحيانا أخرى تنتبه إليهم وتكتشفهم بسرعة فيتجنبونك ويحذرون من التعامل معك ولكنهم لا يتوانون عن البحث عمن ينطلي عليه نفاقهم وتستمر عجلة النفاق في الدوران....