بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    الكرة الطائرة : المنتخب في إيطاليا وبن عثمان يحتجب    القيروان .. إستعدادا لاجتياز مناظرتي السيزيام والنوفيام .. جلسة توعوية للإحاطة بالتلاميذ وأوليائهم    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    مديرو المهرجانات الصيفية يواجهون صعوبات .. بين مطرقة ارتفاع كلفة الفنانين وسندان أذواق المتفرجين    المالوف التونسي يضيء ليل باريس    رقم أخضر    اليوم انطلاق مناظرة «السيزيام»    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    إجراءات لدعم التشغيل    كأس العالم للأندية :باريس سان جيرمان يضرب أتليتيكو مدريد برباعية    تونس: حوالي 25 ألف جمعية 20 بالمائة منها تنشط في المجال الثقافي والفني    مدنين: حملة نظافة بجربة اجيم لجمع النفايات البلاستيكية    إطلاق خارطة السياسات العمومية للكتاب في العالم العربي يوم 24 جوان 2025 في تونس بمشاركة 30 دار نشر    وزارة المالية تعين لمياء بن اسماعيل في خطة امين مال عام للجمهورية التونسية    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    هكذا سيكون طقس الليلة    حملات الشرطة البلدية تسفر عن مئات المخالفات في مجالي الأمن والصحة    قافلة الصمود تدعو الراغبين في العودة إلى تونس لتسجيل أسمائهم في موقع التخييم بمصراتة    كأس العالم للأندية 2025: بنفيكا يواجه بوكا جونيورز وتشيلسي يفتتح مشواره أمام لوس أنجلس غدا    "إسرائيل تلجأ لتفجير سيارات مفخخة في طهران".. مصدر مطلع يكشف    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    وزارة الصحة: اختيار مراكز التربصات للمقيمين في الطب ستجرى خلال الفترة من 16 الى 19 جوان الجاري    لجنة انتداب تابعة لوزارة التربية العمانية تزول تونس الاسبوع المقبل (وكالة التعاون الفني)    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    دورة برلين المفتوحة للتنس: انس جابر في الجدول النهائي بفضل بطاقة الخاسر المحظوظ    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    تدخل عاجل لوحدات الحماية المدنية للسيطرة على حريق مهول في معتمدية باجة الجنوبية    وزارة الصحة تُعلن رزنامة اختبار اختيار المراكز للمقيمين في الطب    عاجل/ آخر مستجدات قافلة الصمود بعد ايقاف عدد من الناشطين..    إتحاد الفلاحة بباجة يدعو إلى مراجعة سلم تعيير الحبوب بسبب تدني الجودة جراء الأمطار الأخيرة [فيديو]    المُقاومة اليمنية تقصف إسرائيل بالتنسيق مع إيران..#خبر_عاجل    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    الترجي الرياضي يعزز ثقة باسم السبكي بقيادة الفريق لموسم جديد    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    جلسة عمل بولاية تونس حول مدى تقدم مخطط التنمية 2026-2030    كأس العالم للأندية 2025 - الوداد المغربي يتعاقد مع المدافع البرازيلي غيليرمي فيريرا    بنزرت: مشاركة قياسية ضمن أول دورة من فعاليات "نصف ماراطون بنزرت"    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    السلطات الليبية: ''قافلة الصمود'' دخلت ليبيا بشكل قانوني    "فارس": إيران تسقط 44 مسيرة إسرائيلية على الحدود    مقترح برلماني: 300 دينار منحة بطالة و450 دينار للعاجزين عن العمل    الأهلي يُعلن غياب إمام عاشور رسميًا بعد إصابته أمام إنتر ميامي    إيران تعرب عن استيائها من "صمت" وكالة الطاقة الذرية    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    درجات الحرارة هذه الليلة..    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن أي استقلال نتحدث ونحن لازلنا بدون سيادة لغوية وثقافية؟
نشر في باب نات يوم 20 - 03 - 2025


كريم السليتي
كاتب وباحث في الإصلاح الإداري
نحتفل اليوم في تونس ككل عام بذكرى الاستقلال. يخرج الاعلاميون فيها بخطابات جوفاء بلغة خشبية قديمة ومكررة، وتُرفع الأعلام وتبث الأناشيد الوطنية، لكن مهلاً... أي استقلال هذا ونحن نفكر بلغة المحتل، وندرس بلغة المحتل، ندير اقتصادنا وخدماتنا وصحفنا بلغة المحتل؟! أي استقلال هذا ونصف كلام الاذاعات فرنسي؟! أي استقلال والموظف في الادارات العمومية والخاصة يرد عليك بلهجة مشوهة نصفها فرنسي؟!
الاستعمار لم يرحل... لقد بدل مظهره العسكري بأخر ثقافي
الاستعمار لم يُهزم، بل غير شكله. بدل أن يكون بجنوده ودباباته، أصبح في ألسنتنا وأدمغتنا، بسبب الفرنسة القسرية للتعليم والاعلام. قبل سبعين عامًا كان الفرنسي يفرض لغته بالسلاح، واليوم نحن نخدمه طوعًا!
فرنسا لم تكن لتترك مستعمراتها السابقة دون ضمان استمرار نفوذها، فجعلت من لغتها أداة للهيمنة الناعمة. نحن اليوم لا نعتمد الفرنسية لأننا اخترنا ذلك بحرية، بل لأننا ورثنا منظومة صُممت لجعلنا تابعين. التعليم، الإدارة، الاقتصاد، الإعلام... كلها مربوطة بالفرنسية، وكأننا ما زلنا تحت حكم الحاكم العام الفرنسي!
ندير اقتصادنا وإدارتنا بلغة باريس
ننشر الصفقات العمومية ونبرم العقود بلغة فرنسا، اعلانات الشغل واعلانات الشوارع واللافتات بالفرنسية، الشركات الاقتصادية تنشر قوائمها المالية وتقاريرها الدورية بالفرنسية، وحتى المرضى في مستشفياتنا تُكتب تقاريرهم الطبية بلغة لا يفهمونها، وكأنهم غرباء في وطنهم! في حين أن المريض تونسي والطبيب تونسي والمستشفى تونسي والصيدلي تونسي. تتواصل معنا الكنام ومصالح الضمان الاجتماعي بالفرنسية. بل أكثر من ذلك نشرات الأدوية كثير منها بالفرنسية ودون وجود ترجمة للعربية مما قد يشكل خطرا على صحة المرضى لعدم معرفتهم طريقة استخدام الدواء.
اللغة ليست مجرد وسيلة... إنها هوية وسيادة!
يجب أن نعي أمرا مهما وهو أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي جوهر الهوية والسيادة. ولا يتحقق أي استقلال حقيقي إلا بتثبيت السيادة اللغوية والثقافية. لماذا تعيش فرنسا اليوم قوية رغم صغر حجمها؟ لأن هويتها ثابتة. لماذا تحارب فرنسا أي محاولة لإضعاف لغتها داخل مستعمراتها؟ لأنها تدرك أن سقوط اللغة يعني سقوط اقتصادها وثقافتها وكيانها ومصالحها.
أما نحن، فماذا فعلنا بلغتنا؟ أين مبادراتنا، أين قوانين حماية لغتنا وسيادتنا الثقافية وهويتنا؟ لقد هجرنا لغتنا قسرا، بل جعلناها لغة من الدرجة الثانية. حتى أن بعض الوزارات لا زلات صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الإجتماعي ومواقع الانترنت الخاصة بها حصرا بلغة المستعمر. كما أن شركات الاتصالات ترسل لنا الرسائل النصية حصرا بالفرنسية.
الفرنسية: لغة الطبقية والانقطاع المدرسي
الفرنسية ليست مجرد إرث استعماري، بل هي أداة تمييز طبقي بامتياز. في الأحياء الفقيرة والمناطق الداخلية، لا يجد التلاميذ والطلبة من يعلمهم الفرنسية بشكل صحيح، فيفشلون في فهم دروسهم، ثم ينقطعون عن التعليم إما بسبب ضعف التحصيل العلمي أو بسبب النفور من التعلم بلغة معقدة جدا نحوا وصرفا واملاءً ولا يفهمونها. بينما أبناء النخبة، يحصلون على أفضل الفرص، لأنهم يتحدثون "لغة السادة". والنتيجة؟ شعب نصفه أمي بالفرنسية محروم من الوصول للوظائف العليا، والنصف الآخر مستلب بها!
هل تعلمون أن آلاف التلاميذ في تونس ينقطعون عن التعليم سنويًا بسبب حاجز اللغة الفرنسية؟ هذا ناهيك عن ضعف التحصيل العلمي لعموم التلاميذ والطلبة، ولا تحدثني عن النوابغ وأبناء المتنفذين وذوي الذكاء الفطري الخارق فهؤلاء استثناء بدون شك. فأي نظام تعليمي هذا الذي يجعل مستقبل أبنائه رهن لغة أجنبية؟
الفرنكفونية ليست بريئة... إنها استعمار ناعم
هل تعتقدون أن الفرنكفونية منظمة ثقافية بريئة؟ لا، بل هي أداة استعمارية ناعمة، مهمتها الحفاظ على التبعية لفرنسا، ثقافيًا واقتصاديًا. وهي أداة لاجتثاث وتحقير الثقافات المحلية واستبدالها بالثقافة الفرنسية.
انظروا إلى الدول التي تحررت فعليًا من الاستعمار: ماليزيا، تركيا، إيران، كوريا الجنوبية... كلها تبنت لغاتها الوطنية، فنهضت اقتصاديًا وعلميًا. بينما تقبع الدول الفرنكفونية التابعة مثل النيجر ومالي وتشاد في أسفل ترتبب الأمم. أما نحن، فلا زلنا نتفاخر باتقان لغة المستعمر القديم، كأنها وسام شرف! بل يظن بعض المسؤولين أن الكفاءة تقاس بمدى اتقان الفرنسية.
الفرنسية واللائكية المتطرفة: سلاح ضد القيم والأخلاق
الفرنسية ليست مجرد لغة، بل هي حامل ثقافي، وهي مرتبطة بشكل وثيق ب"اللائكية المتطرفة"، التي لا تكتفي بفصل الدين عن الدولة، بل تسعى لمحاربة القيم المجتمعية ووأد أي موروث حضاري وقيمي. انظروا إلى الإعلام التونسي المفرنس: ماذا يبث؟ خليط من الدارجة والفرنسية، تحقير للهوية العربية، تشويه لتاريخنا الإسلامي، تبجيل لكل ما هو فرنسي. ماذا يُنتج هذا؟ أجيال مشوشة، تائهة، لا هي غربية بالكامل ولا هي عربية بالكامل، بل كائنات مشوهة مذبذبة.
الحل: استقلال لغوي وثقافي حقيقي!
تعريب التعليم والاقتصاد فورًا: لا نهضة بدون لغة وطنية. العربية يجب أن تكون لغة العلوم والإدارة والاقتصاد، واللغات الأجنبية تُدرس كلغات مساندة، لا كلغات تدريس وهيمنة. أو على الأقل ترك الخيار للتلميذ أو الطالب ليختار لغة التدريس.
قطع التبعية الاقتصادية لفرنسا: لماذا يتم توقيع أغلب الاتفاقيات الاقتصادية بالفرنسية؟ لماذا تُفضل الشركات الفرنسية في الصفقات العمومية الدولية؟ لقد حان وقت تنويع الشراكات والتوجه نحو العالم العربي وآسيا وأمريكا اللاتينية.
تطهير الإعلام والإدارة من التفرنس: يجب إصدار قوانين تُلزم المؤسسات الرسمية والخاصة بالنشر والتخاطب بالعربية. يجب أن يُحاسب أي مسؤول حكومي يتحدث بالفرنسية في ندوة رسمية، أو يُغفل اللغة العربية. كما يجب منع كل الاعلانات في الشوارع واللافتات بغير اللغة العربية.
تثبيت الهوية الوطنية في التعليم والإعلام: يجب أن تُدرَّس الأجيال القادمة تاريخها وهويتها بلغتهم الأم، لا بلغة دخيلة. يجب أن تتوقف مهازل تقديم الثقافة الفرنسية وكأنها قمة الرقي، بينما يُنظر إلى العربية وكأنها لغة الماضي والتخلف.
الخلاصة: لا استقلال بدون هوية!
يا أبناء تونس، كفانا خداعًا لأنفسنا. لا يمكن لأمة أن تكون مستقلة سياسيًا وهي مستعمرة ثقافيًا. لا يمكن لدولة أن تنهض وهي تدير اقتصادها وخدماتها بلغة أجنبية. لا يمكن لشعب أن يكون حرًا وهو يفتخر بلغة جلاده!
إن كنتم تريدون الاستقلال حقًا، فابدؤوا بتحرير عقولكم وألسنتكم. ابدأوا باستعادة لغتكم، فهي مفتاح كرامتكم وحريتكم. فإما أن تكونوا أحرارًا بلغتكم، أو عبيدًا بلغة غيركم.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.