أكد سالم الحامدي، المدير العام للهيئة العربية للطاقة الذرية، أن الحكومات العربية، ومن بينها تونس، بدأت تبدي اهتماماً متزايداً بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، مشيراً إلى أن المفاعلات النمطية الصغيرة قد تمثّل حلاً فعالاً لتوفير الكهرباء ومعالجة عجز ميزان الطاقة في عدد من الدول. وفي حوار خاص في الاستوديو التلفزي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أوضح الحامدي أن هذه المفاعلات تتميّز بكونها أقل كلفة في الاستثمار من المفاعلات الكبرى، مع قدرة على التشغيل المستقر على مدار الساعة، خلافاً للطاقة الشمسية التي تعتمد على ضوء النهار ولا توفّر الحمل الأساسي المستمر. دور الهيئة العربية للطاقة الذرية وأكد المسؤول أن الهيئة العربية للطاقة الذرية، بصفتها الذراع الفني لجامعة الدول العربية، تعمل على إعداد وتكوين الكفاءات في مجالات استخدام الطاقة الذرية سلمياً، سواء في قطاعات الأمن الغذائي والمائي والطاقة والبيئة والصحة والصناعة. وقد وضعت الهيئة استراتيجية عربية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية إلى أفق 2030، تستند إلى ستة محاور رئيسية، تشمل مساهمة الطاقة الذرية في التنمية المستدامة والأمن الصحي والغذائي والمائي في العالم العربي. وأشار الحامدي إلى أن الهيئة تنظّم نحو 30 نشاطاً تدريبياً سنوياً لفائدة الفنيين والمهندسين العرب، بالإضافة إلى استخدام تقنيات النظائر المشعة لتتبع حركة المياه الجوفية وإعادة تدوير المياه العادمة، حيث لا تتجاوز نسبة تدويرها حالياً 20% في الدول العربية، مقابل 70% في الدول المتقدمة. الطاقة النووية مقابل البدائل الأخرى أوضح الحامدي أن كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية تبقى مرتفعة، بينما تُعدّ الطاقة النووية خياراً أقل كلفة وأكثر استقراراً، خاصة في ظل ارتفاع الطلب على الكهرباء في الدول العربية بما يعادل 3 مرات المعدل العالمي، نتيجة التوسع الحضري وتغير نمط الاستهلاك. كما أشار إلى أن الطاقة الأحفورية تسهم في تفاقم الانحباس الحراري، على خلاف الطاقة النووية التي تواصل العمل حتى في الظروف الاستثنائية، مثل جائحة كوفيد-19، حين استمرت المحطات النووية في التشغيل بالرغم من تقليص عدد الموظفين. الدول العربية الرائدة في الطاقة النووية أشار الحامدي إلى أن الإمارات تعتبر نموذجاً متقدماً في اعتماد الطاقة النووية، بينما تعمل مصر على تشييد أربع محطات من المنتظر أن تبدأ أول وحدة منها العمل سنة 2028. أما في تونس، فقد بدأ الاهتمام يتصاعد تدريجياً، مع إمكانية الاستفادة من حلول المفاعلات الصغيرة. وشدد على أن الموافقة على بناء هذه المحطات تخضع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تفرض شروطاً صارمة، في حين تعمل الهيئة العربية للطاقة الذرية على تدريب الكفاءات لتأهيلها لتشغيل تلك المحطات بأمان. دور الطاقة النووية في التنمية الحيوانية والطب تحدث الحامدي عن مساهمة الطاقة النووية في مجال الإنتاج الحيواني، من خلال التصدي للأمراض العابرة للحدود وإنتاج سلالات ملائمة للمناخ، إضافة إلى استخداماتها في الطب، حيث توجد مستشفيات مختصة في الطب النووي في كل من تونس، الأردن، مصر، السعودية والعراق. شراكات استراتيجية وتحول نحو الاندماج النووي أبرز المدير العام أن الهيئة تمتلك اتفاقيات مع كبرى الدول النووية، مثل الولاياتالمتحدة، روسيا، الصين، كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، وقد حصلت على مخابر ومحاكيات تدريب افتراضية لتأهيل الطلبة والمهندسين عن بُعد. كما أشار إلى شروع الهيئة في التحول نحو تقنية الاندماج النووي كخيار مستقبلي لتوفير طاقة مستدامة وآمنة، يتم إدراجها تدريجياً في برامج التدريب. تكاليف الاستثمار وآفاق التعاون أكد الحامدي أن تكلفة مفاعل صغير لإنتاج 1200 ميغاوات قد تصل إلى 6 مليارات دولار، لكنه اعتبر أن الاستثمار يبقى مجدياً إذا ما تمّت مقارنة التكاليف بعجز ميزان الطاقة لدى العديد من الدول. وأشار إلى إمكانية الاتفاق مع مزوّدي التكنولوجيا النووية في إطار مقاربات تشاركية، تقوم على توفير البنية التحتية وتقاسم عائدات الإنتاج، بما يخفف من الأعباء المالية الأولية. وختم الحامدي بالتشديد على أهمية أن تتجه تونس إلى الانخراط الفعلي في مشاريع الطاقة النووية، والاستفادة من الإطار المؤسسي والمهني الذي توفره الهيئة.