تحيي تونس اليوم الذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية، الموافق ليوم 25 جويلية 1957، تاريخٌ شكل منعرجًا سياسيًا حاسمًا في مسار الدولة الوطنية الحديثة، بعد إلغاء النظام الملكي الحسيني الذي استمر لأكثر من قرنين ونصف، وتأسيس النظام الجمهوري برئاسة الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية. من الاستقلال إلى الجمهورية جاء إعلان الجمهورية بعد نحو سنة ونصف من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، إثر أعمال المجلس القومي التأسيسي الذي تم إنشاؤه بأمر عليّ في 29 ديسمبر 1955. بدأت من حينها ترتسم ملامح نظام سياسي جديد، تكرّست تدريجيًا بإجراءات قانونية هدفت إلى تقليص نفوذ الباي، وإلغاء الامتيازات الملكية. ومن أبرز تلك الإجراءات: * سحب السلطة الترتيبية من الباي ومنحها للوزير الأكبر (رئيس الحكومة). * إلغاء الحصانات والامتيازات الخاصة بالعائلة الحسينية. * تأميم الممتلكات الملكية ووضعها تحت إدارة الدولة. ورغم إعداد مشروع دستور ملكي في جانفي 1957، فإن المجلس القومي التأسيسي قرّر في 25 جويلية 1957 إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية، في بيان من أربع نقاط شمل: * إلغاء النظام الملكي بالكامل. * إعلان تونس جمهورية. * تكليف بورقيبة بمهام رئيس الجمهورية مؤقتًا. * تكليف الحكومة بتنفيذ القرار. الجمهورية في الدستور: من السيادة إلى العدالة الاجتماعية وفي دستور 1959، تم ترسيخ الخيار الجمهوري كضمانة لسيادة الشعب وحقوق المواطنين، من خلال تأكيد المساواة، وتوفير الصحة والتعليم، وضمان العمل، ورعاية الأسرة، وتوظيف ثروات البلاد لفائدة الشعب. محطات سياسية بارزة في 25 جويلية منذ إعلان الجمهورية، تحول يوم 25 جويلية إلى تاريخ مفصلي في السياسة التونسية، تزامنت معه تحولات سياسية حادة: * 25 جويلية 1988: تعديل دستوري يحد من عدد العهدات الرئاسية إلى ثلاث فقط، ويُنهي نظام الرئاسة مدى الحياة، قبل أن يتم التراجع عنه سنة 2002. * 25 جويلية 2013: اغتيال السياسي محمد البراهمي، ما أدى إلى أزمة سياسية خانقة واحتجاجات شعبية واسعة. * 25 جويلية 2019: وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا، قبل نهاية عهدته، ما فرض تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. * 25 جويلية 2021: إعلان الرئيس قيس سعيّد "إجراءات استثنائية" شملت تجميد البرلمان، إقالة الحكومة، ورفع الحصانة البرلمانية، بدعوى وجود "خطر داهم" يهدد الدولة. * 25 جويلية 2022: تنظيم استفتاء شعبي على دستور جديد يعزّز صلاحيات رئيس الجمهورية ويؤسس لجمهورية "ثانية" على أسس مختلفة. انقسام في الرأي بعد أربع سنوات من التدابير الاستثنائية وبعد مرور أربع سنوات على إجراءات 25 جويلية 2021، لا يزال التونسيون منقسمين بشأن مآلات المرحلة. فمن جهة، يعتبرها البعض تصحيحًا لمسار الثورة ووضع حد للشلل السياسي الذي عرفته البلاد منذ 2011، ومن جهة أخرى يرى البعض الآخر أن الإصلاحات المنتظرة لا تزال دون مستوى التطلعات، وتتطلب رؤية استراتيجية ومزيدًا من التشاركية والتدرج لإعادة التوازن السياسي والاقتصادي.