في سهرة فنية استثنائية ضمن فعاليات الدورة 59 من مهرجان الحمامات الدولي، كان جمهور الأربعاء 30 جويلية 2025 على موعد مع عرض موسيقي مختلف قادم من قلب برشلونة، حمل توقيع الفرقة النسائية الإسبانية "لاس ميغاس"، إحدى أبرز التجارب المتجددة في مشهد الفلامنكو العالمي. فلامنكو بأنفاس نسائية جريئة تأسست فرقة "لاس ميغاس" سنة 2004، وهي تتكوّن بالكامل من أربع موسيقيات مبدعات: مارثا روبلس، أليسيا غريو، روسر لوسكوس، وكارولينا لا تشيسبا. ولكل واحدة منهن خلفية موسيقية مختلفة، تجمع بين الفلامنكو الكلاسيكي، الجاز، الفادو، والموسيقى اللاتينية، ما أفرز أسلوبًا فنيًا فريدًا يدمج بين الجذور الأندلسية والانفتاح على الأنماط العالمية. من "Grito" إلى "Una mica més"... موسيقى تتكلم بكل اللغات قدّمت الفرقة عرضًا متنوّعًا بدأ بأغنية "Grito" ذات الإيقاع المتسارع، مرورا ب "Tangos de la Repompa" الكلاسيكية، ثم بأغنية "Una mica més" باللهجة الكاتالونية، في مزج موسيقي بين المحلي والعالمي، بين الحزن والفرح، وبين الحب والهوية والعدالة. ورغم اختلاف المزاج الموسيقي بين مقطوعة وأخرى، بقي الجمهور التونسي والأوروبي الحاضر في القاعة منسجما ومتفاعلا، مصفّقًا، راقصًا، ومتأملًا في آنٍ واحد، في مشهد نادر تماهى فيه المتلقي مع كل نغمة على الركح. فلامنكو خارج القوالب الجاهزة لا تسعى "لاس ميغاس" إلى إعادة تقديم الفلامنكو كما هو، بل إلى تفكيكه وإعادة تركيبه بمفردات أكثر انفتاحًا. ولذا، تلتقي أصواتهن مع البوب والموسيقى المتوسطية، دون التفريط في الأصول الأندلسية والكاتالونية. هذه الرؤية الفنية مكنتهن من نيل جائزة Latin Grammy سنة 2022 عن أفضل ألبوم فلامنكو، وهي شهادة عالمية على التميز والابتكار. نساء يقُدن الإيقاع والكلمة في مشهد موسيقي لا تزال المرأة فيه محصورة غالبا في أدوار ثانوية، كسرت "لاس ميغاس" هذا القيد، وأثبتن أن المرأة يمكن أن تكون عازفة، مغنية، مؤلفة، وقائدة فنية في آن واحد. عرضهن في الحمامات، رافقه عازف تشيللو وموسيقية على آلة الباتري، مما أضفى عمقًا صوتيًا وفنيًا استثنائيًا على الركح. اسم الفرقة... ومعناه الفني العميق اسم "لاس ميغاس" يعني بالإسبانية "الفتات"، وهو طبق بسيط تقليدي يُحضّر من بقايا الخبز لكنه غني بالنكهات. واستعارته الفرقة اسمًا لها يعكس فلسفتها: المزج بين البسيط والعريق، وبين الموروث والتجريب، في توليفة موسيقية تفتح أبواب الفلامنكو على آفاق جديدة. بهذا العرض، وقّعت "لاس ميغاس" حضورًا لافتًا في مهرجان الحمامات، وقدّمن فلامنكو مختلفًا، حرًا، ومؤنثًا، يحمل من الأندلس عبقه، ومن البحر المتوسط تنوعه، ومن المرأة صوتها الذي لم يعد استثناءً بل قاعدة فنية جديدة بثقة كاملة.