بداية من اليوم:الصيدليات تعلّق صرف الأدوية بصيغة الطرف الدافع لمنظوري"الكنام"    ابتدائية تونس:عامان سجنا وخطية مالية لموظف استغلّ هاتف الوزارة للاتصال بخطيبته    كأس العرب: المنتخبان السوداني والبحريني يتطلعان للفوز في ختام مباريات المجموعة الرابعة    كأس العرب: منتخب عمان يتمسك بحظوظه أمام جزر القمر    كأس العرب: منتخبا الإمارات والكويت يتطلعان للفوز وانتظار هدية التأهل    باب سويقة: شاب يقتل خاله دهساً بسيارة بسبب خلاف مالي    تونس تحتضن قمة الاستثمار والابتكار يومي 28 و29 جانفي المقبل    ما مدى الانقسام داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن خفض أسعار الفائدة؟    عاجل/ توقف الرحلات الجوية بهذا المطار..وهذه التفاصيل..    الرابطة الثانية لكرة القدم: برنامج الجولة الثالثة عشرة    مباراة فلسطين وسوريا تثير موجة غضب كبيرة/ الوافي يفجرها ويكتب: "فلسطين خسرت لأول مرة قلوب أغلب التوانسة"..    خليفة أبو شباب في جنوب غزة.. من هو غسان الدهيني ؟    خلال سنة 2025: الديوانة التونسية تحجز 14 كلغ من الذهب    ارتفاع الذهب مستفيدا من ضعف الدولار    عاجل: تعطّل امتحانات الأسبوع المغلق في هذا المعهد..وهذا هو السبب    آباء مكلومون في أبنائهم الأحياء ...ظاهرة تهدد المجتمع كيف نقاومها؟    تونس الرابعة عالميّا في الإكتئاب: علاش وشنوّا الأسباب؟    هل ستنخفض أسعار السيّارات في تونس سنة 2026؟    ترامب يكشف شنوا صار في مكالمة هاتفية مع رونالدو    بريطانيا في القمة... وتونس جاية ''الرابعة'' في الاكتئاب    عاجل/ قوات إسرائيلية تداهم مقر "الأونروا" في القدس..    حماية مدنية : 382 تدخلا خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية    عاجل: ماشي ''لكأس العالم''...هذا هو موعد انطلاق المرحلة الثالثة من بيع التذاكر    عاجل : عواصف مغناطيسية مرتقبة تضرب الأرض خلال الايام القادمة    قبل راس العام : عدد الوافدين الجزائريين زاد ب24%    بطولة اسبانيا : خسارة صادمة لريال مدريد على أرضه من سيلتا فيغو    رد بالك من هذه العادة ... صحتك في خطر كبير!    العربي سناقرية: "بعد ما فعله منتخب فلسطين لا يجب أن نشجع سوى منتخب تونس"    عاجل: سامي الطرابلسي يُحمل مسؤولية الخروج للكاف    مقتل الفنان المصري سعيد مختار في مشاجرة    طقس اليوم: سحب عابرة على كامل البلاد    فيلم 'سماء بلا أرض' يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    التسامح وبلوى التفسّخ    عاجل/ هذه الدولة تلغي إعفاء الفلسطينيين من تأشيرة الدخول..وهذا هو السبب..    إلى نهاية نوفمبر: ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين عبر معابر جندوبة ب24,31%    ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين على المعابر الحدودية البرية بجندوبة بنسبة 24,31 %    تظاهرة تنشيطية متنوعة الفقرات ضمن برمجة الاحتفالات بحملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد المراة بدار الثقافة ابن رشد بالمحمدية    الرواية في عصر الثرثرة.. مسيرة الأمين السعيدي نموذجا    تقلبات جوية تستنى في التوانسة الليلة    محمد العزيز ابن عاشور يقدم بمدينة المرسى كتابه الجديد" المدينة في زمن الباشاوات والبايات فن العمارة والمجتمع والثقافة "    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    "سماء بلا أرض" لأريج السحيري يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    انطلاق التسجيل لدورتي فيفري وأفريل 2026 بمراكز التكوين المهني بداية من 8 ديسمبر    المنيهلة : يقتل عمه طعنا بسكين!    بالفيديو: تخريب ورشة أطفال بمرسى السعادة وسرقتها يثير غضب الأهالي وصدمتهم    أصالة تخرج عن صمتها و تكشف حقيقة انفصالها عن زوجها    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    غدا    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آباء مكلومون في أبنائهم الأحياء ...ظاهرة تهدد المجتمع كيف نقاومها؟
نشر في باب نات يوم 08 - 12 - 2025


بقلم ريم بالخذيري
الأب المكلوم لغة هو من يموت ابنه صغيرا لكن في واقع الحال سنتحدث عن ظاهرة خطيرة استفحلت في مجتمعنا وهي ظاهرة نسميها "آباء مكلومون في أبنائهم أحياء " وهي من إفرازات المجتمعات الحديثة و تلخّص العلاقة بين الإباء و أبنائهم حيث يفرض الفراق المعنوي و العاطفي على الطرفين بفعل التربية الخاطئة و بفعل الطلاق و بفعل استقالة الإباء من تربية أبنائهم.
الموت البطيء
في تونس يوجد ما لا يقل عن 600ألف طفل يعيشون حالة طلاق الوالدين وأغلبهم يعيشون مع أمهاتهم بعيدا عن آبائهم بسبب قانون الحضانة المثير للجدل والذي يحرم الأب من أن يكون حاضرا في حياة ابنه اليومية .وبالتالي فهذا الغياب له تأثيراته السلبية على الابن والأب معا.
معاناة هؤلاء الآباء لا تتوقف عند حرمانهم من القيام بواجبهم التربوي تجاه فلذات أكبادهم فحسب وإنما يخلف أثارا نفسية خطيرة عليهم قد تصل حد الانتحار.
كما انه من المعلوم أن لعب الأم لدور الأب لاينجح بحكم أنها لا تستطيع ملأ الفراغ الذي يتركه في نفسية الطفل فضلا على أن إحداث التوازان في شخصيته يحدثه الوالدين معا وأي غياب لأحدهما تكون عواقبه وخيمة.
وهنا نفهم سبب انتشار العنف والإجرام والعدوانية عند الأطفال المحرومين من أحد الوالدين بسبب الطلاق أو الوفاة وحتى السفر المطول.
والملخص أن ماذكرنا سابقا يحتاج إلى تغيير في التشريعات وخاصة فيما يتعلق بالحضانة المشتركة التي أصبحت ضرورية لاللطفل والوالدين المطلقين فحسب وإنما للمجتمع برمته الذي بات ضحية للإجرام وللانقطاع المبكر عن الدراسة و للتنمر نتيجة التشتت الأسري هذا وتغييب الأب في حالات الطلاق من التواجد المستمر مع ابنه .ولايمكنه بأي حال من الأحوال أن يتمكن في ساعة أو ساعتين أسبوعيا أو شهريا من فهم ابنه وتقويم ما اعوج في شخصيته .
لقد تحولت الحضانة المشتركة الى مطلب شعبي سينقذ ألاف الأسر و يجمع شملها حتى في ظل الطلاق.
ومن أهم المشاريع في هذا المجال مشروع المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط في الحضانة المشتركة و الذي أنجز بعد دراسات ميدانية وخلص إلى أن الحل هو في التناوب على حضانة الأبناء واحتضانهم في حالة الطلاق أو خلال الأطوار القانونية المؤدية إليه .
وهذا التناوب وفق المشروع المذكور وجب ان يكون مناصفة في التوقيت (أسبوع بأسبوع أو أسبوعين بأسبوعين) ووجب أن يبدأ اعتماده منذ سن الثالثة.
وأن تتوفر فيه شروطه الضرورية وهو توفير المسكن اللائق لدى إلام و الأب وكذلك لابد من التفرغ الكامل خلال فترة الحضانة.
والاهم -وفق ما ورد في مشروع المنظمة - ان يتم بالتفاهم والتراضي والتنسيق الكامل بين الوالدين المطلقين.
لابدّ من وضع حدّ لمعاناة الآلاف من الإباء المكلومين في أبنائهم أحياء فهذه الفئة يتألمون في صمت و يتعذبون وهم يجدون أنفسهم عاجزين عن المساهمة في تربية أبنائهم و منعه من الانزلاق في عالم الجريمة .
والواقع أن هذه الحالة النفسية من الإباء المكلومين ليست حكرا على المطلقين بل توجد في كثير من العائلات فيما يمكن تسميته بالآباء المستقيلين .
هناك فئة أخرى من الإباء كما قلنا لايقلّ عذابهم عن النفسي و معاناتهم عن فئة الإباء المطلقين وهؤلاء كلموا في أبنائهم رغم إقامتهم الدائمة معهم و رغم التماسك الأسري الظاهري .
هؤلاء من الذين فقدوا السيطرة على سلوكيات أبنائهم و تفطنوا لأخطائهم بعد فوات الأوان حينما لم تعد للتربية معنى حيث كانوا بعيدين عن أبنائهم في الفترة ما بين الولادة الى حدود السن 13أو 14 لايحاورونهم و لايحتضنونهم وتركوا المهمة للأمّ وحدها فكان الشارع فضائهم التربوي وبالتالي تملكتهم أخلاق الشارع و سلوكياته و فقد الإباء السيطرة عليهم .
وهنا لابد من الإشارة إلى دراسة أجرتها المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط سنة 2023 حول التحاور الأسري خلصت إلى أن 80بالمائة من الأولياء لايتحاورون يوميا مع أبنائهم و أن 10بالمائة فقط يفعلون ذلك في حين أن 10بالمائة الأخرى يتحاورون مرات قليلة .كما خلصت الدراسة الى أن علاقة الأولياء بأبنائهم قائمة على الأوامر بدل التحاور .
هؤلاء الإباء عذابهم النفسي عن معاناة المطلقين، وهؤلاء موجودون رغم التماسك الأسري الظاهري، ووجودهم الدائم مع أبنائهم. إلا أن فقدان السيطرة على سلوكيات الأبناء يولّد شعورًا بالعجز والندم، خصوصًا حين يدرك الأب أخطاءه بعد فوات الأوان، في مرحلة يكون فيها التأثير التربوي صعبًا، بعد أن تجاوز الأطفال سن 13 أو 14 عامًا. في هذه الفترة الحرجة، يُظهر الأطفال سلوكيات متأثرة بالشارع ووسائل التواصل الاجتماعي.
أبحاث علم النفس التطوري تشير إلى أن الأطفال الذين يفتقدون التواصل المباشر والدفء العاطفي من الأب خلال سنواتهم الأولى، يكونون أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 60% لمشاكل سلوكية وتعليمية لاحقًا، مقارنة بأقرانهم الذين يحظون بتفاعل أبوي متوازن. كما أن فقدان الأب لفرصة التأثير خلال مرحلة ما قبل المراهقة يجعل أي محاولات لاحقة لإعادة التوازن صعبة، ويستلزم تدخلات متخصصة ودعمًا نفسيًا لكل من الأب والابن لاستعادة الثقة وبناء علاقة صحية.
إن المشكلة هنا ليست مجرد غياب جسدي، بل غياب الدور الفعلي للأب، سواء في وضعه كمرشد أو قدوة أو مصدر للأمان النفسي. وهذا الغياب يؤدي إلى أن يصبح "الشارع" أو الأقران أو الوسائل الرقمية بديلاً تربويًا، مع ما يحمله ذلك من أخطار على الهوية والسلوك، ويؤكد على ضرورة إشراك الأب في التربية منذ الولادة وحتى المراهقة، مع وعي كامل بأهمية الحوار، والاحتضان، والمراقبة الإيجابية.
شهادة حية
بتاريخ 30نوفمبر 2022 أطلق أب مكلوم صرخة استغاثة لإنقاذ ابنه من الإدمان على المخدرات، مشيرا الى تفطنّه الى ادمان ابنه (17 عاما) منذ نحو عام ونصف.
الأب حينها أطلق صيحة فزع على إذاعة الجوهرة اف ام وهو بالتأكيد عيّنة من المئات من الحالات ، الأب صرّح انه في البداية حاول علاج ابنه من الإدمان وأخذه إلى طبيب نفساني وطبيب أعصاب وتم وصف أدوية له الا أن وضعه الصحي تدهور وأصبح غير قادر حتى على المشي .
وأضاف أن وضعية ابنه زادت تعكرا وأصبح عنيفا مع نفسه ومع الآخرين وغير قادر على السيطرة على سلوكه العدواني.
واضطر الأب المكلوم في ابنه حيا للبقاء في المنزل دون عمل لمراقبته .
ودعا السلطات للتدخل العاجل لمساعدته وإيواء ابنه بالمركز التابع للدولة للعلاج من الادمان على المخدرات.
هي شهادة حية تلخّص واقعا مريرا يعيشه الآباء الذين أصبحوا غير قادرين على التحكّم في سلوكيات أبنائهم .
في النهاية، تظل ظاهرة "الآباء المكلومين في أبنائهم الأحياء" جرس إنذار لمجتمعنا، يسلط الضوء على هشاشة الروابط الأسرية وأهمية الدور الفعلي للأب منذ اللحظة الأولى في حياة الطفل. فغياب الحوار، والاحتضان، والمراقبة التربوية المبكرة لا يترك أثرًا سلبيًا على الأبناء فحسب، بل يثقل كاهل الآباء بالمعاناة النفسية والعجز العاطفي، ويزيد من مخاطر الانحراف والسلوكيات العدوانية عند الأطفال والمراهقين. وما يسهم في تخفيف هذه الأزمة ليس مجرد التواجد الجسدي للأب، بل تطبيق نموذج الحضانة المشتركة والتواصل الأسري اليومي للمنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط ، مع دعم الدولة والمؤسسات لتوفير بيئة سليمة وآمنة للأبناء.
إن معالجة هذه الظاهرة هي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والقوانين وحدها لا تصنع جيلا متوازنا، وإهمالها يعني خسارة مستقبل جيل كامل، وحرمان آلاف الأسر من فرصة استعادة التوازن النفسي والاجتماعي. فالآباء والأبناء معًا يستحقون أن يكونوا حاضرين، مؤثرين، ومتحابين، لا ضحايا للغياب أو للطلاق أو للإهمال.
أرقام تلخّص الظاهرة
* حوالي 80 في المائة من مرتكبي جرائم السرقة المجردة أو باستعمال العنف أو النشل هم من الأطفال. وفي آخر إحصاء عام 2019 بلغ عدد الأطفال الصادرة في شأنهم أحكام 8320 طفلاً.
* معدل 100 ألف منقطع سنوياً عن الدراسة خلال العشرية الأخيرة، يعتبر السبب الأبرز في انتشار الجريمة بين الأطفال.
* 104 محاولة انتحار و10 حالات انتحار في صفوف الأطفال سنة 2023 بسبب التفكّك الأسري والطلاق.
* وفق إحصائيات نشرها المعهد الوطني للإحصاء تبلغ حالات الطلاق في تونس 14 ألف حالة سنويا.
* في الثلاثي الأول من السنة الجارية، تم تسجيل 33 بين حالات ومحاولات الانتحار منها 14 في صفوف فئة الشباب و10 حالات لفئة الأطفال و8 حالات لفئة الكهول في حين مثل النساء 8 حالات.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.