مدير عام الديوانة: هذا ما قمنا به لتبسيط المعاملات للمواطنين والمؤسسات    حاجة في كوجينتك فيها 5 أضعاف الحديد الي يحتاجه بدنك.. تقوي دمك بسهولة    عاجل: هجوم سيبراني يستهدف خوادم البريد الإلكتروني لوزارة الداخلية الفرنسية    منخض جوي فوق غزة.. وفاة 12 شخصا وانجراف وغرق 27 ألف خيمة    عاجل/ هذه الدولة تحذر من تسونامي بعد زلزال بقوة 6,7 درجات..    تمّ الإنطلاق في صرفها امس: قيمة المنحة للأطفال التونسيين وشروطها    التحديات الراهنة والفرص الواعدة: رؤية وزير الاقتصاد لتعزيز التنمية في تونس    وزارة البيئة تعلن عن فتح باب الترشحات لتقديم مبادرة فنية رياضية مسرحية    كرة اليد: الرابطة تعاقب البوغانمي    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني للسيدات يتراجع في الترتيب العالمي الجديد    عميد البياطرة يحسمها: "لاوجود لبديل عن قنص الكلاب في هذه الحالة"..    9 سنوات سجنا لشاب نشر مقطع اعتداء ... لفتاة بالمنار    خبيرة توّضح: شنوة هو الخصم على المورد؟    المنتدى الاقليمي الرابع "في الوقاية حماية" بفضاء الاطفال واليافعين للحوار واللقاء بمنوبة يوم 14 ديسمبر 2025    كأس العرب قطر 2025: إشادة سعودية بالأداء وتأثر فلسطيني بالخسارة رغم "المردود المشرف"    بطولة الرابطة الثانية: تعيينات حكّام مباريات الجولة الثالثة عشرة    10 سنوات سجنا لشاب اعتدى على والدته المسنّة بقضيب حديدي    عاجل: وفاة غامضة فنانة تركية مشهورة و ابنتها متهمة    عاجل: هذه هي عُطل شهر ديسمبر    ترامب: النزاع في أوكرانيا قد يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة    عشبة شهيرة تخفض ضغط الدم وتساعد على النوم..والحوامل يمتنعن..    الإتحاد المنستيري: لاعب جديد يلتحق بركب المغادرين    اقتحم البث المباشر "أنا مش غريب أنا من هنا".. غضب فلسطيني بعد الإقصاء أمام السعودية    عاجل: دولة أوروبية تقرّ حظر الحجاب للفتيات دون 14 عامًا    جدول مباريات اليوم الجمعة في كأس العرب ..التوقيت القنوات الناقلة    ولاية واشنطن: فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية    القطاع يستعد لرمضان: إنتاج وفير وخطة لتخزين 20 مليون بيضة    طقس اليوم: ضباب كثيف في الصباح والحرارة في استقرار    عاجل/ جريمة مدنين الشنيعة: مصطفى عبد الكبير يفجرها ويؤكد تصفية الشابين ويكشف..    فيلا يتفوق على بازل ليشارك في صدارة الدوري الأوروبي وروما يفوز على سيلتيك    عاجل: قبل رأس السنة هذا هو سعر البيض    رقمنة الخدمات الإدارية: نحو بلوغ نسبة 80 بالمائة في أفق سنة 2030    في اختتام المنتدى الاقتصادي التونسي الجزائري ..وزير التجارة يؤكد ضرورة إحداث نقلة نوعية ثنائية نحو السوق الإفريقية    إثر ضغط أمريكي.. إسرائيل توافق على تحمل مسؤولية إزالة الأنقاض في قطاع غزة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أيام قرطاج السينمائية: عندما تستعيد الأفلام «نجوميتها»    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    ستمكّن من إحداث 1729 موطن شغل: مشاريع استثمارية جديدة في تونس..#خبر_عاجل    في أولى جلسات ملتقى تونس للرواية العربية : تأصيل مفاهيمي لعلاقة الحلم بالرواية وتأكيد على أن النص المنتج بالذكاء الاصطناعي لا هوية له    الصحة العالمية تحسمها بشأن علاقة التلاقيح بمرض التوحّد    الليلة: أجواء باردة وضباب كثيف بأغلب المناطق    عاجل/ العثور على جثتي شابين مفقودين في هذه الجهة وفتح تحقيق في القتل العمد    تونس تسجل نموًا ملحوظًا في أعداد السياح الصينيين بنهاية نوفمبر 2025    قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها    طبيب أنف وحنجرة يفسّر للتوانسة الفرق بين ''الأونجين'' و الفيروس    صدر بالمغرب وتضمن حضورا للشعراء التونسيين: "الانطلوجيا الدولية الكبرى لشعراء المحبة والسلام"    توزر: ضبط كافة المواعيد المتعلقة بإتمام إجراءات الحج    هيئة الصيادلة تدعو رئيسة الحكومة الى التدخّل العاجل    تونس تسجل "الكحل العربي" على قائمة اليونسكو للتراث العالمي    عاجل : عائلة عبد الحليم حافظ غاضبة و تدعو هؤلاء بالتدخل    بنزرت : تنفيذ حوالي 6500 زيارة تفقد وتحرير ما يزيد عن 860 مخالفة اقتصادية خلال 70 يوما    خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    هام/ هذا موعد الانتهاء من أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة..#خبر_عاجل    الدورة الخامسة لمعرض الكتاب العلمي والرقمي يومي 27 و28 ديسمبر 2025 بمدينة العلوم    جوائز جولدن جلوب تحتفي بالتونسية هند صبري    عاجل/ توقف حركة القطارات على هذا الخط..    عاجل: دولة عربية تعلن تقديم موعد صلاة الجمعة بداية من جانفي 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشوّه النموذج الاقتصادي لقطاع الفسفاط: الجذور العميقة للاختلال البيئي بين الدعم المقنّع والعجز المزمن
نشر في باب نات يوم 10 - 12 - 2025


بقلم حاتم بولبيار
منذ قرابة شهر، حاولت أن أفهم لماذا بلغ هذا المرفق من اقتصاد البلاد مستوى أزمة متشعّبة، تجمع بين خسائر مالية وبيئية واجتماعية. وهذه هي القناعة التي توصّلت إليها.
منظومة الفسفاط: ركيزة تاريخية بأداء متراجع
تمثل منظومة الفسفاط التونسية، التي تجسدها شركة فسفاط قفصة (CPG) والمجمع الكيميائي التونسي (GCT)، ركيزة تاريخية للاقتصاد الوطني. ويظل مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات مهمة، رغم أنها في تراجع مستمر منذ سنوات: (0.4% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2016-2019 / 0.1% سنة 2020 / 1% في 2021-2022). وتزعم بعض المقالات الصحفية أن القطاع يمثل 4% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا بعيد كل البعد عن الواقع.
أسعار التحويل: نموذج اقتصادي معادٍ للنجاعة
أسعار التحويل (prix de transfert): نموذج اقتصادي معادٍ للنجاعة الاقتصادية:
تكمن المشكلة الرئيسية التي تغذي هذه الأزمة في الهيكلة الاقتصادية للقطاع(modèle économique). تعمل منظومة الفسفاط التونسية كسلسلة قيمة متكاملة، تربط بين استخراج الفسفاط (CPG) وتحويله كيميائياً (GCT). بيد أن آلية تحديد الأسعار بين الشركتين تشكّل عقبة كبرى أمام جدوى المجموعة(CPG+GCT) بأكملها، وهي الخطيئة الأصلية الرئيسية لهذه الكارثة الصناعية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
منذ زمن بعيد، تُحدّد الدولة سعر « تسليم » صخر الفسفاط من شركة فسفاط قفصة إلى المجمع الكيميائي بسعر أقل بكثير من السعر العالمي. ويشبه هذا النظام دعماً ضمنياً للنشاط الكيميائي على حساب نشاط التعدين. وفي الواقع، تُجبر شركة فسفاط قفصة على بيع إنتاجها بسعر أقل بكثير من قيمته في السوق العالمية، مما يحول دون حصولها على الهوامش اللازمة لتحديث منشآتها وتحسين تنافسيتها. وكثيراً ما يكون سعر التحويل هذا أقل من تكلفة الإنتاج بالنسبة لشركة فسفاط قفصة.
فعلى سبيل المثال، في سنة 2016:
تكلفة استخراج طن الفسفاط: 77 دولاراً
سعر التحويل إلى المجمع الكيميائي: 62 دولاراً/طن
خسارة مباشرة: 15 دولاراً للطن
سعر التصدير في نفس السنة: 88 دولاراً/طن
فاقد الربح لشركة فسفاط قفصة: 26 دولاراً للطن
حجم الإنتاج: 3.4 مليون طن
إجمالي الفاقد: 88 مليون دولار (حوالي 190 مليون دينار)
وفي نفس الوقت، كانت النتائج المالية لشركة فسفاط قفصة كالتالي:
2016: خسارة 109 مليون دينار
2017: خسارة 129 مليون دينار
2018: خسارة 132 مليون دينار
2019: خسارة 63 مليون دينار
2020: خسارة 293 مليون دينار
مجموع الخسائر: 726 مليون دينار.
وفي ما يتعلق بفقدان إمكانيات الربح، تُقدَّر القيمة الإجمالية لما كان يمكن تحقيقه بين 2016 و2023 — في حال توجيه كامل إنتاج الفسفاط نحو التصدير بدل بيعه للمجمع الكيميائي بأسعار إدارية — بنحو 4.2 مليار دينار تونسي. وتمثّل هذه الموارد المهدورة طاقة تمويلية كان بالإمكان توظيفها في استبدال الوحدات الصناعية التابعة للمجمع الكيميائي بعد تفكيكها، ضمن مخطط واضح وجدول زمني مضبوط يحدد مراحل التفكيك ومواقعها. ويبيّن هذا المعطى أن الإشكال لا يرتبط فقط بغياب الإرادة السياسية، بل كذلك بانعدام الموارد المالية نتيجة التشوّه الهيكلي الذي يقيّد المنظومة ويحرمها من إمكانيات التطوير.
تشوّه اقتصادي يقود إلى ترهل اجتماعي وبيئي
و لنرجع إلى هذا السعر الإداري الذي يشوّه الواقع الاقتصادي للكيانين معاً. فمن جهة المجمع الكيميائي (GCT)، يخلق انفصالاً عن واقع السوق العالمية، مما يقلّص الحافز على تحسين تكاليف الإنتاج أو الابتكار. وإدارة المجمع، بمعزل عن الضغوط الاقتصادية الحقيقية. ذلك أنه طالما كان سعر المادة الأولية (صخر الفسفاط) مدعوماً، فلا دافع لدى المجمع لترشيد عمليات الإنتاج أو تقليص النفقات. وفي النهاية الحفاض على المعايير البيئية.
وفي المقابل، يحرم هذا الوضع شركة فسفاط قفصة من الموارد اللازمة لتحديث بنيتها التحتية ورفع كفاءتها. وفي غياب هذه الاستثمارات الحاسمة، تبقى إنتاجية الشركة ضعيفة، مما يزيد من اعتماد المنظومة بأكملها على تقلبات أسعار الفسفاط العالمية.
ومن ناحية أخرى يعطينا تحليل الأداء الاقتصادي لقطاع الفسفاط وجود خسارة هيكلية، تظهر بوضوح من خلال تطور معدل الأجور والكتلة. فقد ارتفعت الشهرية في CPG من 2600 دينار سنة 2016 إلى 4200 دينار سنة 2023 (+60%). ونفس الارتفاع تقريباً سجّل في GCT (من 3100 إلى 6000 دينار).
عواقب كارثية
هذا التشويه يخلق حلقة مفرغة تُضعِف كامل سلسلة القيمة. وله تبعات اجتماعية وبيئية مدمرة: تلوث الهواء والماء والتربة، والاستهلاك المفرط للمياه في مناطق تعاني من إجهاد مائي، إلى جانب تراجع العائدات الذي يغذي السخط الاجتماعي والصراعات المتكررة.
كما يمثل استمرار إلقاء أكثر من 250 مليون طن من الفوسفوجيبس في البحر الأبيض المتوسط شبه المغلق خطراً بيئياً يهدد مستقبل الأجيال وقد يعرض تونس لضغوط خارجية.
إصلاحات ضرورية لإنقاذ المنظومة
في مواجهة هذه الأزمة، يبدو إصلاح النموذج الاقتصادي أمراً حتمياً:
مراجعة الأسعار الإدارية ومواءمة سعر تسليم الفسفاط مع السعر العالمي
تمكين CPG من تمويل تحديثها
تفكيك وتحديث وحدات GCT خلال خمس سنوات
اعتماد انتقال «أخضر» يعتمد تكنولوجيات نظيفة ومصادر تمويل واضحة
في الختام، تواجه منظومة الفسفاط التونسية تحديات وجودية. وتصحيح تشوهات الأسعار وإصلاح عميق للحوكمة هما المفتاح لإنقاذ هذا القطاع الاستراتيجي والحد من الانهيار البيئي والاجتماعي والاقتصادي.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.