لقد طفت على السطح مؤخرا قضية من أهم القضايا التي يمكن أن نشغل الرأي العام التونسي خاصة في هذه المرحلة الحساسة الانتقالية انه ملف القضاء هذه الملف الذي أصبح يؤرق الجميع نظرا لأهميته ولدوره في دفع الحياة السياسية والاجتماعية بالبلاد هذا الملف بدا يأخذ منعرجا خطيرا بعد الصراع الحاد الذي حدت مؤخرا بين نقابة القضاة التونسيين المكونة حدثا وبين جمعية القضاة التونسيين صاحبة الإرث النضالي الكبير من اجل تحقيق استقلالية القضاء وإبعاد أيدي السلطة التنفيذية عن هذا السلك أيام الدكتاتور وما تعرضت له هذه الجمعية من تنكيل ومحاصرة وانقلابات متكررة خير دليل على ذلك. هذا الصراع بدا منذ اليوم الأول من إنشاء نقابة القضاة فجمعية القضاة التونسيين قالت على لسان نائب رئيسها القاضية روضة القرافي أن تأسيس النقابة في هذا الوقت بالذات يعتبر لغزا في ضل وجود جمعية لها تاريخ في النضال من اجل استقلال القضاء وأكدت القاضية أن: "تأسيس النقابة جاء كرد فعل على تمسك جمعية القضاة التونسيين بمطلب محاربة الفساد وهو المطلب الأساسي للشعب التونسي لأن الفساد الذي اخترق كل المؤسسات اخترق أيضا المؤسسة القضائية". من الطبيعي ان يحمل كلام القاضية روضة الكثير من الصحة نظرا لان هذه النقابة المكونة حديتا تضم أسماء اتهمت بولائها للنظام السابق و كانوا فاعلين في عملية الانقلاب المشهورة ضد الجمعية سنة 2005 ومن بينهم السيد "نبيل النقاش" الذي أمضى على وثيقة سحب الثقة من الجمعية وما يزيد من صدقية كلام القاضية روضة أن التوقيت تزامن مع تمسك القضاة بكون الحركة القضائية لا يمكن أن تتم إلا بمجلس أعلى للقضاء يكون منتخبا وليس بمجلس أعلى منحل وظفته السلطة والعائلات ذات النفوذ. كل هذه التطورات تطرح عديد التساؤلات حول مستقبل القضاء التونسي في ظل هذا الانقسام بين القضاة ومما يزيد في تأزم الوضع قضية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حيث اعتبرت الجمعية ان تاسيس النقابة مرتبط كذلك بالتغيير الجوهري الذي طال أساسا الفصل 8 من مشروع المرسوم المتعلق بتركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي يلمح إلى أن الجمعية لا يمكنها المشاركة في هذه الهيئة المستقلة لأنها أصبحت مشاركا سياسيا باعتبارها عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثور وهو ما اعتبرته الجمعية انقلابا على قرار الوزير الأول المؤرخ في 5 فيفري 2011 المتعلق بإحداث الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي أحيل على الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة منذ 17 مارس 2011 وتمت المصادقة عليه في صيغته النهائية بعد نقاش طويل حول جميع فصوله يوم 6 أفريل 2011. تطورات متسارعة عتبرت من قبل المكتب التنفيذي للجمعية أنها محاولة الالتفاف على تمثيلية القضاة بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتكريس وجود هيئة مصطنعة داخلها سيؤدي بالضرورة إلى المساس بشروط الحياد والاستقلالية والنزاهة المستوجبة لعضوية الهيئة والإخلال بضمانات العملية الانتخابية في هذا الوضع الانتقالي. هذا الصراع بين مختلف الهيئات القضائية لن يكون في صالح المجتمع التونسي او في صالح تجربته الديمقراطية التي تحتاج إلى قضاة أكثر مسؤولية وهو ما أكدته وزارة العدل التي أعلنت أنها لن تتدخل في هذه المسائل وأنها مسالة تهم القضاة وحدهم.