مازالت قضية التعيينات الأخيرة التي قامت بها الحكومة في السلك الاعلامي ترمي بظلالها على الساحة الاعلامية و السياسية بعد تراجع الحكومة عن بعض التعيينات الخاصة بمديري التحرير في المؤسسات الاعلامية العمومية و التي قال بشأنها الناطق الرسمي باسم الحكومة سمير ديلو انها ليست تراجعا بقدر ماهي تفاعل مع المحتجين عن هذه التعيينات. لم تقتصر هذه الاحتجاجات على الاعلاميين و نقابتهم الوطنية فقط بل تجاوزت ذلك الى احتجاجات سياسية حزبية من خارج الحكومة و من داخلها مما يطرح أكثر من تساؤل حول الطريقة التي تتخذ بها القرارات الحكومية و التي من المفروض ان تعكس موقف موحد للإتلاف الحاكم. حزب التكتل من أجل العمل و الحريات و على لسان الناطق الرسمي باسمه محمد بنور أدان هذه التعيينات و هدد بإمكانية انسحاب التكتل من الائتلاف الحاكم في صورة عدم مراجعة هذه القرارات, أما الشريك الثاني في الترويكا الحاكمة المؤتمر من أجل الجمهورية و على لسان أمينه العام عبد الرؤوف العيادي رفض كذلك هذه التعيينات داعيا الى اعادة النظر فيها. قرارات حكومية تعترض عليها أحزاب شريكة في الحكم قد يفتح مجال نقاش و يخلف استفهامات كبيرة على رأسها الكيفية التي تتخذ بها القرارات من ائتلاف حكومي ينتقد تعيينات من المفروض أن تكون محل نقاش و تشاور بين مختلف مكونات الحكومة قبل الاعلان عنها. فاعتقادي أن هناك تفسيرين لا ثالث لهما في مثل هذه الحالة, اما أن حركة النهضة تنفرد باتخاذ القرارات دون الرجوع الى شركائها و التشاور معهم و اما أن الاحتجاجات الصادرة عن المؤتمر و التكتل هي مجرد سيناريو حكومي يسعى الائتلاف الحاكم من خلاله الى ابراز نوعية من الاختلاف داخله بما يعكس نوع من الديمقراطية و الاستقلالية داخل الحكومة. فان سلمنا جدلا بالسيناريو الأول و القائل بأن حركة النهضة تنفرد باتخاذ القرارات دون الرجوع الى شركائها في الحكم فان حكومة ائتلاف تصبح مغالطة كبيرة للرأي العام و تضع المؤتمر و التكتل في موقف حرج أمام الرأي العام الانتخابي و السياسي, أما اذا سلمنا بالسيناريو الثاني و القائل بأن هذه الاحتجاجات على التعينات تأتي في اطار سعي المؤتمر و التكتل الى تفنيد ما يشاع حول وجودهم "الكرتوني" داخل الحكومة فالمفروض اعلان احتجاج رسمي على سياسات النهضة "الانفرادية" ان وجدت.