لا شك أن الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد تعيد السؤال الذي أصبح تقليدا: ما موقف حزب التكتل وما رأي المؤتمر؟ كيف يرى التكتل التحركات الاحتجاجية التي عادت الى عدد من الجهات؟ وكيف استقبل المؤتمر التعيينات الأخيرة لبعض المحسوبين على النظام السابق؟ ...فيبدو أن حركة النهضة «ذوبت» كلا الحزبين، وتيار السلطة والمواقع والمصالح المشتركة يجرف اخر «حصون» كلا التنظيمين.. بعد أكثر من تسعة أشهر على بداية عمل حكومة الترويكا، حكومة الأحزاب الأكثر حظا في انتخابات المجلس التأسيسي وفي طليعتها حركة النهضة، يظهر الائتلاف منسجما متكاتفا ومتكاملا...رغم الاختلافات في المراجع والأهداف والمشروع المجتمعي، والتعارض الذي يكاد يكون عميقا في أكثر من نقطة وفاصل.. ففي البداية لم يتوقع الكثير أن يلتقي هذا الثالوث على طاولة واحدة للنقاش المعمق، فما بالك التحالف وإنشاء حكومة ائتلافية لا تكاد تختلف في المفاصل وفي الهوامش والكواليس سوى «تضليلا»، بل يصوت أعضاء «كتلها» في ايقاع متناغم و»انضباط» يكاد يكون حديديا، يدا واحدة كلما لزم الأمر..ممررين مشاريع الحكومة بلا عناء يذكر. حكومة الترويكا أو حكومة «النهضة» كما يحلو لعدد وافر من التونسيين تلقيبها، تستنزف حزبي المؤتمر والتكتل ويكاد الحزبان يتحللان في «حركة» الأيام ودينامكية المرحلة وسخونتها الشديدة، وهو ما يؤكد رأي المتابعين الذين يتوقعون بأن «لا مستقبل يذكر للمؤتمر وأيضا للتكتل». انقسامات فعودة الى أشهر قليلة ماضية، كان بريق حزبي التكتل والمؤتمر وإشعاعهما أوسع وأكبر خاصة قبل انجاز انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ومقارنة بما أصبح عليه الحال اليوم، حيث التحق عدد هائل من المواطنين والكوادر بكلى الحزبين-كل حسب حاجته- وتمكنا من حيازة مراتب طلائعية تجسدت في عدد المقاعد بالمجلس.. ولكن وبمجرد دخول كل منهما «الترويكا» وبعد زمن وجيز من بداية اشتغال الحكومة رسميا، شهد التكتل استقالة العشرات من المنتسبين له بسبب ما وصفوه «بغياب الديمقراطية» في صفوف الحزب و»حياده عن مبادئه» في تلميح واضح يؤكد رفض المنسحبين دخول الحزب في الائتلاف الحاكم بقيادة النهضة خوفا من حيادها عن المكاسب المدنية للدولة التونسية . كما كان شهر ماي المنقضي شهرا حارا على المؤتمر، حيث أعلن خلاله 12 نائبا عن الحزب انسحابهم رسمياً إلى إدارة المجلس التأسيسي في استقالة مزدوجة من الحزب وكذلك من الكتلة النيابية، رفضا من هذه المجموعة بقيادة عبد الرؤوف العيادي «انحراف الحزب عن مبادئه وتوقف انتصاره لشعارات الثورة ومطالبها». وهو ما زعزع استقرار كلا الحزبين، بل أثر ذلك في وزن كتلتيها النيابية وقدرتها على الضغط وخلق هامش التفاوض وفرض الرأي، ففتح المجال أمام حركة النهضة شاسعا. المصالح يبدو أن حركة النهضة استشعرت خطر هشاشة كل من تنظيمي المؤتمر والتكتل الذين لم يكن لكليهما تجارب في الهيكلة والتنظيم كما التعبئة الجماهيرية، ولم يخلقا كوادر بما يكفي لخوض تجربة الحكم، فكان منها أن بادرت ومكنت واستجابت لما طلبه الحزبان من مواقع ريادية ادارية وسياسية .. وقد تمكن حفنة «كوادر» كلا الحزبين وبعض المقربين من عشرات المواقع... في المقابل لم يكن للحزبين أي طموح في الهيمنة، فقد كانت النهضة هي الأبرز وكان المؤتمر والتكتل حزبين فتيين من حيث الامكانات البشرية والنضالية كما سلف وذكرنا، فكانت المواقع التي لم «ينتظرها» أبناء الحزبين «طعما» يصعب تفاديه، وسببا مباشرا يفسر انتصارهم لكل قرار حكومي وان تناقض مع ما يطرحه مشروع الحزب الذي ينتمون له.. فمنطق المحاصصة المعلن هو الذي يسيطر على هذا الثلاثي، بل يعبر عن امكانات كل حزب وقدراته ووزنه السياسي والفعلي في الواقع، فالمحاصصة تعبر عنها التعيينات الأخيرة في الحركة القنصلية وقبل ذلك في تعيينات الاطارات العليا وقبلها الحقائب الوزارية فالرئاسات الثلاثة. ولأن السياسة هي المجال الأنسب للبراقماتية، ولأن المعطيات المادية تدلل بوضوح على ذلك، فان المصالح والمواقع هي ما تجعل تماسك الترويكا يتواصل ويؤجل انهيار التحالف.. النهضة تقود قبل حتى الأزمات العميقة التي مست كلا الحزبين، فان الفارق الشاسع بين امكانات النهضة وحليفيها بشر ومنذ البداية بغلبة للحزب الإسلامي وهو ما ترجمه الواقع باستحواذ النهضة على الخطة رقم واحد في السلطة التنفيذية -رئاسة الحكومة- اضافة الى وزارات السيادة.. لتتطور الأمور بعيد حيز زمني وجيز ويصبح كلا الحزبين «ديكورا» مشاركا في الحكم ان صح التوصيف، فالبرنامج الذي أعدته الحكومة خريطة عمل كان بالأساس برنامج النهضة الانتخابي، بل أصبح كوادر الحزبين وزعيميهما «متقلدي» رئاسة المجلس الوطني التأسيسي ورئاسة الجمهورية- قليلي الصلاحيات- أداة تبرر من خلالها حركة النهضة سياساتها. وكم من أزمة تحملها المرزوقي (تسليم البغدادي المحمودي مثالا) وكم من حدث كان منطلقا لنقد لاذع لتحرك مصطفى بن جعفر وأداءه...بل ذاد محمد عبو أمين عام المؤتمر عن قرار النهضة العمل على التعويض لأبنائها بمئات المليارات أكثر مما ذاد أبناء الحركة عن مشروعهم !!! ويذهب المتابعون الى أن «فشل» الحكومة لا سمح الله في كل ملف، لن تتحمل النهضة الغالبة والمتحكمة مسؤوليته وحدها وإنما هو «تيكة» تتحملها مكونات «الترويكا» برمتها.. تأجيل الانهيار في جانب اخر لتمظهرات تطور عمل الترويكا، فان الاختلافات والصراعات التي «شابت» الائتلاف الحاكم في هذه المرحلة الانتقالية، لم تكن في حقيقة الأمر سوى معارك جانبية عادية واعتيادية في السياسة ومناوراتها أو لخلق هامش من مكاسب لهذا الطرف أو ذاك ... ويكفي هنا التذكير بمعارك حول اقالة المحافظ المركزي المشهود بكفاءته، والنقاشات الطويلة حول تعيين قنصل فرنسا، وقبل ذلك الاختلاف بين الرئاسات الثلاث في «الاعلان عن موعد انجاز الانتخابات القادمة» .. ولكن الأهم هو أن الخطر وحده الذي تسببه المعارك السياسية الحادة والأزمات المتكررة والمستمرة، كانت ناقوسا معدلا لكل اختلاف بل كان لحظة فاصلة يتراجع «المؤتمر» أو «التكتل» خلالها عن انفلاته ليعود الى سكة «الأب» المسيطر.. ورغم الاختلافات والاحراجات الكبيرة والتهديدات العاصفة بكلا الحزبين داخليا، فان مختلف هذه الصراعات والاختلافات قابلتها جهود كبيرة للتجاوز محافظة على الموقع وان دون صلاحيات تذكر ودون «كفاءة» و»خبرة» بالإدارة وعملها، وبالتالي تأجيل انهيار الترويكا.. أي مستقبل؟ الى حد الان يبدو أن حركة النهضة تمكنت من السيطرة شبه الكلية على الثنائي «المشارك» لها ان صح التشبيه، وتظهر لينة ومرنة في التعامل مع الحزبين، بل يبرز ذلك من خلال دور التنفيذ ..على شاكلة سيناريو (اصرار المرزوقي على اقالة النابلي، واقتراح التكتل اسم العياري، فتنفيذ النهضة لكلا المقترحين). ولان تحافظ حركة النهضة على مواقعها وإمكانياتها كحزب كبير في البلاد، فان الاستنزاف والإنهاك السياسي قد يمثل خطرا على مستقبل «شريكي» النهضة، بعد أن ابتلعت المسؤوليات جزء كبيرا من أبناء الحزبين، اضافة الى انسحاب العشرات منهما احتجاجا على ادائهما ...وبالتالي خسارة آلاف الأنصار والناخبين... في المقابل، فان هناك تغيرا يطرؤ على الخارطة السياسية في البلاد، حيث تفتك أحزاب الوسط مثل «نداء تونس» و»الجمهوري» مواقع اضافية في الساحة، وتتشكل قوى تطمح بأن تكون بديلا حقيقيا، أو شريكا على الأقل في الحكم للمرحلة المقبلة..وهي مواقع على حساب المؤتمر والتكتل بالأساس.. كما أن عودة اليسار الى دوره الطبيعي في تغذية وتقوية المجتمع المدني والحركة النقابية، بما تمثله من قوى «احتجاجية» داعمة للتحركات الشعبية الأخيرة، وبروز «جبهة 14 جانفي» التي تقدم نفسها خيارا ثالثا، فان الأمر يزداد سوء أمام التكتل والمؤتمر الذين يبدوان بين المطرقة والسندان، ومرغمين على اتخاذ موقف «السلطة» وان كان في ذلك تبعات سلبية على مستقبلهما.. وفي حواره الأخير الذي بث على الشاشات التونسية، أشار حمادي الجبالي الى أن الانتخابات المقبلة التي تخوضها البلاد تشريعية،-وهو ترجمة لبرنامج النهضة الذي يخطط لإقامة نظام برلماني بالبلاد -، وفي ذلك تعارض وطموح كل من المؤتمر والتكتل في اقامة نظام رئاسي معدل يعطي صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية..وقد يحافظ على موقع الحزبين على شاكلة المشهد السياسي الحالي ب»اسناد» من «النهضة»...فهل تكون هذه النقطة منعرجا في علاقة الشريكين بالحزب الحاكم؟ وهل يمكن أن تقبل النهضة باقتراحيهما وتنقذ ما يمكن انقاذه ل»حزبين» استنزفا وكانا سندا لها؟