بقلم عبد الرزاق قيراط، أجمع عديد الوزراء منهم المستشار السياسي لرئيس الحكومة السيد لطفي زيتون و وزير النقل السيّد عبد الكريم الهاروني على وجود مؤامرة لإسقاط الحكومة. و أكّد السيد سمير بن عمر المستشار لدى رئيس الجمهوريّة وجود أدلّة على ذلك. و قال عضو المجلس التأسيسيّ عامر العريّض إنّ خيوط المؤامرة ضدّ الحكومة واضحة للعيان بالعين المجردة ومحاولات إفشال عملها واقع وليس ادّعاءً. و كانت إحدى الجرائد قد أوهمتنا بعنوان سبْقها الصحفيّ "تفاصيل وخيوط المؤامرة الانقلابية على حكومة الترويكا" أنّها ستكشف الحقيقة بعد حصولها على معلومات من مصادر موثوقة. ولكنّ الغموض ظلّ سيّد الموقف لأنّ ما نشر لا يتجاوز العموميّات التي جاءت على لسان الوزراء، أضافت إليها شيئا من الحبكة الدراميّة مع رغبة في التمطيط لنشر الخبر في جزأين أو حلقتين. و خلاصة ذلك السيناريو "أنّ مقر إقامة أحد السفراء الأوروبيين بتونس احتضن اجتماعا ضخما حضره سبعة سفراء من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، تمّ خلاله تداول المستجدّات السياسيّة والاقتصادية بتونس"، ليعبّر السفراء عن تشاؤمهم من تلك التقارير التي أثبتت لهم أنّ الحكومة الحاليّة تفتقر إلى التجربة و الحنكة السياسيّة. و لذلك تطارح المجتمعون الأسماء البديلة في صورة فشل الترويكا... و مع تقدّم القراءة، لا تقدّم الجريدة شيئا ملموسا من التفاصيل التي وعدنا بها العنوان، فالأطراف الخارجية و الداخليّة التي تحرّك المؤامرة، سفراء لبلدان لا نعرف أسماءها و "رجال أعمال أو مسؤولون ماليون محسوبون على النظام السابق لا تُذكر هويّاتهم بل يُشار فقط إلى أنّهم اجتمعوا بمستثمرين أجانب في الداخل والخارج، وحاولوا إقناعهم بتأجيل استثماراتهم في البلاد ريثما يستتبّ الحكم للفريق الجديد..." و كلّ هذه المعطيات لا تقدّم إضافة لما ذكره الوزراء تلميحا و تصريحا، ما دعا بعض الأطراف من المعارضة إلى ابتزاز الحكومة و هي تطالبها بكشف المتآمرين و عرض الملفّ الذي بحوزتها على القضاء لتثبت صحّة ادعائها، معتبرة في نفس الوقت أنّ استدعاء الترويكا لنظريّة المؤامرة كان للتغطية على فشلها في إدارة شؤون البلاد. و عوض أن تقدّم الحكومة حججها و قرائنها دعما و إثباتا لما صرّح به وزراؤها، فاجأنا السيّد سمير ديلو الناطق الرسميّ بنفى وجود المؤامرة جملة و تفصيلا، ما أبقى المتحمّسين لمعاقبة الخونة في وضع المترقّب لِوهْمٍ أو سراب. و رغم إلحاح الصحفيّ الذي حاوره بتكرار الأسئلة عن تلك المؤامرة مستغربا من ذلك النفي بعد تأكيد الوزراء الآخرين، ظلّ ديلو على موقفه المنكر لأيّ تهديد خارجيّ أو داخليّ و نزّه السفراء عن تدبير المكائد، و قال إنّ المعطيات المتوفّرة لا تسمح بالحديث عن مؤامرة. و في ذلك ما يفهم على أنّه رسالة من الحكومة إلى الداخل و الخارج بأنّها لا ترغب في كشف ما لديها من المعلومات حفاظا على روح الوفاق و أملا في تجاوز أجواء التوتّر التي لا تخدم الوضع الحاليّ بالبلاد. و في نفس السياق شدّد سمير ديلو بخصوص العلاقة مع الاتحاد العام التونسيّ للشغل أنّه سيظلّ شريكا محترما بدفاعه عن حقوق العمّال. و بغضّ النظر عن التعليقات المستغربة التي أثارها هذا التصريح الرسميّ للحكومة فنعتها بالتخبّط و التناقض، نعتقد أنّ السيد سمير ديلو إنّما أراد بنفيه أن يضع حدّا للتجاذب بخصوص ملفّ ربّما أُغلق نهائيّا بعد أن نجحت تصريحات الوزراء في إرباك تلك الأطراف المتآمرة ، إن وجدت، و إحراجها و تهديدها بالقضاء، ما يعني أنّ خطّتهم أُجهِضت قبل أن تحقّق أهدافها. و لا نستبعد وجود صفقة أبرمت بين الترويكا و المتورّطين في محاولة الإطاحة بها فتراجعت الحكومة عن اتهاماتها مقابل كفّ تلك الأطراف عن تعكير الأجواء التونسيّة بأعمال غير مشروعة. و إذا صحّ ذلك فإنّنا نتوقّع أن تسير الأوضاع السياسيّة و الاقتصاديّة نحو المزيد من الهدوء و الاستقرار خاصّة بعد الزيارة التي أدّاها السيد راشد الغنوشي إلى مقرّ اتّحاد الشغل فنجح مع العباسي في الالتزام بعلاقات الاحترام و التعاون من جديد بعد أزمة كادت تدخل البلاد في منعرج خطير على خلفيّة ما كان مبرمجا من التحرّكات الاحتجاجيّة و الاضرابات التي ألغيت تباعا. و يمكن القول أخيرا إنّ المؤامرة إن وجدت حقا فإنّها أثبتت فطنة الحكومة على الأقلّ من الناحية الاستخباراتيّة. و إن كانت مجرّد خطأ في التقدير، فإنّ السيد سمير ديلو أراد بالقول " إنّ المعطيات المتوفّرة لا تسمح بالحديث عن مؤامرة" تصويبَ الخطأ في الاصطلاح على بعض المسائل، و الأمر لا يستغرب في عالم السياسة. و لذلك، نعتقد جازمين أنّ ما حصل مناورة تقتضيها الظروف التي تمرّ بها البلاد. فالمعطيات موجودة حقّا، قرأها بعض الوزراء على أنّها مؤامرة، و قد يقرأها المتورّطون فيها بشكل مخالف تماما كأن يعتبروا الاجتماع الضخم الذي احتضنته السفارة الأجنبيّة مؤتمرا مصغّرا لأصدقاء تونس تداولوا فيه "أزمة الترويكا" لمساعدة هذا الوطن. و لكنّه كان للأسف سرّيّا ما أدّى إلى بعض الالتباس فاعتبره البعض مؤامرة شيطانيّة و الحال أنّه اجتماعٌ صديقٌ من أجل المصلحة الوطنيّة!