بقلم وليد الماجري (الصريح ) خرجت كبرى صفحات الفايسبوك من المعترك الثوري بمجرد تشكل الخارطة السياسية في البلاد بعد سقوط نظام المخلوع ودخلت معترك المزايدات والابتزاز والتمعش من الأحزاب الفاعلة التي وضع أغلبها ميزانيات ضخمة للدعاية والاتصال. وقد مثلت فترة الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات الثالث والعشرين من أكتوبر أحلك الفترات التي عاشها فضاء التدوين في تونس حيث شهد هبوطا حادا في مستوى خطاب الصفحات الثورية وبان بالكاشف أن النفس الثوري ضاع في زحام الأطماع المادية والانتماءات السياسية والايديولوجية الضيقة للمشرفين على تلك الصفحات التي يضم بعضها نحو مليون مشترك ما يجعلها مؤثرة شديد التأثير في الرأي العام الوطني ويتيح لها دمغجة مستخدمي الشبكة العنكبوتية فى تونس. وإذا ها أخذنا بعين الاعتبار أن أكثر من ثلث التونسيين يستخدمون الانترنات وأن ريعهم على الأقل مشتركون في شبكة الفايسبوك فإننا سنجد أنفسنا بصدد سؤال خطير. هل صنع الفايسبوك التونسي ثورة ليبيعها فيما بعد إلى الأحزاب السياسية ويقبض ثمنها على جثامين الشهداء وآلام الجرحى. ليس من الصعب ، وأنت تبحر في شبكة فايسبوك ، أن تتبين الانتماءات أو الولاءات السياسية والايديولوجية لمجمل الصفحات الكبرى , إذ يكفي أن تطلع على المحتويات والمضامين الاعلامية والدعائية والتحريضية التى يتم نشرها وتداولها حتى يتضح لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ومن غرائب الصفحات الفايسبوكية التونسية التي يفترض أنها كانت المحرك و الداعم الأساسي للثورة أنها أصبحت لا تتردد في قلبان الفيستة والتنكر لولى نعمتها وشتمه وتهديده على الحائط في حال تأخر في صرف المنح المتخلدة بذمته لحساب المشرفين على الصفحات. ويذكر رواد الفايسبوك بكثير من التندر والسخرية كيف أن إحدى الصفحات الكبرى المحسوبة على حركة النهضة كانت قد قلبت الفيستة مؤخرا وكتب مشرفوها على الحائط تعليقا فيه نبرة التهديد مفاده //منذ اليوم سنسميها حركة النكبة// ولم تكد الرواية تفوح على شبكة الفايسبوك حتى هرع أصحاب الشأن وفق مصادرنا الخاصة وعقدوا اجتماعا عاجلا قرروا على إثره تسوية الوضعية المادية لأصحاب الصفحات المأجورة بشكل عاجل وهو ما جعل تلك الصفحة ومشتقاتها تعدل عن قرارها وتعود إلى حضيرة الطاعة!! هيمنة شبه مطلقة ولئن انحازت كبريات الصفحات الى حركة النهضة ما أعطى هذه الأخيرة أسبقية الهيمنة على الفايسبوك خلال الحملة الانتخابية وبعدها فإن التيار اليساري والتقدمي والعلمانى وجد هو الآخر دعما سخيا من عديد الصفحات الكبرى التي آلت على نفسها نشر غسيل الحكومة والتشهير بنواب النهضة ووزرائها والتقليل من كل عمل يقومون به والتضخيم في أخطائهم مهما كانت هينة مقابل تمجيد نواب المعارضة داخل التأسيسي والترويج لتصريحاتهم الساخطة على الحكومة المؤقتة والناقدة لأدائها في كل آن وحين. وإذا كان بعض هذه الصفحات التقدمية يقوم بجملة المهام المنوطة بعهدته من باب //انصر التيار التقدمي ظالما أو مظوما// فإن البعض الآخر لا يؤمن بالعمل التطوعي ولا يهمه فحوى المضامين التى ينشرها على نطاق واسع. . بل كل ما يعنيه هو التمعش من صفحته وجني أكثر ما يمكن جنيه من المال حتى وإن وصل به الأمر الى حد الابتزاز الرخيص. وقد سجل الفايسبوك على مدى الأشهر المنقضية عديد الأحداث والوقائع المؤسفة التى تم بموجبها كشف//خنار// عديد الصفحات التي نصبت نفسها وصيا أوحد على الثورة ثم تحرض أبناء الشعب الواحد على الاقتتال والتباغض بدعوى محاربة الكفار، تارة ومحاربة الرجعية طورا اخر! الاعلام البديل وتؤكد بعض المصادر الموثوقة القريبة من عالم التدوين أن إحدى الصفحات الكبرى التي تضم نحو مليون منخرط والتى تم توظيفها بشكل كلى لخدمة طرف سياسى معين أثناء الحملة الانتخابية وبعدها ، عرض صاحبها بيعها مؤخرا بمبلغ يناهز المليار من مليماتنا أي بمعدل دينار واحد مقابل كل منخرط . ولا يعتبر ما قام به المشرف على هذه الصفحة التى كانت بالأمس ثورية عملا شاذا أو خارجا عن المألوف إذ أصبح تأجير الصفحات أو بيعها بشكل نهائي أمرا اعتياديا في المشهدين الاتصالي والسياسى ما بعد الثورة ، وهذا ما يفسر تعويل حركة النهضة على الفضاء الاتصالي والاعلام البديل لكبح جماح الاعلام التقليدي الذي استعصى عليها ورفض مهادنتها بسبب ما وصفوه ب معاداة الحكومة المؤقتة ومن ورائها النهضة لحرية التعبير وسعيها على حد قولهم ، لاحتواء الاعلام وإعادته الى بيت الطاعة من جديد خدمة لأهدافها السياسية . وتفيد بعض المصادر الموثوقة أن شخصية قيادية ذات وزن سياسي كبير أوكلت إليها بصفتها الحزبية مهمة الاشراف على جيش من،الفايسبوكيين والمدونين وتوجيه المضامين الدعائية ، وأحيانا التحريضية التى يجب الاشتغال عليها طيلة الأسبوع . اثارة الفتن وإذا كانت الغاية العليا لبعض الصفحات الفايسبوكية الكبرى تتمثل فى جمع المال والاستفادة بأكثر قدر ممكن من المعارك السياسية الطاحنة فإنها ما فتئت تتحول الى أداة لتخرس الثورة والاجهاز عى ما تبقى منها من خلال إثارة الفتن وتحريك النعرات الطائفية والعروشية والزج بالرأي العام فى أتون التصادم الايديولوجى وتشتيت تفكير المواطن وجعل اهتمامه ينصب على بعض المعارك المفتعلة بدل القضايا الرئيسية المتعلقة باستحقاقات الثورة. ويؤكد بعض الثقاة أن عددا لا يستهان به من مشرفي الصفحات الكبرى بات يعيش عيشة الملوك ويتمتع برغد العيش بعد أن باع ذمة صفحته ومن ورائها ذمته وتحول الى بوق للدعاية الحزبية الضيقة غير متوان على توظيف آلام أمهات الشهداء ودموع جرحى الثورة وأنات الطبقات المسحوقة والمهمشة في سبيل تحريك الشارع بما يخدم الأجندات الحزبية المتفق عليها مسبقا. ومن طرائف الفايسبوك أن أحد مشرفي احدى الصفحات الكبرى كاد أن ينتحر بعد إن عجز في إحدى المرات عن استعادة صفحته التي تمت قرصنتها على أيدي مشرفي احدى الصفحات الشقيقة. أحد الباحثين في الحقل الاتصالى كتب مؤخرا على حائطه الفايسبوكي تعليقا مستفزا مفاده أن الصفحات الثورية صنعت الثورة ثم باعتها للأحزاب...