بقلم الأستاذ أبولبابة سالم قمّة حبست الأنفاس و أمسية ممتعة من الأداء الراقي و اللعب الجميل و الإبداع الكروي أبعدتنا لساعتين عن عالم السياسة الذي سلب عقولنا و شغل قلوبنا .لن أتحدث عن الطرق الفنية و الخطط التكتيكية بل عن الدروس المستفادة من هذا الطبق الكروي الذي شدّ عشاق كرة القدم في العالم بأسره فالكل عدّل ساعته على موعد اللقاء و كان حجز الطاولات و الكراسي في المقاهي أشبه بحجوزات الفنادق في أوج الموسم السياحي , إنّه الكلاسيكو الأشهر و الأروع في العالم بين برشلونه و ريال مدريد في قمة اللّيغا الإسبانية التي تجمع أبرز نجوم كرة القدم في العالم . كانت الفرجة حاضرة في دخلة جماهيرية متميزة في صورة تحيلنا إلى جمالية الإبداع و الإخراج الفني , و مباراة حضرت فيها الروح القتالية للاعبي الفريقين في نسق جنوني و بمهارة تشدّ المشاهدين , إنها قمّة العالم الكروية في جمالها و أدائها و سحرها و رونقها و دلالها . لقد أبهرنا سلوك اللاعبين فوق الميدان رغم رهان المباراة بروحهم الرياضية العالية و احترامهم لقانون اللعبة فلم نشاهد مشاحنات مع حكم المباراة رغم التنافس القوي فوق الملعب و لم نر خشونة تكبّل اللاعبين . أما الجمهور فقد زاد من متعة الفرجة فحوّل ملعب " نيوكامب" الشهير إلى ما يشبه حفلا فنيا , فلا مقذوفات على أرض الملعب و لا شعارات مسيئة للخصم و لا شماريخ و ألعاب نارية تدخل البلبلة على الحضور و لا احتجاجات على حكم المبارات رغم أخطائه , وشاهدنا عائلات بأكملها تحولت إلى الملعب من الرضيع إلى المسنّ بلا خوف أو تردد و تنتهي المباراة ليعود الجميع إلى بيوتهم في ساعة متأخرة من الليل دون مشاكل و لا مشاحنات في الشارع و خارج أرض الملعب رغم قمّة الرهان و انتصار الفريق الضيف .إنه الإحتراف الحقيقي و الإنضباط لقوانين اللعبة و احترام من اقتطع التذاكر و حقّه في الفرجة الراقية . لقد أبهرونا بسلوكهم الحضاري و المشهد بعد نهاية المباراة يغني عن كل تعليق . مازلنا بعيدين عنهم في العقليات و السلوك فالإحتراف يستوجب ثورة في العقليات لا انتفاخا في الجيوب فهذه الأرجل التي تساوي المليارات لا تكلّ و تملّ و تكابد بضراوة لكأنّها لا تمتلك عشاء ليلة فأين لاعبونا من هؤلاء, لقد انحصر اهتمامهم ب"اللوك" و" الجال" و النظارات ؟ أما جمهورنا فقد نغّص علينا متابعة المباريات بالسلوك الهمجي حتّى تحولت بعض المقابلات إلى ساحة حرب بين قبائل دون الحديث عن النعرات الجهوية المقيتة التي تذكرنا بالعصر الجاهلي .إننا نحتاج إلى ثورة ثقافية و تربية جديدة بعد تعهّد المخلوع بخراب العمران فطمس كل ما هو جميل . هذا الفراغ دفع الكثيرين إلى متابعة الدوريات الأجنبية حيث المتعة و الإثارة فكرة القدم قادرة على إدخال السعادة في قلوب الناس و نسيان هموم الحياة .فشكرا لبرشلونة و ريال مدريد .