بقلم الأستاذ أبولبابة سالم* يبدو أنّ مناضلي الحانات و العلب الليلية و أحزاب الصالونات و الفنادق الفخمة قد شعروا بالدّوار و الغثيان بعد أن خابت ظنونهم { و بعض الظنّ إثم} في ملتقى أنصار الشريعة الذي ضمّ مختلف التيارات السلفية في القيروان , فقد انتظروا خطابات تصعيدية خاصة من السلفيين الجهاديين الذين يمثلّون التيار الأكثر تشدّدا و راديكالية , و عادة ما يتلقّف هذه التصريحات أو الحوادث متصيّدون محترفون ألفوا النفخ في الرماد و تأجيج الفتن و استعداء التونسيين ضدّ بعضهم فهم أشبه بتجّار الحروب الذين تربّوا العيش على الأجساد الجريحة و الجروح النازفة و الحروب الأهلية . أختلف فكريا مع التيار السلفي لكن خطابات رموزه في القيروان أثبتت أنّ الحوار معهم هو السبيل الوحيد للتعايش في تونسالجديدة التي تتسع لجميع أبنائها و التي يريدها الإستئصاليون- الذين شكّلوا الغطاء الإعلامي و الثقافي للعهد البائد في قمع الحركة الإسلامية و ما تبعه من مآسي ظلّت بلادنا تعاني منه إلى اليوم بعدما تحوّات إلى سجن كبير- ملكا خاصا بهم ليفرضوا وصايتهم الفكرية عليها . لقد كانت رسالة طمأنة حقيقية , فعندما يدعو زعيم السلفية الجهادية الملقب بأبي عياض إلى نبذ العنف و مواجهة الفكرة بالفكرة و يوجّه رسالة واضحة للسياح القادمين إلى تونس و يرفض الإضرابات و الإعتصامات العشوائية و الإضرار بالإقتصاد الوطني , فذلك تطوّر كبير في المنهج و التفكير يجب البناء عليه , فقد أدركوا جيّدا حجم التحدّيات التي تواجه البلاد و فقهوا الواقع التونسي المتشعّب في هذه الفترة الإنتقالية المثقلة بالتحديات و الصعوبات . طبعا لم يخل خطابه و كلمات ممثلي التيارات السلفية الحاضرة من دفاع عن أفكارهم و تصوّراتهم المجتمعية التي نختلف معها .يحدث ذلك رغم حجم التشويه و التخويف الذي تمارسه أبواق النظام القديم و منظّري تجفيف المنابع من إمارة سجنان إلى إيقاف حافلة للسياح في نفس المنطقة إلى تطبيق الحدود وهي كلها أكاذيب لم تعد تنطلي حتّى على السذّج . شيطنة السلفيين سياسة منهجيّة من قوى الثورة المضادة و رموز الإستئصال و بعض دعاة الحداثة و الحرية الذين لم يستوعبوا - بسبب ضيق أفقهم المعرفي و الفكري - أن حرية التعبير تعني حرية التعبير لمن يختلف معك و ليس لمن يقاسمك نفس الأفكار.إن العقل التونسي يمكن أن يجعل السلفيين طاقة بناء حقيقية إذ وقع التخلّي عن منطق الإستعلاء و العجرفة , و حسنا فعلت حركة النهضة عندما دخلت في حوار مع التيارات السلفية لأنّ التصادم معها كما يدفع لذلك أزلام بن علي و تجار الحروب و عبيد فرنسا قد يجرّ البلاد إلى المجهول خاصة في ظرف إقليمي و دولي معقّد و متحرّك , و هؤلاء الإستئصاليون إن حصل المكروه { و تلك أمانيهم و لكن لتونس رجالها و رب يحميها} فسيفرّون إلى أمّهم فرنسا في أوّل طائرة ليلتحقوا بالحانات الباريسية . للأسف الشديد لم يستوعب هؤلاء إلى اليوم تونسالجديدة بل صار بعضهم يضيق صدره بمساحة الحريّة التي تتمتّع بها بلادنا لأنّهم لا يريدون الحرية إلا لأنفسهم أما المختلفون معهم فهم ظلاميون و رجعيون و متخلفون , أتّفق معهم في ضرورة نبذ العنف في السجال السياسي و لكن يجب أن يكفّوا هم أيضا عن العنف الرمزي وهو أشدّ والذي يشكل استفزازا يولّد العنف المادي . و كم يشعر المرء بهول المصيبة التي أصابت بعض المتطفّلين على عالم السياسية بعد أن كانوا ينشطون برامج سباق الأغاني ليختزلوا الحرية في قارورة خمر و إمراة عارية , ألم نقل في البداية إنّهم مناضلي الحانات و العلب الليليّة .