الإتحاد العام التونسي للشغل هو قلعة النّضال و ملجأ الأحرار في سنوات الجمر , وهو المظلّة التي جمعت مختلف التيارات الفكرية المضطهدة و التي وجدت فيه الملاذ للنشاط السياسي و الإجتماعي . يخطئ من يختزل الإتحاد في حسين العباسي أو عبيد البريكي أو عبد السلام جراد لأن قوة الإتحاد في كوادره الوسطى من النقابيين الشرفاء الذين استطاعوا زمن الثورة أن يؤطّروا جماهير شعبنا حتى صارت مقرّاته منطلقا للمظاهرات المناهضة للدكتاتورية رغم أنف القيادة المهادنة للمخلوع حتى طردت الدكتاتور الذي فرّ يوم 14 جانفي بعد المظاهرة التاريخية التي انطلقت من بطحاء محمد علي . مظاهرة يوم السبت 25 فيفري , غضب فيها الإتحاد لنفسه بعد الحملة الموجّهة ضدّه بعد الإعتداءات الهمجيّة التي طالت بعض مقرّاته و التي عمد فيها البعض إلى رمي القمامة عليها بعد إضراب عمّال البلديّة , هذا السّلوك يذكّرنا بالحادثة التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم حينما عمد أحد معارضي دعوته إلى إلقاء القمامة أمام بيته الشريف و القصة معروفة . مهما بلغت درجة الخلاف بين مختلف الأطراف حول توقيت الإضراب و مدّته فإن الحق النقابي في الإضراب يضمنه القانون و الدفاع عنه واجب النقابيين و قواهم الحيّة و كل قواعدهم العمّالية , لذلك خرجت تلك المسيرة الحاشدة المندّدة بمثل تلك الممارسات و محاولات التّشويه . طبعا حضرت أغلب أطياف المعارضة لإظهار تعاطفها مع الإتحاد و معها منظمات المجتمع المدني التي وجدت الفرصة سانحة – رغم كثرة الفرص في المدة الفارطة- للتّنفيس عن تشنّجها و توتّرها النفسي منذ الإنتخابات .كان منطلق المسيرة المليئة بالورود يرفع شعارات نقابية صرفة بعد كلمة الأمين العام حسين العباسي و لكن حصل المنعرج بعد رفع شعارات عنيفة ضد الحكومة فيها دعوة لإسقاطها و اتهامها بالخيانة و العمالة للولايات المتحدةالأمريكية و قطر من بعض قوى أقصى اليسار مما وتّر الأجواء و انسحب بعض المشاركين لأجل ذلك و حصل الصّدام أمام وزارة الداخلية لمّا أراد البعض تكرار سيناريو 14 جانفي 2011 لكن أحلام البعض كانت بعيدة عن واقع تونسالجديدة. في الدول الديمقراطية , يحرص الطّرف الذي ينظم أي مسيرة أو مظاهرة على حمايتها و عدم انزياحها عن مسارها و أهدافها المعلنة حتى لا تكون مطيّة يركبها البعض لتحقيق مآرب أخرى لا علاقة لها بالأهداف المعلنة و ذلك بتحديد الشعارات مسبقا و يقع طرد و إبعاد من يحاول تحويل مسارها , وهو ما وقع حيث حاول بعض الثورجيين الرّكوب على الحدث لأنهم قاصرون عن حشد الناس لممارسة ما يسمّونه بالعنف الثوري فتحوّلت المسيرة عن مسارها وهو أمر لا يبدو غريبا فالرفيق "ستالين" أبعد ما يكون عن الديمقراطية , أما كلمة "ديقاج" فقد أفقدوها معناها فعندما رفعت ضد المخلوع إلتفّ حولها كلّ الشعب التونسي لكن اليوم تحولت تونس من الثورة إلى بناء الدولة الديمقراطية التي يعبر فيها الشعب عن إرادته الحرة في انتخابات حرّة ونزيهة لم تعرفها تونس من قبل , ومن فشل في نيل ثقة الناس فعليه أن يراجع خطابه المتعالي و يلتحم بالمستضعفين من أبناء الشعب في الأحياء الشعبية لا أن يسعى إلى محاولة إفساد التجربة الديمقراطية أو بناء ديمقراطية على المقاس , و السلفية الماركسية في نظري لا تختلف عن السلفية الإسلامية في نظرتها للديمقراطية لأنها تتبنّي مقولة العنف الثوري لضرب أسس الدولة و بناء دولة دكتاتورية البروليتاريا وهو مناقض لمبادئ الديمقراطية , و أظن أنّ مثل هذه القوى ستنحسر في المستقبل بمزيد تجذر الممارسة الديمقراطية و ستصبح كقوى أقصى اليمين و أقصى اليسار في أوروبا. لذلك على المنظمة النقابية أن تحمي نفسها من التوظيفات الحزبية و على القوى الوسطية أن لا تنساق وراء الشعارات المتطرفة لأحزاب صغيرة تدرك أنه لا أمل لها في تولّي السلطة عبر الصندوق الإنتخابي و تحاول جرّ الآخرين إلى أجندتها . وعاش الإتحاد العام التونسي للشغل حرّا مستقلاّ مناضلا .