بقلم / منجي باكير (قانون تحصين الثورة واجب ...!) صيحة مدوّية صدحت بها حناجر السّواد الأعظم من الشعب التونسي و ردّدوها عند كل مناسبة إقتضى الحال للتذكير بها ، ردّدوها تأكيدا جازما على العزم بالقطع نهائيّا و إلى الأبد مع الماضي البنفسجي الذي وضع الأغلال و قطع الآمال و استبدّ ونكّل بإعانة أزلام خلّفهم جنرالهم الهارب و بتفنّن في تنفيذ التعليمات بأيدي هؤلاء الأيتام في منهجيّة إجراميّة نموذجيّة و بسبق الإصرارفي شعب مسالم عيّاش صبور لكنّه انتفض و ثار يوم بلغ السّيل الزّبى ... هذا المطلب الشعبي الجوهري فوّضه هذا الشعب إلى مؤسّسات الدولة التي انتخبها و وثق فيها لتمثيله و تحقيق مصالحه و الدّفاع على مكتسباته ، و أمانة يتحمّل الجزء الأكبر فيها المجلس التأسيسي و يشترك فيها معه الأحزاب الناشطة و خصوصا أحزاب المعارضة التي تدّعي في مناسبة أو غير مناسبة أنّ لها عمقا و قواعد شعبيّة وهي الناطقة بلسان هذا الشّعب و الممثّلة لضمير الثورة ،،، لكن ما ثبت فعلا على أرض الواقع غير هذا بل أبعد عن هذا بكثير ، إذ أنّ كلّ ألوان الطيف السّياسي التي تدير العمليّة السّياسيّة أظهرت أنّها غير معنيّة بهذا الأمر و أنّ منها من يناهض و يهدّد و يتوعّد كل محاولة لتمرير هذا القانون على أنظار المجلس التأسيسي فما بالك بتبنّيه و تفعيله ، فالمعارضة جعلت من قانون التحصين لعبة كوتشينا تجمعه و تفرّقه و تظهره و تخفيه من الجدل حسب موضعها و حسب تمكّنها في المعادلات السياسيّة و حسب قوّة تواجدها و هي لا تلمّح له إلاّ اضطرارا للمّ شتاتها و جلب الإهتمام لوجودها ،،، أمّا الترويكا الحاكمة فلقد اتخذت من قانون تحصين الثورة ورقة ضاغطة تستعملها في بهلوانيّة لإرضاخ خصومها ولتليين مواقفهم ، ولقد انفردت النّهضة بحيّز كبير في هذا التراخي لتفعيل قانون تحصين الثورة و الذي قد يقودها يوما ربّما إلى التملّص منه و التخلّص حتّى من مجرّد تمريره و هذا يلاحظه المتابع للشأن السياسي الدّاخلي من خلال قيادييها و خصوصا رئيسها الشيخ الغنوشي ، فتصريحاتهم كلّها تصب ّ في خانة واحدة و هي تارة تقوية اللّهجة الفضفاضة للطمأنة و أخرى مجانبة الموضوع و تفادي الإحراج و التفصّي من المواجهة السّياسيّة ، وما تصريح السيد حمّادي الجبالي الأخير لصحيفة الشرق الأوسط إلاّ الشّهادة الأصدق لتلخيص الموقف العام للحركة فهو قد إعتبر أن ّ إصرار النهضة على تطبيق قانون تحصين الثورة سيُفهم منه أنّ النّهضة تريد إقصاء طرف سياسي قبل الإنتخابات و أنّ هذا سيؤثّر على صورة الحركة المؤمنة بالتداول على السّلطة و المتمسّكة بالنظام الديمقراطي ...! أمّا حزب المؤتمر الذي كان سبّاقا و مصرّا على تقديم و تفعيل قانون التحصين فإنّنا لم نعد نجد منه هذه الأيّام ما يفيد صراحة على استمراريّة تلك الحماسة و ذلك الإصرار الذي كان عليه قياديّوه .. و لعلّ ما صرّح به الخبير الدستوري الأستاذ قيس سعيد هو خير دليل على ما أوردنا ، إذا إعتبر الرّجل أن هذا القانون -الذي يمثّل مكسبا و استحقاقا للشعب بعد ثورته و تضحياته -أصبح عُرضة للمزايدات السّياسيّة بين الأحزاب و أنّه من الواضح أنّ أعضاء المجلس التأسيسي الذين تمّ إنتخابهم في مرحلة مّا و ببقايا أصوات النّاخبين لا يمكن لهم بأيّ حال أن يتحكّموا في الحياة السياسيّة للبلاد بل الشعب قادر على أن يحمي ثورته دون تدخّل من أحد ،،،، فهل سيقع تدارك الوضع و يُكتب لإرادة الشعب أن تتجسّد على أرض الواقع و يقع إبعاد جلاّدي الأمس و بيادق العهد البنفسجي أم سيستمرّ الحال على ما هو عليه نحو تدرّج يفضي إلى إبعاد و تجاوز قانون التحصين هذا ليُحفظ في أرشيف ذاكرة النّسيان ؟؟