بقلم الأستاذ بولبابة سالم جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلّم طالبا الإلتحاق بجيش المسلمين الذي كان يستعدّ لإحدى الغزوات , لاحظ النبي الأكرم بساطة الرجل و هندامه الذي يدلّ على الفقر و الفاقة , فقال له :" ألك والدان "؟ قال : نعم . قال :" ففيهما فجاهد " أي اعتني بهما ووفّر لهما قوت يومهما. كما يروى عن النبي الأكرم عند عودته من إحدى الغزوات لأصحابه قوله : " لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ". للجهاد في الإسلام معاني عديدة فإذا كان في فترة الإستعمار هو القتال لتحرير الأرض و طرد الإستعمار , فإنّه بعد الإستقلال الثاني إثر الثورة يصبح الجهاد الحقيقي هو تحقيق أهداف الثورة في محاربة الفقر و التشغيل الذي يحفظ كرامة التونسيين و تحقيق العدالة الإجتماعية و إرساء نظام ديمقراطي تتجسّد فيه قيم الحرية و العدل و المساواة أمام القانون , لا أحد يستطيع ضرب الهوية الحضارية للشعب التونسي , إنّ عروبة تونس و إسلامها من المسلّمات التي لن ينجح التيار اللائيكي و العلماني المتطرّف في مسخها أو تغييبها مهما استعمل من مرتزقة الإعلام . أبناء التيار السلفي من أنصار الشريعة تونسيون و أبناء هذا الوطن مهما حاول البعض شيطنتهم , نختلف في طروحاتهم و فهمهم السطحي و الحرفي للدين و تكفيرهم لمخالفيهم لكن هل درس أحد سبب انتشارهم داخل الأوساط الشعبية في حي التضامن بالعاصمة و حي الرياض بسوسة و غيرها .. لقد استطاعوا خدمة الفئات الضعيفة و مساعدتها عبر توزيع الإعانات و المساهمة في إغاثتهم عند الكوارث الطبيعية . هذا الإنجاز لم يحققه من يدّعون الدفاع عن الطبقات الشعبية و الكادحين من التيارات اليسارية التي صدعت رؤوسنا بالدفاع عن الفقراء و المهمّشين , و شتّان بين الشعرات الرنانة و من يعيشون حياة البذخ داخل النزل و الصالونات الفخمة حيث كأس الشاي بخمسة دنانير و لا أريد الحديث عن سعر بقية المشروبات. لقد أتاحت الثورة لأبناء التيار السلفي الخروج من السرية إلى العلنية بفضل الحرية التي اكتسبها الشعب التونسي بفضل دماء الشهداء و جرحى الثورة . في الدول العريقة في الديمقراطية كبريطانيا لن يحاسبك أحد على أفكارك مهما بلغ تطرّفها – وهي أكثر دولة بها لاجئين سياسيين – لكن للديمقراطية أنيابها أيضا فإذا انتقلت إلى الفعل المادي حاسبوك و من أراد القيام بنشاط طلب ترخيصا فلا أحد فوق سلطة الدولة و القانون و نريد أيضا من دولتنا أن تطبق القانون على الجميع و دون استثناء . أخطر ما في التيارات الدينية المتطرّفة هو ادّعاء امتلاك الحقيقة المطلقة في فهم العقيدة و الشريعة و تسفيه كل المكتسبات الحضارية للآخرين , ألم يقرؤوا ما قال ابن القيم : " حيثما كان الحقّ فثمّ شرع الله " و قول النبي الأكرم " الحكمة ضالة المؤمن , حيث وجدها فهو أحق بها " . ما نتابعه على صفحات التواصل الإجتماعي بين أنصار النهضة و السلفيين من تراشق للإتهامات يوحي بحرب أهلية باردة , فالنزاع هو في الله و في فهم الشريعة الإسلامية , وكم هو مؤلم أن نرى من تدثّر بثياب الدين بعد التوبة يصبح ناطقا باسم الإله و لم يقرأ كتابا واحدا . ما حصل خلال نهاية الأسبوع الماضي يجعلنا نؤكّد على ضرورة فتح باب الحوار مع التيارات السلفية فلا بديل عن الحوار وهو مسؤولية الجميع و ليست النهضة وحدها بل بقية الأحزاب و قوى المجتمع المدني أيضا , و حذار من تجار الفتن الذين يصبون الزيت على النار , فدعاة الإستئصال عادوا بقوّة و يملكون إعلاما احترف الكذب و التدجيل و يهزّهم الحنين إلى" بوهم الحنين" . لقد جنحت الجماعات الإسلامية في مصر إلى العمل المدني بعد حوارات معمّقة مع شيوخ الأزهر فقامت بمراجعات كبيرة حتى أدركوا معنى فقه الواقع المعيش . و في تونس من يسعى للحوار مع السلفيين يُتّهم بالقيام بحملة انتخابية و يُسوّق إلى التماهي بين التيارات الإسلامية بينما الفرق بينها ظاهر , لكن مشكلة البعض عندنا ليست مع هذه التيارات بل مع الدين نفسه , و تلك قصّة أخرى.