بقلم عادل السمعلي قرأت اليوم في موقع باب نات مقالا محترما للأستاذ محمد الحمار تحت عنوان (اغتيال الأمنيين واغتيال العقل ) والأستاذ محمد الحمار غني عن التعريف في المشهد الاعلامي والفكري التونسي فهو صاحب مقاربة الاجتهاد الثالث التي تقوم على التبرؤ من التيارين الفكريين الديني والعلماني الذان يقومان على مبدأ الاستئصال واللذان يركزان على البعد الواحد الآحادي فالتيار الديني حسب الاستاذ ينبذ الحداثة ويتبنى الفكر السلفي في تفاصيله وجزئياته ويبعد بذلك نفسه عن العصر ومتطلباته كما أنه يوجه نقده اللاذع للتيار العلماني ألاستئصالي الذي ينكر الدين جملة وتفصيلا وهو ما يسميه في كتاباته ( العلمانية الملحدة) فالأستاذ الحمار من أشد المطالبين بالاجتهاد الثالث أو ما يسميه بالعلمانية المتدينة التي تعيش عصرها ولا تنقطع عن جذورها الدينية الثقافية . إن من دواعي كتابة هذا المقال هو أن الاستاذ حمار سقط في عديد التناقضات الفكرية والمنهجية وتسرع بإلقاء التهم جزافا بدون حجج ولا برهنة وهذا مما لا يليق بالمفكر والكاتب الذي نكن له كل التقدير والاحترام وقد سبق أن أهديت له نسخة من كتابي (معالم الثورة المضادة في تونس) عن طريق أخي الاصغر الذي كان أحد تلامذة الاستاذ محمد الحمار في المعهد النموذجي بأريانة ورغم أني لا أعرفه شخصيا إلا أن ما بلغني عنه من خير يجعلني أكن له الود والاحترام . نحن حاليا بعد الثورة لسنا في زمن العقل فنحن جميعا نخب و سياسيين وعامة ما أبعد ما يكون عن الحكمة والرشد والعقلانية والتوصيف الصحيح للمشهد التونسي أننا في زمن الثورة والثورة المضادة وما يعني ذلك من حماس وتحفز وغلبة للعاطفة ونصرة المذهب وما يترتب على ذلك من غياب العقل والتعقل وأن الأصوب حاليا أن نتحدث عن أن اغتيال الامنيين هو اغتيال للثورة لأن كل العمليات الارهابية التي حصلت سواء كانت من فعل جماعات دينية متطرفة أو أجهزة مخابرات أجنبية هو بالنهاية محاولات محمومة ومدروسة لتعطيل المسار الانتقالي واغتيال الثورة وهي مازالت في المهد . نحن نتفق معك في التأكيد على فساد برامج التعليم وأنت الادرى بذلك باعتبارك من أهل الشأن ونتفق معك على فساد النظم السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية وهذا لا يجادل فيه عاقل لكن أن ترمي هذا الفساد على من أتى للحكم منذ أشهر عديدة ولم يتمكن الى الآن من التحكم في آلة الفساد وسقط ضحية الدولة العميقة فهذا ليس من العدل والإنصاف ونحن نعلم جيدا أن منظومة الفساد العام التي نخرت المجتمع التونسي تشكلت وقوي عودها في زمن الديكتاتورية والاستبداد وأن السلطة الجديدة هي ضحية وليست سبب للفساد وأن التحليل الصحيح هو أن مخابر الدولة العميقة بصدد البحث والتنقيب على كل مكونات الفساد السابق لإلصاقها بالثورة حتى يندم التونسيين على خلع المخلوع ويتحسر على السيدة الفاضلة . أما في المجال الصحي فقد جانبت الصواب حين تحدثت عن عودة الأوبئة مثل داء الكلب والجرب عافانا وعافاكم الله وكأني بك تصدق بدون بحث ولا تمحيص ما تبثه وسائل الدعاية البنفسجية من هذه الأقاويل بداعي تكريه الناس للثورة وبعث وشائج الحنين للعهد القديم فمثل هذه الاوبئة لم تختفي من تونس بتاتا حتى تعود والكل يعلم أن إحصائيات وزارة الصحة في عهد المخلوع تزخر بما شئت من هذه الاوبئة والأمراض النادرة وان الاعلام وقتها كان يعتم عليها ولا يذكرها حتى لا يكدر صفو نظام فرحة الحياة النوفمبري وأن كثير من حالات الاوبئة في العهد السابق كان يتم إخفاؤها والتستر عليها خدمة لنظام الاستبداد والآن لما أصبحت هناك شفافية أصبحنا نقيم الدنيا ولا نقعدها ونتغبن على النظام السابق المزور الكاذب . إن المثقف أو المفكر لا يعتمد على الآلة الاعلامية الكاذبة المضللة لينظر أو ليبني رؤى فكرية عميقة ولا يأخذ أي خبر مهما كان مأتاه على محمل الجد إلا بعد تحليله والغوص في أعماقه و تمحيصه من وجوهه الأربعة حتى لا يسقط في المغالطة وتزوير الوعي العام للجماهير المتعطشة لمعرفة الحقيقة وحتى حين يكتب ويتوجه للرأي العام يجب عليه أن يقدم فكرا عميقا وقيمة مضافة للقاري العادي وأما أن يكتفي بسرد أقاويل وأكاذيب بيوت الدعارة الاعلامية مثل قناة نسمة ومشتقاتها من الاوركسترا السيمفوني لإعلام ( بونا لحنين ) يجعل الكاتب أو المثقف في مرتبة لا تختلف عن الجهلاء و العامة الذين يصدقون ما هب ودب من الاخبار والإشاعات والترهات بدون تفكر ولا تمحيص . إن شعارات الثورة المضادة في تونس لاغتيال الثورة التونسية ثلاثية المصطلحات والأبعاد ( الاستبلاه و الاستغفال و الاستحمار) وعلى المثقفين وقوى الثورة أن يرفعوا في وجوههم اللاءات الثلاث : لا للاستبلاه لا للاستغفال لا للاستحمار ولكي تتعمق في كلامي أدعوك لقراءة كتاب مهم جدا كتب منذ قرون عديدة وينطبق على حالنا بعد الثورة وهو كتاب ( تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب ) للمؤلف : ابن المرزبان المحولي.