القصرين: المصادقة على مقترحات مشاريع المخطط التنموي بسبيطلة للفترة 2026-2030    نابل: نفوق الأسماك بشاطئ سليمان راجع إلى ظاهرة الطحالب المزدهرة ونقص الأكسيجين في مياه البحر    السياحة البديلة: خيار إستراتيجي مكمّل للسياحة    مُشطّة ومرتفعة جدا: هذه كُلفة يوم واحد اصطياف لعائلة من 4 أفراد    عاجل/ العراق: شركات نفط كبرى تُجلي عددا من موظفيها    تونس تترأس المركز الإقليمي لمكافحة الأمراض والوقاية منها بشمال إفريقيا    منتجات تونس البيولوجية تغزو 38 دولة: زيت الزيتون في الصدارة    إيران تتعهّد بردّ قوى على الهجمات الأميركية    عاجل : كوريا الشمالية تخرج عن صمتها و تصدر هذا البلاغ التحذيري    لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم إلى المركز ال59 عالميا    معين الشعباني يقود نهضة بركان المغربي الى نهائي كأس العرش    تعرف على أول حارس عربي يحصد أول جائزة في كأس العالم للأندية    مباراة إنتر ميامي ضد بالميراس فى كأس العالم للأندية...التوقيت    في تحذير رسمي : مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا تدلي بهذه التصريحات    طبيبة تونسية تحذّر من التعرّي في الشواطئ: خطر صيفي حقيقي يهدّد صحتنا وصحة صغارنا!    تحذير للتوانسة: هواء بيتك ملوّث أكثر من الشارع ب5 مرات بسبب ''الكليماتيزور''    الصهد يبدّل المزاج؟ الحرارة العالية تنفع وتضر نفسيتك... هذا إلي لازم تعرفوا!    من "لعنة الفراعنة" إلى علاج السرطان.. اكتشاف مذهل في فطر قاتل    في علاقة بملف فسفاط قفصة:أحكام سجنيةوخطايا مالية للطفي علي ومن معه    محمد الطبوبي : الحصول على المرتبة الخامسة يعتبر "نتيجة متميزة"    رحاب الظاهري تتوّج بذهبية 3000 متر موانع في الجولة القارية البرونزية لألعاب القوى    كوفنتري تتسلم المفتاح الذهبي كرئيسة جديدة للجنة الأولمبية الدولية    صفاقس: 100 % نسبة نجاح التلاميذ المكفوفين في بكالوريا 2025    نتائج الدورة الرئيسية للباكالوريا .. 37.08 % نسبة النجاح والتميّز للرّياضيات    7 سنوات سجنا لوالد عنّف ابنه الرضيع وتسبّب له في إصابة خطيرة    الوكالة التونسية للتكوين المهني تفتح باب التسجيل عن بعد لدورة خريف 2025    في العيد العالمي للموسيقى: الأوركستراالسيمفوني التونسي يقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية    جبال الظاهر: وجهة سياحية أصيلة تنبض بالسكينة والتراث    بقلم مرشد السماوي…بعد أن توزعت ظاهرة مجموعات الغناء بالمنازل و الجمعيات في جل المدن الكبرى جل روادها من كبار السن هل أصبحنا في مجتمعنا نعيش فراغ أسري و عاطفي مريب ؟    عاجل/ مفاوضات الزيادة في أجور القطاع الخاص: سامي الطاهري يكشف آخر المستجدات..    3 سيناريوهات لحرب إيران وإسرائيل بعد القصف الأميركي..تعرف عليها..    عاجل/ بشرى سارة للعاطلين عن العمل..    مول 35 مشروعا/ ناجي غندري: بنك الأمان يعمل على تشجيع الشركات للانخراط في مجال الإنتقال الطاقي..    تونس تحيي الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    تونس: نحو مراجعة برنامج شعبة الرياضيات    موجات صواريخ إيرانية جديدة تضرب إسرائيل    محمد بوغلاّب يمثل اليوم مجدّدًا أمام القضاء..    مهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير بالجزائر يفتح باب الترشح للمشاركة في دورته الأولى    بعد ما نجحت في ''باكالوريا ''2025 ...احسب سكورك بهذه الخطوات    عاجل - تونس : صدمة بالأرقام: الإناث يتصدرن حالات الغش في البكالوريا!    في سابقة في إفريقيا: 733 عملية مجانية في مجال صحة العيون في يوم واحد بتونس    تونس تدين الاعتداءات الصهيونية على ايران ، وتدعو الى ايقاف العدوان    عاجل/ إسرائيل تُعلن قصف 6 مطارات إيرانية..    طقس اليوم: قليل السحب والحرارة تتراوح بين 30 و39 درجة    النجم الساحلي: موعد استئناف التمارين    في مهرجان الفيلم العربي بالدار البيضاء: محمد مراد يُتوّج عن دوره في فيلم «جاد»    عانت من ضعف التمويل وسوء التسيير .. هل تتجاوز المهرجانات الصيفية مشاكلها؟    عاجل : فوضى في الأجواء الخليجية... وتأثير مباشر على المسافرين التونسيين    تونس صدرت منتوجات بيولوجية بنحو 420 مليون دينار الى موفى ماي 2025    ضخ كميات إضافية من مادة الفارينة المدعمة لمجابهة الطلب في الصيف (وزارة التجارة)    في مسابقة دولية بلشبونة: تتويج التونسية ملاك العبيدي بجائزة أفضل مؤلف عن الطبخ في العالم    توقعات بصمود الصين أمام الصدمات التجارية العالمية    المعهد الوطني للتراث:انجاز نشاط ميداني حول مشروع بحث عن موقع تابسيس الاثري    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة مفتي الجمهورية
نشر في باب نات يوم 13 - 11 - 2013


بقلم نزار بولحية *
القدس العربي
لسنوات طويلة رسخت صورة الشيخ الذي يطل على التونسيين من شاشة التلفزيون الحكومي مرتين في العام ليطلعهم بعد وافر الثناء والتمجيد و الدعاء الخالص المطول بالتوفيق والسعادة للسيد الرئيس وعائلته الكريمة ان رؤية الهلال قد ثبتت اوتعذرت بداية كل شهر صيام او قبيل انقضائه.
الشيخ المذكور هو مفتي الديار التونسية وقد اعاده تصريح مقتضب ادلى به في الايام الاخيرة لبرنامج على القناة التلفزيونية الاولى حول ظاهرة الارهاب الى واجهة الاحداث لينال بذلك النصيب الوافر من الشتائم و الهجمات العنيفة التي بدات بالنبش في ماضيه البعيد والقريب ووصفه كواحد من فلول النظام السابق لتصل بعد ذلك الى حد التشكيك في جدارته بالمنصب والمطالبة الفورية باقالته بعد ان تجرا على القول بان تلك الظاهرة الغريبة عن البلد لم تبدا الان بل ان لها جذورا عميقة تعود الى زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وقراراته ومواقفه الصادمة للناس من قبيل الدعوة الى الافطار في نهار رمضان اونزع حجاب التونسييات.
ما يلفت الانتباه في كل تلك الضجة التي احدثها تصريح المفتي هو امران اثنان:
الاول ان ما صدر عنه مثل منعرجا حقيقيا و خروجا واضحا عن الخط العام الذي سلكه اسلافه منذ الستينات اي من تاريخ صدور الامر الرئاسي رقم107 في السادس من ابريل عام 1962 والذي احدثت بمقتضاه وظيفة المفتي فلم يكن من عادة كل من تقلد تلك المهام على مر العقود الماضية ان يتخطى حدود ما رسم له من ادوار اقتصرت في الغالب على الظهور المعتاد في رمضان او الجلوس في الصفوف الامامية في مواكب الاستقبال والاعياد الرسمية ولم تتعداها الى اكثر من ذلك الا في حالات قليلة نادرة لم تكن في كل الاحوال لتثير قلق او انزعاج السلطات.وبهذا المعنى فان ظهور المفتي في برنامج سياسي هو امر غير مسبوق في التاريخ المعاصر لتونس بقطع النظر عن فحوى تصريحاته.ومن هنا فقد تكون ردة الفعل القوية من قبل بعض الصحف المحلية و جانب من النخب تعني كذلك رفضا لما يمكن ان يكون انتهاكا لتلك القواعد الصارمة التي وضعتها الدولة منذ الستينات والتي تفصل وبشدة بين ما هو ديني وما هو سياسي ولا تسمح باي تداخل او التقاء حتى محدود بينهما .
ما ظل يسوق باستمرار طيلة الاشهر الماضية لم يكن مجرد تحييد بسيط لبعض الوزارت السيادية ضمانا لشفافية الانتخابات القادمة مثلما يقول المعارضون لحكم الائتلاف بل ان اعين الكثيرين من هؤلاء بدات بالاتجاه اكثر صوب المساجد التي افلت عدد منها بعد فرار بن علي من سيطرة الدولة وهيمنتها.فتحولت كل مظاهر الغلو والتشدد التي تظهر بين الحين والاخر الى كوارث وطنية يلقى العبء الاكبر من المسؤولية عنها على عاتق ما يوصف بالخطابات التحريضية التي تنتشر في دور العبادة او محاضرات ودروس بعض الدعاة العرب الزائرين بدعوة من عدد من الجمعيات . سياسة بن علي كانت مبنية على تجفيف المنابع وعلى جعل المؤسسات الدينية الرسمية كالافتاء والمجلس الاسلامي الاعلى هياكل خاوية ليست لديها القدرة على الاتصال بواقع الناس ومشاغلهم وهوما كان سببا مباشرا في تقلص وانكماش مساحة الاعتدال والوسطية بعد ان ضرب التصحر الديني والفكري في اكثر من موقع.
اما الان فيبدو ان محاولات الخروج عن النص واستعادة الصلة المفقودة بين المسجد والشارع لاتلقى حماسا او تشجيعا واضحا وتقتضي بذل مزيد من الجهد والوقت كي تنضج في العقول والقلوب.
اما الامر الاخر الذي يلفت الانتباه فهو انه بقدرما يمتد و يتسع نطاق الحرية بقدرما تضيق الصدور عن تقبل الاراء ووجهات النظر المخالفة وبقدرما يظن الجميع انه برحيل مستبد تسقط مظاهر الشخصنة تعود في المقابل ومن الابواب لا من النوافذ صور ومشاهد التقديس المفرط والاعمى لبعض الشخصيات ما يحول حتى دون مجرد الاقتراب منها او التعرض لها خارج السياق الرسمي القديم الذي جعلها ترتقي الى مرتبة الاسطورة.
التخبط الذي يعصف بتونس في انتقالها نحو الديمقراطية يوفر هامشا لتحطيم المؤسسات الشرعية والمس برموز الدولة بدعوى ان لا احد فوق النقد والمسائلة لكنه ويا للمفارقة يعيد انتاج نماذج فشلت في الماضي وكانت جزءا اساسيا من ماساة البلد لتقديمها كمخلص وحيد من الام ومحن الحاضر.
المصالحة الحقيقية تبدا بالتحرر من ارث الاستبداد وفتح سجلات التاريخ بامانة وموضوعية وردم الهوة التي قادت الكثيرين نحو الانفصام.وما فعله المفتي قد يكون خطوة رمزية على الطريق الصحيح ومؤشرا لثورة لكنه قد يتحول ايضا لمجرد صرخة في واد متى كان الاصرار على الاعلان عن ثبوت او تعذر رؤية الهلال اقوى لدى البعض من الحرص والعزم على تحريك الجمود الذي ابتليت به تونس وشل طاقاتها ردحا طويلا من الزمن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.