بقلم الأستاذ بولبابة سالم الوطن لهم وحدهم , أمّا نحن فأعراب و أفّاقيّون و دهماء و عامّة و سوقة و رعاع و رعايا . السياسة لهم وحدهم أمّا نحن فجهلة و أميّون و عربان و ريفيّون و أجلاف صحراء و سكّان الجبال و الفيافي و الأودية و كل عبارات " الحُقرة " التي عاني منها أبناء المناطق المهمّشة و الفقيرة و البعيدة عن المركز { العاصمة } , لا يعرف الحقرة إلا من عاش التهميش و مخلّفاته, و لا يعرف الفقر إلا من عرف معنى الحاجة . لفت انتباهي ما قاله النائب المحترم الطاهر هميلة يوم الأربعاء في المجلس الوطني التأسيسي عندما انتقد بشدّة تصرّفات بعض السياسيين الذين يحتقرون الإرادة الشعبية التي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011 لأنّهم يعتبرون السلطة ملكا لهم و يرفضون وجود من يعتبرونهم وافدين من المناطق الداخلية إلى مراكز السيادة . لقد سمّى عم الطاهر الأشياء بأسمائها و ذكر كيف أن السيد الباجي قايد السبسي و حزبه يريد السلطة دون تفويض شعبي و لا يعترف بالمجلس الوطني التأسيسي الذي دعا علنا في أكثر من مناسبة لحلّه لأنّه يرفض نتائج الإنتخابات التي أفرزت انتصار أحزاب لا تعجب فكره و آرائه السياسية , و ببساطة شديدة فهو يرفض أصوات الناخبين في سيدي بوزيد و القصرين و قفصة و تطاوين و باجة و مدنين و قابس و.... فمن يريد إلغاء هذا المجلس و تشكيل هيئة بديلة لصياغة الدستور و القيام ببقية المهام الأخرى الموكولة له فهو لا يعترف باختيارات الشعب التونسي . و لنكن أكثر صراحة فبعض السياسيين و النّخب تعتبر بقية المواطنين من المناطق الداخلية أغبياء و جهلة لأنّها صوّتت للنهضة و حلفائها و لم يصوّتوا للأحزاب " التقدّمية " , لذلك فلا عجب أن تظهر بعض الأصوات الإنقلابية التي تدعو إلى كنس السلطة الحالية و انتظار 3 سنوات أخرى للقيام بانتخابات جديدة . عم الطاهر لم ينس أقصى اليسار الذي تحالف مع الباجي قايد السبسي في مسعاه الإنقلابي و هم أيضا لا يعترفون بخيار الشعب الذي عبّر عنه في انتخابات حرّة شهد العالم بنزاهتها , و المفارقة أنّهم يتحدّثون باسم الشعب الذي اختار غيرهم للحديث باسمه . رغم أنّي لا أريد الحديث عن منطق " البلديّة " و شغفهم الجنوني بالسلطة و التأثير لكن الواقع المعيش يؤكّد هذا الأمر الذي ذكره عم الطاهر فعندما نسمع " نخب " تحتقر بعض أعضاء الحكومة الحالية لأنّهم من الجنوب و يعبّر عن ذلك بعض الفنانين بالإستهزاء من لهجة أهل الجنوب عبر إذاعات و قنوات تابعة لهؤلاء , فيصبح الأمر ممنهجا و معبّرا عمّا تخفيه صدور كبار القوم . لا يمكننا أن ننسى أنّ عمّ الطاهر انتقد بشدّة حركة النهضة التي رضخت لابتزاز قايد السبسي و نداء تونس و تخلّت عن السلطة التي وصلت إليها بتفويض شعبي و خانت من صوّت لها . لا يمكن أن نتجاهل كذلك ما صرّح به رئيس تيار المحبّة الدكتور محمد الهاشمي الحامدي الذي انتقد الإنقلابيين بشدّة و ووضّح بأنّهم يريدون السلطة دون انتخابات و لا يعترفون بأصوات المواطنين البسطاء في المناطق التي انطلقت منها الثورة , بل انتقد بشدّة بارونات السياسة في العاصمة الذين لا شغل لهم سوى النقاش في المسائل الإيديولوجية كالعلمانية و اللائكية و المرأة في الوقت الذي يعاني فيه الناس في المناطق الداخلية من البطالة و الفقر و غياب التنمية . من مفارقات الثورة التونسية أن تجد بعض السياسيين الذين أطلق الشعب ألسنتهم قد انقلبوا على من حرّرهم إمّا نكاية في خصم سياسي أو حقدا عليه . هؤلاء يتصرّفون باستعلاء و كبرياء و غرور مستفزّ لأنّهم ينظرون اليوم إلى القصبة و قرطاج كمناطق محتلّة . من يسكن قصر الحكومة و قصر قرطاج حاليا يؤكّد نجاح الثورة التونسية لكن ما يتعرّض له هؤلاء من إهانات و حملات تشويه تفوق الوصف , فالنقد الموجّه لهم من جماعة من يسمّون أنفسهم " البلديّة " لا تتعلّق بآدائهم السياسي { وهو مطلوب } بل بشكلهم و لهجاتهم و ذلك قمّة الإنحطاط الأخلاقي .