بقلم الدكتور محمد ضيف الله انتظرت ثلاثة أيام كاملة لعلي أظفر بمحتوى اللقاء الذي تم بين السفير الأمريكي وثلاثة من قيادة الجبهة الشعبية على رأسهم حمة الهمامي. ذلك أن البلاغ الذي نشر يوم 23 ديسمبر على صفحة الجبهة الشعبية على الفيسبوك، يترك المتابع على ظمئه بخصوص هذا اللقاء "التاريخي". حيث جاء البلاغ المذكور في 91 كلمة فقط، منها 40 كلمة حول إطار اللقاء و12 كلمة فقط للموضوع وخصص بقية البلاغ لنفي السفير الأمريكي لما ورد في جريد لومند! والواضح من كل ذلك أن البلاغ حاول إخفاء المواقف التي عبر عنها قياديو الجبهة الشعبية للسفير الأمريكي، حيث وقع التكتم عنها ولم يرشح منها أي شيء البتة. ويقيني هنا أن لو كانت الجبهة الشعبية متناسقة مع مواقفها السابقة من التدخل الأمريكي لحاولت أن توحي من خلال البلاغ أنها متشبثة باستقلالية القرار الوطني، إلا أن هذا الأمر غاب عن البلاغ وعن اللقاء أيضا فيما يبدو. وعلى أية حال لعل الأيام لن تطول قبل أن نقرأ ضمن تسريبات ويكيليكس الشهيرة ما قد تكون صرحت بها قيادة الجبهة الشعبية أمام السفير الأمريكي. من جهة أخرى تم إرفاق ذاك البلاغ المقتضب بست صور، يظهر فيها حمة الهمامي وهو يتوسط وفد الجبهة الشعبية إذ يجلس على يمينه رياض بن فضل وعلى يساره منير كشوخ، وهو في مواجهة السفير الأمريكي الذي يتوسط هو الآخر الوفد السفيري. كذلك لا بد أن نسجل هنا أن هذا اللقاء قد غابت عنه القيادات ذات التوجه القومي، سواء من التيار الشعبي أو البعثيين. ولسنا ندري هل كان غيابهم بطلب منهم تناسقا مع مواقفهم الرافضة للتدخل الأمريكي أم هو يعكس بعض الخلاف مع بقية قيادة الجبهة الشعبية الحاضرين في اللقاء. وسواء هذا أم ذاك فاللقاء -حتى إشعار آخر- لا يمكن إلا أن يكون ملزما لهم. حيث لم يبدر منهم حتى اليوم أي موقف مختلف. وبالعودة إلى موضوع اللقاء فإن الصور تبدي ما أصرت الجبهة الشعبية على كتمانه، ذلك أن حمة الهمامي يظهر في أغلب الصور وهو يتكلم بحماسه المعهود، في حين يظهر السفير الأمريكي منصتا أو مبتسما. وبعد، كنا قد سجلنا التخلي عن العديد من الشعارات التي رفعت خلال الثورة أو بعد انتخابات 23 أكتوبر، وها إن اللقاء بين وفدي الجبهة والسفارة الأمريكية يأتي على آخر الشعارات التي طالما رفعتها قواعد الجبهة الشعبية وحزب العمال تحديدا، ولن نسمع منهم بعد اليوم "شعب تونس، شعب حر، لا أمريكا، لا قطر". مع الأسف.