جربة: تسجيل 5 وفيات بسبب احتساء مشروبات كحولية مجهولة المصدر    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    جربة.. 4 وفيات بسبب شرب "القوارص"    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    نقابة الصحفيين تتضامن مع قطاع المحاماة..    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    أخبار الأولمبي الباجي: تركيز على النجاعة الهجومية    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    بقلم مرشد السماوي: تعزيز أمن وحماية المنشآت السياحية قبل ذروة الموسم الإستثنائي أمر ضروري ومؤكد    جندوبة الشمالية.. قرية عين القصير تتنفس نظافة    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار بلا قيود مع لطفي الهمامي
نشر في باب نات يوم 23 - 02 - 2014


حاوره / الطاهر العبيدي
محاولة منا لتفكيك طلاسم الجدل المثار حول مواقف " حزب العمال "، المتهم من طرف البعض بأنه المعرقل والمعطل للمسار الديمقراطي في تونس، كما آخرون يعتقدون جزما أو إيعازا بأنه من الساعين إلى تهديم السقف السياسي فوق رؤوس كل المخالفين والمناهضين لأطروحاته.
من أجل توضيح واستيضاح جملة المقاربات المعاكسة والمتنافسة والمتقاطعة، استضفنا هنا السيد " لطفي الهمامي "، السياسي والحقوقي، والمنتمي مبكرا " لحزب العمال الشيوعي " منذ انخراطه في الحركة التلميذية بمعهد " ابن شرف " بالعاصمة. حيث حوكم أول مرّة سنة 1989، كما أنه نشط صلب " الاتحاد العام لطلبة تونس "، ثم تتالت ضدّه المحاكمات سنوات 92 - 86 - 98- فكان عرضة للتعذيب والتنكيل بعائلتة، وقد أمضى 17 شهرا سجنا ببرج الرومي، والسجن المدني بتونس. ثم غادر البلاد ليتحصل على اللجوء السياسي بفرنسا سنة 2005، ليتوفى والده " ابراهيم الهمامي " دون أن يتمكن من رؤيته. ورغم قساوة المنفى فإنه لم يتخلف عن المساهمة في الفعل المهجري مع غيره من الوطنيين في تأسيس حركة 18 اكتوبر،" والمنظمة الدولية المهجرين التونسيين ".إضافة إلى أنه عضو سابق بالهيئة المديرة لجمعية مقاومة التعذيب. ولاستجلاء بعض الآراء كان معه هذا الحوار من جملة الحوارات المنفتحة على مختلف التوجهات والرؤى.
أنت أحد المناضلين والناشطين سياسيا صلب " حزب العمال " بقيادة الأستاذ" حمة الهمامي "، وحزبكم حاليا هو ضمن تحالف مجموعة حوالي عشرة أحزاب يسارية، تشكلت فيما يطلق عليه " الجبهة الوطنية للإنقاذ ". فهل يمكن القول كما يقال أن حزبكم صار يبحث عن مظلة أخرى تقيه حالة الانكفاء والانحصار، التي كشفتها انتخابات 23 اكتوبر( تشرين ) 2011، والتي لم تتحصلوا فيها سوى على 3مقاعد، بنسبة ضعيفة بلغت 1،57 في المائة، وبمجموع652 63 صوت. ممّا جعل وزنكم بمستوى حجمكم في المشهد السياسي، رغم أن حزبكم موجود على ساحة النضال السياسي طيلة 28 سنة، وتحديدا سنة 1986؟
من الناحية السياسية يظهر أن الجميع اقتنع بأن حزب العمّال لا يمكن تجاهله, فهو حزب نشط ويتجاوز تأثيره دائرة الضغط إلى التأثير في الأحداث الوطنية، سواء في فترة حكم المخلوع أو أثناء الثورة أو بعدها.
وبخصوص الانتخابات، فعلا فقد تكبّد "حزب العمّال" نتائج هزيلة مقابل انتصار انتخابي لقوى أخرى لم تكن موجودة أصلا مثلا " العريضة ألشعبية " أو أحزاب موجودة ولكن ذات تأثير محدود مثل " حزب المؤتمر من أجل الجمهورية "، أو " حزب التكتل من أجل العمل والحريات ". وفي هذا الصدد توجد عدة عناصر تقييمية ونقدية تخصّ "حزب العمّال"، ولقد بيّن بعضها، ولكن هناك عناصر ذات أهمية سوف تكشف عنها الأيام.
لكن أين نحن اليوم؟ أين جماعة الصفر فاصل؟ هناك من يعتقد أنهم ميدانيا المسيطرون. بمعنى أن شرعية الانتخابات ظلت مهزوزة أمام شرعية الحركة النضالية لاستكمال مهمّات الثورة. لقد ظل الحزب واقفا الى جانب الشعب, وتوسع تأثيره لدى العديد من الأوساط, في حين ان العديد من اللذين تحصلوا انتخابيا على موقع هام اندثروا تماما ,وآخرون تجزؤوا الى احزاب صغيرة وآخرون تذيلوا تماما لحركة النهضة. لذلك اعتقد ان حجم حزب العمال اكبر بكثير مما تحصل عليه في الانتخابات, التى لم تنصف نتائجها لا حزب العمال فقط وإنما العديد من رموز الثورة في الجهات باختلاف قناعتهم وتنظيماتهم الحزبية والنقابية والمستقلة. أما عن العمل الجبهوي فنعتبره حجر الاساس لتجاوز حالة التشتت وبناء قوة تقدمية مناضلة, نحن في حاجة الى تجميع كافة القوى التقدمية منها الجبهة الشعبية لتحقيق اهداف الثورة التي تهدف من بين أهدافها كذلك الى كسر القطبية والثنائية في المشهد السياسي, وجبهة الانقاذ الوطنى التي تعمل على سدّ الباب أمام نشوء دكتاتورية جديدة.
حزبكم غيّر اسمه بتاريخ 10 جويلية (تموز) 2012، ليتحوّل من " حزب العمال الشيوعي التونسي " الى " حزب العمّال "، وبذلك يختفي مصطلح الشيوعية من العنوان، ما فسّره بعض المحللين أنه نوعا من التخفّي وشكلا من أشكال المغازلة الشعبية، وتجنبا لمصادمة هويّة المجتمع التونسي، الذي يرفض الشيوعية كعقيدة وكمنهج حياة؟
تغيير الاسم مسألة تخضع إلى المعطيات السياسية والواقعية وليست مرتبطة بالخلفية الاستراتيجية للحزب. في تونس لسنا استثناء, فكافة الأحزاب غيّرت أو حوّرت في أسماء تنظيماتها, بما في ذلك التنظيمات ذات المرجعيات الإيديولوجية. وحزب العمّال بعد تجربة قصيرة في العلنية تبيّن لنا ان فئة واسعة من التونسيين لا يفرّقون بين الشيعة والشيوعية، وآخرون يعتقدون أن الشيوعية تعنى استنساخ التجربة الشيوعية السوفيتية والبعض ينظرون إليها على أنها معادية للهوية والدين. كما برزت لدينا مشكلات في التواصل مع المواطن، فعندما نتوجّه له ببرنامجنا وبدلا من التركيز على محتواها نصبح في جدال حول مصطلح الشيوعية, إضافة إلى أن الدعاية المضادّة السهلة والملاحقة الفكرية التي تعرضنا لها ولا نزال من قبل الخصوم السياسيين سواء الليبراليين اللذين اخطئوا الهدف في هذه المرحلة التاريخية، أو الحركات ذات المرجعية الدينية, لذلك عدّلنا من إسم الحزب لتجنب المجادلات ذات الطابع الايديولوجي. أما ما خص خط الحزب, فنحن لم نغيّره سواء الفكري اوالنظري او السياسي، ونعرّف حزبنا بأنه منظمة ثورية. نحن حزب ديمقراطي وطنى ثوري اشتراكي, ونصنف أنفسنا من جيل اليسار الجديد الناقد لكافة اشكال الدغمائية.
في سنوات الاستبداد السياسي كان حزبكم أحد الذين رفعوا سقف المطالب عاليا، ومن ضمنها المناداة بجديّة بمطلب العفو التشريعي العام، مع التأكيد على التعويضات المعنوية والمادية للمتضررين من واقع الطغيان السياسي. فلماذا الآن تتنكرون لما كنتم تتبنونه سابقا، لمّا فتح الحديث عن جبر الضرر للمضطهدين سياسيا، بل أصبحتم من المعرقلين لهذا التوجّه؟
يطرح موضوع العفو التشريعي العام و جبر الضرر المادي والمعنوي حاليا ضمن منظومة العدالة الانتقالية.
ومن بين الاسس التى تنطلق منها هذه المنظومة هي كشف حقيقة ما حصل من انتهاكات, والوقوف عند اسبابها الموضوعية, ومعرفة من كان يقف وراءها أمرا وتنفيذا على قاعدة مبدأ "عدم الافلات من العقاب" وكشف بشاعة الانتهاكات والمتضررين منها, افرادا ومجموعات. و كشف الحقيقة كاملة يكون بمشاركة المجتمع كعملية تربوية تمكّن الشعب التونسي من التحصن من امكانية نشوء دكتاتورية جديدة, وسد الباب امام امكانية نشوء ظروف سياسية لبروز مقومات للانتهاك. وهذا بالفعل ما يتطلب عدالة انتقالية تبدأ بالكشف عن الحقيقة وتمر الى المحاسبة ثم الى جبر الضرر المادي والمعنوي وفقا لمنهجية موضوعية باعتبار ان العدالة الانتقالية هي منظومة ذات وظيفة اجتماعية بالأساس.عندما يكون الشعب مطلعا على حجم التضحيات فداء للحرية والتقدم على جميع الاوجه , عندها سوف يدافع عن حق المناضلين, بل سوف نرى كيف يقدم لهم اعادة الاعتبار بشكل طوعي وعندها فقط يقبل الناس معنى التعويض المادي والمعنوي ولا يفهمونه كاعتداء اخر على حقوقهم. فتكون بذلك العدالة الانتقالية ذات وظيفة تربوية, ذات رسالة نبيلة ومعنى سياسي راقي في بناء نظام ديمقراطي بديل .
أما اذا انطلقنا مثلما انطلقت النهضة وحلفاءها من منهجية التعويض فالمحاسبة ثم كشف الحقيقة, عندها يفتح الباب امام الجلاد لارشاء الضحية حتى لا تكشف الحقيقة, وحتى يكون الافلات من العقاب الارضية الصلبة لعودتهم الى المجال السياسي والفعل الاجتماعي والاقتصادي من مواقع الانتهازية المتغلفة بنظافة اليد.هذا هو المعنى الذي كنا دافعنا عنه بكل شراسة عندما كان المدخل السياسي في عهد بن علي يلخصه مطلب العفو التشريعي العام والذي اصبح جزء من منظومة العدالة الانتقالية اليوم, ولكن جوهر المقاربة لم يتغير.
ما أصبح ملاحظا ومتداولا لدى المواطن التونسي العادي، أن معارضتكم ليست معارضة إيجابية، بقدر ما هي نوعا من التعطيل والتشكيك في كل شيء، والسباب المجاني " لحركة النهضة"، بل وآخرون يحيلون هذا النهج الى أنكم لم تستسيغوا صعود الحكّام الجدد، الآتون من السجون والمنافي، وترون أنفسكم أجدر بالحكم، حتى وإن لم تفرزكم الصناديق، واتجه خطابكم نحو هذا المنحى السجالي، ممّا انعكس سلبا على الأداء وفقدانكم للمصداقية لدى عامة الناس؟
هناك فكرة رائجة تعتبر أن موقفنا مطلق السلبية من وصول "حركة النهضة "الى السلطة, وهذا غير صحيح, بل أن وصول هذه الحركة كشف حقيقتها أمام الشعب ولو أنها بقيت في المعارضة لكان تأثيرها على المجتمع أوسع وأقوى. ثم أن الثورة لم تنطلق من فكرة إيصال الآتون من السجن والمنفى إلى الحكم, فهذا موضوع آخر, ورغم ذلك أقول من اين نحن قادمون؟ أليس من نفس المجتمع ومن موقع النضال ضد الدكتاتورية بسجونها ومنافيها. كما أننا نعتبر ان الأجدر هو من يختاره الشعب. ومن هذه الزاوية نحن اعترفنا بنتائج الإنتخابات، ولكن هذا لا يعنى التخلي عن النضال من أجل تحقيق برامجنا، ولا ينزع عنا معارضة " النهضة " أو غيرها لإتباعها سياسة فاشلة. ومن هذا المنظار هل يوجد في تونس قطاع لم يتمرّد على " الترويكا " ولم ينقدها بلا هوادة. إذا الموضوع يتجاوز " حزب العمال " إلى كافة القوي السياسية والاجتماعية التونسية. ليس لأن النهضة حزب ذو مرجعية دينية وإنما لأنه حزب سياسي فشل في تأمين المرحلة الإنتقالية وفقد مصداقيته بوعود كان قد اطلقها أمام عامة الناس ثم لم يوفّي بها.
الإضرابات المتتالية والتي أثرت بشكل واضح وجلي على انكماش الاقتصاد التونسي، يصنّفها بعض المراقبين أنها بإيعاز منكم، من أجل افشال حكم الترويكا، وتخفيض شعبية النهضة، ويتهمونكم بأنكم وراء تعفين الأوضاع الاجتماعية، بحكم أن أغلب القيادات النقابية الجهوية تنتمي لحزبكم؟
أولا انكماش الاقتصاد التونسي لا تعود اسبابه الموضوعية الى النضالات العمالية من اضرابات واعتصامات, وهذه دعاية سياسية حزبية لتبرير الفشل وغياب الرؤية. ثانيا نحن عندما نتحدث عن الاقتصادي نربطه بالاجتماعي وهو ما يفرق وجهة نظرنا الاقتصادية الاجتماعية عن النظرة الليبرالية المتوحشة التي تنخرط فيها النهضة الى الآن. كما نعتبر أن الاضرابات والاحتجاجات السلمية هي ظاهرة اجتماعية سليمة لأنها هي القوّة الثورية التي سوف تفرض تغيير منوال التجربة التنموية التونسية على أنقاض الحالية. ولا يمكن تجريم الحراك المطلبي النقابي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي والثقافي، لأنه الأكثر شرعية والأكثر أحقية باعتباره مرتبطا بأحوال المواطنين الضعفاء وبالطبقات الشعبية المهمشة, كما أنه صمام أمان الثورة التونسية من الغدر الايديولوجي والسياسي, وهو ضمانة لتحقيق اهداف الثورة , ونحن في حزب العمال لن نجرمه سواء كنا في المعارضة او في السلطة , والرد الحقيقي على تلك التحركات والاحتجاجات هو الاستجابة الى مطالبها وطمأنتها وفتح الآفاق والأمل أمامها عبر خيارات اقتصادية اجتماعية وسياسية جدية وقابلة للتحقيق. فالنهضة تستعمل هذا الموضوع للابتزاز السياسي وهي تتستر عن الحجم الحقيقي للإضرابات والتحركات ذات الطابع الاجتماعي بل تحشرها مع مظاهر اجتماعية أخرى وتتحدث كأنها في المعارضة في حين أنها في السلطة التنفيذية والتشريعية قبل قدوم حكومة مهدي جمعة. وإذا نظرنا بموضوعية نقول: من ساهم في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؟ هل هي الاضرابات أم الفساد والتجارة الموازية والسوق السوداء، وغياب السلطة الجهوية والوطنية في ضمان حقوق المواطنين، وإشاعة الرشوة وسوء التصرف، وكل هذا مثبت وليس ادعاء, إضافة الى تخبط حكومة " الترويكا " والضرب بالسيف في الماء أي أنهم لا يملكون برنامج اقتصادي اجتماعي, لذلك استندوا إلى برنامج بن على والسبسي. فحزب العمال لن يتراجع عن الدعم والنضال في صفوف العاطلين والمهمّشين والعمال والجهات المحرومة، كما أنه لن يجرّم الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي بل سوف يدعمها حتى في ظل الحكومة الحالية. ثم أن الترويكا ليست في حاجة إلى حزب العمال حتى يفشل حكمها فهي ذات قدرة عالية على تدمير مشروعها بنفسها انظر مثلا ميزانية 2014.
لو عدنا قليلا للوراء وتحديدا سنة 2005 إبان انطلاق حركة 18 اكتوبر (تشرين )، والتي كان حزبكم أحد المؤسسين والفاعلين في هذا الحراك، الذي أسس لأرضية التقاء بين مختلف الفرقاء، من أجل المشترك السياسي، وكان ذلك زمن الديكتاتورية. والآن وفي زمن الثورة والبناء نراكم معطلين لكل ما هو توافق، آخرها خروجكم عن إجماع خريطة الطريق؟
التقاء 18 اكتوبر كان الغرض الأساسي منه عزل الدكتاتورية والإطاحة بها, وأول متضرر من " 18 اكتوبر " كان نظام " بن علي " دون شك وربحت" النهضة " من جهتها فك العزلة السياسية, ولكن أول من أدار الظهر لاتفاقيات 18 اكتوبر هي النهضة في أول منعرج سياسي ثوري عندما هرولت الى حكومة الغنوشي ثم السبسي. وبعد انتخابات 23 اكتوبر نفذت النهضة اقتصاديا برنامج " بن علي "، بل أنها كانت نيولبرالية مع اقتصاد السوق والمديونية، وتمسكت بالأسباب الموضوعية التى اشعلت فتيل الثورة, أما من الناحية القانونية والقيم بصفة عامة فبرهنت النهضة على أنها يمينية تقليدية تهدد كافة جوانب الحداثة الثورية، مثل التعليم الموحّد وحياد دور العبادة والقضاء المستقل ومدنية المؤسسات الخ, ومن الناحية الخارجية كرّست المزيد من التبعية, على قاعدة هذا التقييم لا نجد معها توافقا, ونعتبر أننا ساهمنا في منع نشوء دكتاتورية جديدة بقيادة " حركة النهضة ". علما وأن حركة النهضة أو المؤتمر أو التكتل ما قبل الحكم وجه وأثناء الحكم وجه ويمكننا العودة الى المنشورات وغيرها من الأدلة للتدليل على انهم اصحاب وجوه متعددة.
قانون العدالة الانتقالية المصادق عليه أخيرا من طرف المجلس الوطني التأسيسي، والذي وصف بأنه أمر دبّر بليل، فكيف تقيمونه وكيف تقرؤون الإشارة الخافتة حول قضية المهجرين، التي جاءت غامضة لا يمكن التعويل من خلالها على استعادة المهجرين لحقوقهم والاعتراف الصريح بمعاناة سنوات المنفى والتهجير؟
صدر هذا القانون في مناخ اجتماعي وسياسي رافضا له, لأن الأولوية تغيّرت وحاجة عموم التونسيين إلى الشغل والتنمية والعدالة الاجتماعية والأمن والإدارة سيطرت على المشهد السياسي والاجتماعي العام, كما ان تحقيق اهداف الثورة اصبحت مشكوك في امكانية تحققها. وما قامت به النهضة وحلفاءها من التعيينات وإساءتها لموضوع العدالة الانتقالية عبر المماطلة وربح الوقت وترك الفرصة للجلادين حتى يتمكنوا من تحصين انفسهم وشراء ذمم الضحايا جعل هذا القانون وكأنه متناقض وتطلعات عامة فئات المجتمع. ليست اذا العدالة الانتقالية منفصلة عن المناخ العام بل هي جزء منه فالرفض الواضح لممارسات السلطة السياسية والتشريعية عممت كذلك قانون العدالة الانتقالية.
لكن الموضوع لم ينتهي, وأتوقع عودته بأكثر حدة سواء في ما تبقى من الفترة الانتقالية او ما بعدها من استحقاقات. أما عن استعادة المهجرين لحقوقهم فمن الواضح انهم تخلوا عنه تماما لان الامر لم يعد يعنيهم, وترجمت هذه الفكرة في نص القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية.
أنت أحد المؤسسين " للمنظمة الدولية للمهجرين التونسيين "، وقد انتخبت في مؤتمر جوان (حزيران ) 2008 بجينيف عضوا بالمكتب التنفيذي/ الذي يضمّ أحزابا مختلفة ومستقلين، ومن بين الأعضاء ورفقاء الدرب، نذكر على سبيل المثال السيّد " عماد الدايمي " والدكتور " سليم بن حميدان "، فهل ما زلت على تواصل معهم، أم أن المناصب والحكم يغيّر الأنفس والعقليات، وإغراءات السلطة تشطب من الذاكرة القصيرة عناوين الود والعرفان، وتتنكر بسهولة لمعاني الصداقة؟
على إثر انتخابات 23 اكتوبر 2011 كان بيني وبين "عماد الدايمي " اتصال هاتفي، وقدّمت له فكرة اجتماع المكتب التنفيذي للمنظمة في تونس، بعد أن حققت الثورة مطلب العودة، معتبرا أن مهمّات المنظمة مستمرّة إلى حين تحقيق بقية مطالبها في كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر المادي والمعنوي. إضافة إلى إنجاز دراسات في مجال اختصاصها، وتقديم مساهمة تشريعية ونضالية ميدانية, ولقد رحّب بالمقترح في البداية دون رد خبر في الغرض, فكان آخر اتصال بيننا. فلما كان منه إهمال المشروع والعلاقة كان منّي بالمثل. فلما تطور الوضع وبات في القصر وتبوّب الدكتور " سليم بن حميدان " منصب وزير أملاك الدولة، من جهتى لم أعمل على التواصل بهدف البحث عن المشترك لأن ما هو علاقة صداقة لم يعد ينفصل عمّا هو سياسة من جهتهم. وتدرّج من ناحيتي وبلغ درجة الصفر عندما وقع التنكر جملة وتفصيلا لأهداف الثورة، كما بلغنى يقينا أن باب التملق قد فتح في القصر، وكذلك في الوزارات. فتأكد لي أن علاقاتهم أصبحت في المصلحة المباشرة، فإذا بلغ الأمر هذا المعني, فإن نواة السياسة القديمة قد عادت, ولن تمنع حينها صداقتنا بالأمس مواجهتهم اليوم. ودعك منّي فهل حاول" عماد الدايمي " أو " سليم بن حميدان " الاتصال بك ولو مجاملة، وقد كنت ضمن المؤسّسين " للمنظمة الدولية للمهجرين التونسيين "، وعضوا منتخبا بمكتبها التنفيذي، إضافة إلى وجودك على ساحة النضال الإعلامي والحقوقي قبل أن يأتي أحدهما من " موريتانيا " والآخر من " لبنان "، فلا منفعة لهم الآن من " الطاهر العبيدي " في زمن البحث عن المريدين، ومن يسهل عليه التنكر لرفاقه وأصدقائه، يسهل عليه ببساطة التنكر لمبادئه وقيمه، ولا يستأمن على طموحات المواطنين، وأحلام الناس.
---------------------------
سؤال غير منفصل عن الحوار؟
ونحن بصدد اجراء الحوار، نزل خبر سعيد يبشر بوصول" شادي" فتهانينا لمحاورنا لطفي الهمامي، بابنه البكر، وتمنياتنا بالخير والسعادة لزوجته المحامية " السيدة الغزواني " بأول مولود جاء زمن الثورة، ونتمنى أن يكبر في وطن الحرية والعدالة، ولعله يكون معارضا لنهج والده، ومتمردا سياسيا ضد أمه، وبذلك تتأسس الدولة المدنية وثقافة الاختلاف الحضاري في العائلة، لتعمّم في المجتمع.. مرة أخرى تهانينا لكل العائلة البيولوجية والسياسية بقدوم صاحب السموّ الطفولي " شادي ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.