فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    عاجل/ هذه الدولة تحذر من "تسونامي"..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في المسار التاريخي لحزب العمال في ذكرى تأسيسه

لا شك ان مسار أي حزب مهما كانت ايديلوجيته ومبادئه وأفكاره مرتبط بمؤسسيه و مناضليه إلا أن تاريخه هو ملك للشعب بكامله وهو ملك للمؤرخين والنخب دراسة وتقييما من اجل بناء الغد الأفضل لذلك الشعب بكل مكوناته وهو ما حدا بنا إلى هذه القراءة المتواضعة للمسار التاريخي لحزب العمال رغم الاختلاف الايديولوجي والسياسي مع هذا الحزب بحثا عن الحقيقة ومساهمة في نحت مستقبل ملؤه الاعتراف بالأخر ونبذ عقلية الإقصاء التي رسخها التجمع المُنحل طوال أكثر من 5 عقود...
الحلقة الاولى :
اليسار الماركسي والتنظيمات الشيوعية واليسارية قبل تأسيس حزب العمال
1- الحركة الوطنية التونسية وظهور التنظيمات والاحزاب :

لاسباب اقتصادية ودينية وثقافية متعددة رفض سكان تونس الاستعمار الفرنسي الذي دخل تحت عباءة الحماية محدثا تحولات جذرية في المجتمع التونسي رغم ولادة الحركة الوطنية التونسية وظهورها القوي خاصة بعد الحرب العالمية الأولى ( الولادة الاولى قبل الحرب 1907-1912 ثم بعدها 1919 – 1921 ) حيث نشأ التباين في الحياة اليومية بين التونسيين والفرنسيين.
بل ورسخته عديد الأحداث والظروف مثل سوء المحاصيل الزراعية لأكثر من نصف قرن إضافة إلى اندلاع الإضرابات ، كل ذلك جذر الحركة العمالية التونسية عبر تشكيل الحامي لأول تنظيم نقابي بعد عودته إلى تونس سنة 1924 ( جامعة عموم العملة التونسيين ) كل ذلك بعد أن أسس الشيخ الثعالبي حزبا وطنيا هو وعديد من أعيان البلد إضافة الى جمع من المثقفين ذوي التكوين الجامعي والفرنسي أساسا سنة 1920 وهو أول حزب سياسي جماهيري يقود الحركة الوطنية التونسية .
2- ظروف بداية نشوء الحركة الشيوعية التونسية :
بالتوازي ذلك النشاط النقابي والسياسي وبعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا القيصرية ، بدأت الخلايا الشيوعية في الظهور بالبلاد رغم اقتصارها في البداية على أوساط الجاليات الأوروبية المقيمة في البلاد ( فرنسيين ، ايطاليين ويهود تونس ) ، هذا وتم عقد المؤتمر التأسيسي لتلك الخلايا في شهر ديسمبر من سنة 1912 كجناح تابع للفرع الفرنسي للأممية الشيوعية وتبع ذلك إصدار جملة من الدوريات والصحف الشيوعية مثل " حبيب الآمة " إلا ان المستعمر الفرنسي سارع الى اصدار مرسوم يمنع الدعاية الشيوعية باللغة العربية (1)، وحرص التونسيون الملتحقون بتلك الخلايا على بناء حزب بروليتاري قادر على قيادة الحركة الوطنية التونسية بل وانخرطوا في البداية في النضال الوطني عبر تدعيم الحزب الحر الدستوري رافعين مطلب الاستقلال السياسي لتونس الا انهم انقلبوا على مواقفهم بداية من سنة 1929 وتمثل ذلك الانقلاب في معاداة الحزب الحر الدستوري تاثرا بمواقف الاممية الثالثة في حين نظروا الى الحركة الصهيونية بصفتها مجرد مستغل لقوة عمل العرب بل وتفريغها من أي مضمون سياسي وتحميلها مضامين انسانية وخيرية فقط ...
3- الحزب الشيوعي التونسي : النشأة والمسيرة حتى ظهور حركة آفاق :
مع تأسيس الحزب الدستوري الجديد نشط الشيوعيون ضمن الفرع التونسي للحزب الشيوعي الفرنسي بل وتعرضوا للاضطهاد من طرف المستعمر الفرنسي فتم اعتقال قياداتهم ممثلة في محمد علي جراد و حسن السعداوي الا انهم في سنة 1936 ومع تولي الجبهة الشعبية الحكم في فرنسا التحقوا بمعترك النشاط في اوساط الجماهير والنقابات واحدثوا فروعا جديدة وطالبوا بتحقيق جملة من الاصلاحات :
§ تمثيل التونسيين في صلب مجلس منتخب وحكومة مسؤولة.
§ النظر في اصلاح النظام الاداري والقضائي لمصلحة التونسيين.
§ اصلاحات اقتصادية واجتماعية مثل اقرار ثماني ساعات عمل في اليوم والمطالبة بالعطلة الاسبوعية .
§ تبني المسألة الوطنية كما طرحتها حكومة الجبهة الشعبية لحل مسألة المستعمرات .

وفي شهر مارس 1939 تمت "تونسة" الحزب مما يعني الانفصال عن الحزب الشيوعي الفرنسي عبر التسمية " الحزب الشيوعي بالقطر التونسي " وعبر القيادة حيث تم انتخاب علي جراد امينا عاما ، ورغم ذلك ارتكب الحزب الشيوعي اكبر خطأ في تاريخه مما اثر سلبا في قوته حيث تبنى موقف " الفاشية هي الخطر الاكبر" الذي رفعه الاتحاد السوفياتي مما جعله يقف ضد استمرار الكفاح التحرري الذي يخوضه الشعب بل واعتبر الحزب الجديد "عميلا" للفاشية لأنه لم يجمد نضاله السياسي ضد فرنسا بل ان الحزب اعتبر ".. أن المسألة في الظروف الحالية ليست مسألة استقلال ولكن تتمثل في استئصال مخلفات الفاشية وسحق القوى الاجتماعية التي ولدتها وساندتها : الاحتكارات الاقتصادية وكبار المعمرين والاقطاعيين ..." (2)، بل وصف علي جراد نصير الحركة الوطنية المنصف باي، على الملأ بالعميل للفاشية ، بل وردد مناضلوه النشيد الوطني الفرنسي لامارسيز ( تجمع 17/04/1944 ) ، وهي جملة المواقف التي قام الحزب باجراء مراجعة نقدية لها [3]في ما بعد ......
وبعد الاستقلال عقد الحزب الشيوعي مؤتمرات ثلاث :
§ المؤتمر الخامس : عقد سنة 1956 أي عام الاستقلال وفيه تم تعديل النظام الداخلي لاقرار عدم امكانية انتماء غير التونسيين للحزب وهو ما جعل الحزب الشيوعي الفرنسي يحتج على ذلك ... الا ان الحزب انحاز الى بورقيبة وتنكر مرة أخرى لمطامح الشعب التونسي الوطنية بل واتهم اليوسفيين بعملاء الاستعمار وهو ما لم يفعلها حتى بورقيبة نفسه .." ... نعم نحن نعرف ان هناك تونسيين ينتمون الى الاستاذ صالح بن يوسف ويطبقون أوامره وصلوا الى استعمال العنف ضد تونسيين آخرين ..... وبالفعل فقد آسفنا في هذه الايام لحصول اعتداءات مجرمة لا يستبعد ان تكون فيها ايدي غلاة الاستعماريين ...." [4]
§ المؤتمر السادس : عقد سنة 1957 حيث قوم الحزب الشيوعي مجمل سياساته مواقفه وممارساته ....الا انه اكد اقتفاءه لاثر بورقيبة في حماية المصالح الفرنسية في تونس
" فعلى قاعدة الاحترام الكامل لسيادتنا الوطنية يمكن ومن الواجب ضمان حقوق فرنسا المشروعة وحقوق رعاياها بالبلاد التونسية هذه الحقوق التي لا تشابه بينها وبين امتيازات مؤسسات الاحتكار الاستعمارية ..." [5]
§ المؤتمر السابع : عقد في مارس 1962 والذي تم تكريسه من اجل بناء حزب ماركسي بعد مراحل التقييم رغم مطابقة مواقفه الى مواقف الحزب الشيوعي الجزائري الذي عارض الثورة المسلحة في الجزائر ، بل حصر برنامجه في النضال من اجل غدخال اصلاحات سياسية على نظام الحكم لان العمل لايجاد حلول ملائمة "يتطلب تدخل قوات وطنية أخرى ومشاركتها مشاركة فعلية في تصريف شؤون الامة ..." [6]
4- ظروف نشأة منظمات اليسار الجديد في تونس :
ساهمت جملة من العوامل الاساسية قطريا وعربيا ودوليا في ظهور تيارات يسارية تنتقد الحزب الشيوعي التونسي وتصفه بالتحريفية لطبيعة الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها قيادته التاريخية ولعجزه عن تلبية مطالب الجماهير من فلاحين وطلاب وعمال وفي بناء حزب بروليتاري ،اما اهم تلك العوامل فهي :
1. دوليا : ولادة حركات ماوية ( نسبة الى ماوتسي تونغ في الصين ) وتروتسكية ( نسبة الى تروتسكي ) والتي اعتبرت الاحزاب الشيوعية الكلاسيكية أحزابا تحريفية بل وانتهجت خط العداء للبلدان الاشتراكية ككل وخاصة الاتحاد السوفياتي والذي وصفته هذه الحركات بالدولة الامبريالية ....
2. عربيا : حالة اليأس في جميع الاقطار العربية بعد انفصال الوحدة المصرية السورية وبداية ظهور التفوق الاسرائيلي وعجز الانظمة العربية عن حماية الاراضي العربية وفشل مشاريع النهضة .......
3. قطريا :
أ‌- هيمنة الحزب الواحد فكرا وممارسة : ففي سنة 1962 تم التفطن الى المحاولة الانقلابية التي كان سينفذها مجموعة من العسكريين والمدنيين من اليوسفيين والطلبة الزيتونيين ضد بورقيبة واركان حكمه مما جعل بورقيبة يلغي التعددية السياسية القائمة على علتها وحظر الحزب الشيوعي تباعا بوصفه عمليا الحزب المعارض العلني الوحيد.
ب‌- تدجين المنظمات : اضافة الى مصادرة الصحف والدورات ذات النفس المعارض والمستقل تم تدجين المنظمات والجمعيات عبر الحاقها بالحزب الحاكم ( اتحاد الطلبة – اتحاد الشغل – اتحاد الاعراف ...) .

كل هذه العوامل وبدرجات متفاوتة ساهمت في جنوح الشباب الجامعي واساسا في فرنسا في التاثر بالافكار الماوية والتروتسكية والايمان ب " الثورة البروليتارية العاجلة " والايمان بمحاولة ايجاد جملة من المسائل من اجل التحرر وايجاد فضاءات للحرية والعدالة ....
5- تجربة آفاق :
بناء على تلك الظروف في بداية الستينات وذلك الحماس الشبابي وعامل الايديولوجيا في تلك الفترة قام عديد الطلاب والباحثين والاساتذة الجامعيين والرافضين لسياسة الحزب الشيوعي وغيره من المنظمات والاحزاب ( حركة الاشتراكيين العرب – مجموعة كفاح التروتسكية ....) بتكوين " تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي في تونس " والذي عرف بالتسمية المختصرة : آفاق والذي تم بعثه تنظيميا في باريس صيف سنة 1963 من اجل هدف اولي هو الاهتمام ببعض القطاعات الجوهرية التي تهم مستقبل تونس واعداد الدراسات الضرورية [7]لفتح افاق ارحب للبلد وهو ما تجسم في اصدار مجلة باسم " آفاق تونسية " والتي كان شعارها " من اجل تونس افضل " والعمل على التصدي لسياسات النظام البورقيبي الدكتاتورية المنهكة للحريات العامة ومحاولة توحيد القوى اليسارية التونسية .
عمليا ساهمت افاق في خوض نضال كبير طيلة فترة الستينات في مواجهة احتكار الحزب الحاكم للحياة السياسية مما حدا بالحزب الى تغيير اسمه " الحزب الاشتراكي الدستوري " في مؤتمر المصير سنة 1964 وهي نفس السنة التي تحولت فيها آفاق الى تنظيم سياسي سري اقرب الى الحزب والانتقال من باريس الى تونس بعد اللقاء-المؤتمر بمنطقة الشراحل بالمنستير حيث تبين للمجتمعين ضرورة التخلي على الهيكلة الافقية واعتماد الهيكلة الحزبية على حد عبارة الباحث عبد الجليل بوقرة ومن ثم تعددت انشطة آفاق :
§ تكوين جملة من الفروع داخل البلاد( قفصة– صفاقس......)
§ المشاركة في الهيئات النقابية والطلابية وفي الملتقيات الفكرية (مؤتمر الاشتراكية في العالم العربي، ندوة بورصة العمل حول سياسة التعاضد)
§ المبادرة في خلق مناخ فكري وتنشيطه وتطوير الصراع الايديولوجي ايجاد صحافة معارضة في فترة الستينات.
§ المساهمة في مساندة قضايا التحرر في العالم ( المساهمة في بعث " لجنة فيتنام السرية " – القيام بمسيرة ضد زيارة وزير خارجية فيتنام الجنوبية الى تونس....).

لكن رغم كل ذلك فان جملة من العوامل ساهمت في اندثار حركة آفاق بمجرد قيام اول محاكمة لها واهما حسب مؤسسيها :
أ‌- شراسة القمع الذي تعرضت له الحركة فقد كانت مواجهة غير متكافئة وقمعا لا يطاق تميز بالتعذيب والاحكام الجائرة والمضخمة ...( خمسة من افراد التنظيم كانوا مهددين بحكم الاعدام ....) كل ذلك يبرو ان قوة الضربة التي وجهتها السلطة كانت اقوى بكثير من حجم الحركة ....
ب‌- أن المجتمع التونسي غير مستعد للصراعات الراديكالية فالمجتمع التونسي يعيش منذ فترة طويلة من تاريخه في رقعة جغرافية صغيرة ومسطحة لا مكان فيها للاحتماء بالجبال والادغال ولا مكان فيها للتناقضات الاساسية او العرقية ... .[8]

6- منظمة العامل التونسي :

تاثرا بالحركات اليسارية الماوية والتروتسكية في أروبا ونتيجة للصراع بين الصين والاتحاد السوفياتي قطبا المعسكر الشرقي في نهاية الستينات وبناء على التوق الى التغيير الجذري والثوري الذي كان يحن اليه طلاب تونس انذاك طموحا في التخلص من نظام الحزب الواحد استجاب عدد من كوادر افاق ممن لم يوافقوا على مضمون الكراس الاصفر حول القضية اللفلسطيسنية ، الى تاسيس "العامل التونسي" أي تطابقا مع اسم المجلة المعوضة لنشرة "آفاق" والتي اصبحت تحرر باللهجة المحلية التونسية .
ورغم اتفاق قادة العامل التونسي على الموقف من النظام فان المنظمة ظلت متلقنة لاطروحات المدارس الفكرية العالمية من دون الحسم في التناقضات الفكرية والسياسية التي كانت قائمة في تجربة آفاق مما أوجد بالضرورة جملة من الصراعات الداخلية .
أما نشاط المنظمة فقد تركز في النقابات ( اتحادات جهوية – قطاعات ..) والساحة الجامعية سوى في تونس او فرنسا ومن ثم نجحت المنظمة " في بلورة اتجاه نقابي ديمقراطي عميق الجذور في صلب الحركة الطلابية التونسية وفي قاعدة الحركة النقابية العمالية الامر الذي كان له تاثير مباشر على تجذر النضال الديمقراطي في الجامعة التونسية في صفوف الطلبة الذين قاموا بانتفضة عارمة في 05/02/1972 رفعت شعارات معادية للنظام وجسدت القطيعة بينه وبين الحركة الطلابية واسهمت اسهاما فعليا في مقاومة الممارسات القمعية للحزب الحاكم الى درجة ان الجامعة التونسية اصبحت معقلا حقيقيا لليسار الجديد ...."[9]
ورغم ذلك سرعان ما دب التفتت والانقسام داخل المنظمة بداية من سنة 1974 وما بعدها ولعل العامل الذي سرع ذلك التشضي هو عدم التجانس الايديلوجي وبالتالي السياسي مما ولد عجزا عن تشكيل قوة طليعية راديكالية قادرة على رفع تحديات عدة :
أ‌- تحديد طبيعة علاقات الانتاج السائدة في تونس ( شبه إقطاعية شبه رأسمالية – رأسمالية مهيمن عليها ....)
ب‌- الموقف من النظام بعد بروز جملة من الصراعات داخل الحزب الحاكم وترتبات مؤتمره في 1971 .
ت‌- الموقف من المسألة القومية وحقيقة انتماء تونس للامة العربية او في كونها تمثل "أمة تونسية" مستقلة بذاتها والموقف من القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني .
ث‌- الموقف من الصراعات داخل المعسكر ااشتراكي ( الموقف من نظرية العوالم الثلاث الصينية ، الموقف من فكر ماوتسي تونغ .... )

وفي ظل عدم قدرة القيادة المسيرة للمنظمة بالتعامل مع الواقع التونسي والديناميكية السياسية ونتيجة لخضوعها شبه الكلي لتأثيرت المدارس الفكرية العالمية فضلا عن القمع الممنهج والإعتقالات المتوصلة والمحاكمات الدورية وتقييمات السجون وآثارها كل ذلك جعل المنظمة عرضة للإنشقاقات بسبب وجود عدة اتجاهات هي :
I.الاتجاه الاول : قدماء آفاق ومؤسسي المنظمة ويرون ان تونس بلد رأسمالي وان الثورة ستكون اشتراكية ضرورة في بلد يتبع العالم الثالث وان العامية هي اداة الاتصال مع الجماهير ، يقود هذا الاتجاه جلبار النقاش ( فرنكفوني الثقافة ، يهودي الاصل ...) وبالتالي لابد من التخلي على الماركسية الينينية باعتبارها تؤدي حتما الى الديكتتاتورية والعنف والتسلط ....
II.الاتجاه الثاني :وهم المنتمون اساسا للمنظمة بعد 1970 ويرون النظان التونسي بالكمبرادوري وتابع سياسيا وان طبيعة الثورة المقبلة هي ثورة وطنية ديمقراطية كمرحلة ضرورية للانتقال الى الثورة الاشتراكية كما يؤمنون بوجود أمة عربية وان تونس كبلد عربي اولا ويتنمي للعالم الثالث ثانيا وان اللغة العربية هي اللغة الصالحة لتكون لغة ادبيات العامل التونسي وصحافتها في الاتصال مع الجماهير ، لكن لطبيعة الانشقاقت داخل هذا الاتجاه مهدت في بعد الى التفتت الى أجزاء عدة :
§ العامل التونسي – الخط السائد : وهو التيار الذي تبنى النظرية الماركسية اللينينية وفكر ماوتسي تونغ في التنظيم بعد عملية التصحيح التي شهدتها المنظمة في مطلع السبعينات حيث رفع هذا التيار شعار " حرب الشعب طويلة الامد" كاسلوب لاسقاط النظام التونسي واعتبر سياسة الانفتاح التي يمارسها ليست اكثر من سياسة إجهاض للنضال الديمقراطي الوطني ، كما تبنى هذا الخط "الخط الالباني " للوصول للاشتراكية بدلا من الخط الماوي التقليدي ومن ابرز عناصره السيد أحمد نجيب الشابي ....
§ العامل التونسي – الخط الثوري : تتفق مع الخط السائد حول الموقف من الطبيعة الاجتماعية للسلطة القائمة بتونس وتتفق مع مجموعة 77 في تبني " نظرية العوالم الثلاث.....
§ العامل التونسي –مجموعة 77 : أكد انه يتبنى نظرية العوالم الثلاثة الصينية ، التي تقر بان العالم يتكون من "الامبريالية الاشتراكية السوفياتية ، والامبريالية الاميريكية " والعالم الثاني يتكون من دول اروبا الغربية والعالم الثالث هو بقية البلدان التي تتماثل ، كما يرى هذا الخط ان السلطة هي ممثل للطبقة البورجوازية الوطنية ورأى انها طبقة غير متجانسة وتشقها عدة تناقضات ... ومن ابرز عناصر هذه المجموعة المقيمين بباريس ، عبد الوهاب المجدوب وابراهيم رزق الله ومحمد الصدام ......
ولم تتوقف هذه الانقسمات حتى اختفت هذه الأشكال في بداية الثمانينات وبذلك اندثر جل ورثاء آفاق بعد أن حاولوا تواصل التجربة عبر جملة من التغييرات اهمها تغيير الاسم والشعارات مع مواصلة نفس الأساليب والنتائج....وارتكاب جملة من الأخطاء الإستراتيجية....( انظر فقرة العامل التونسي في الثمانينات ....)

ورغم ذلك فقد لعبت العامل التونسي دورا كبيرا في نشر وعي نضالي حتى عند غير مناصريها استفادت منه حتى الحركة الاسلامية التونسية الناشئة أنذاك بل وساهمت المنظمة في نشر كتابات فكرية وسياسية خارج الاطار الثقافي المائع لحزب الدستور في ظل العهد البورقيبي في آواخر السبعينات بل وتصدت لسياساته اللاشعبية بل وفي ظروف احلك فترات القمع حيث السجون والمعتقلات والهرسلة الممنهجة مما فتح امام الجماهير طريق النضال ضد الدكتاتورية البورقيبيية وتسلط الحزب الحاكم .....

[1] الحزب الشيوعي التونسي ، كراس " موجز تاريخ الحزب ، اهدافه ، تنظيمه " ، منشورات الحزب – تونس 1982 ص 9 .
[2] " الحزب ، المدرسة الأساسية ، الدرس الثالث : الشيوعيون والأمة " ، ص 20-21 – نقلا عن توفيق المديني " المعارضة التونسية نشأتها وتطورها " ، ص 61 ، ( منشورات اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2001 ) .
[3] وهو ما حاول حرمل تبريره وتفسيره ( الأخطاء والمراجعة النقدية ) ( تصريح حرمل لمجلة النهج العدد 5 اوت 1984 )
[4] من تقرير المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي التونسي ص 27-28 .
[5] من تقرير المؤتمر السادس للحزب الشيوعي التونسي ص 27.
6] من تقرير المؤتمر السابع للحزب الشيوعي التونسي ص 17-18 .
[7] د عبد الجليل بوقرة ، " حركة آفاق : من تاريخ اليسار التونسي "
[8] مجلة حقائق عدد 657 من 09/07/1998 الى 15/07/1998 .
[9] توفيق المديني ، " المعارضة التونسية : نشأتها وتطورها " ، مصدر سابق ، ص 108 .



علي عبد اللطيف اللافي
كاتب وباحث تونسي في شؤون الأحزاب السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.