بقلم: شكري بن عيسى (*) لم تكن مثل جولة مهدي جمعة في باريس.. فلم تكن لا وسائل الإعلام الرسمية ولا الخاصة تصور.. كما لم تكن الحراسة إلا من حارسه الخاص وحارس تونسي.. وحارسين عن بعد.. كما لم تكن مثل جولة جمعة مع الوزير الأول الجزائري بشارع بورقيبة.. قبل عدة اشهر.. بوجود عشرات الحراس.. واستنفار ضخم.. الملك كان مع ولي العهد وتشكيلة من الأطفال.. طبعا لن يكون بحال هذا التعليق بصيغة كتابة الإعلام التونسي الغارقة في التمجيد.. والإطراء.. ومن ينتظر هذا فلن يجد منه هنا شيئا.. المغازي متعددة وهامة من الحدث.. دون شك.. وما شد في الصدد هو الدعاية الكبرى التي قام بها محمد السادس لتونس.. والتي لا تقاس بعشرات المليارات.. ولكن اهملتها وسائل الإعلام التونسية.. التي لا تفهم في الاستثمار لفائدة الوطن.. أيضاً أن تونس آمنة بأهلها.. الملك وتشكيلته وقفوا كثيرا مع المارة بعد أن تجولوا وقطعوا شارع بورقيبة طولا إلى حدود باب بحر ولم يتفطن اليهم احد بحكم غياب الحراسة اللصيقة.. الأكثر أهمية أن الداخلية ليست هي الحامي للأمن.. وان الوجود المكثف للبوليس ليس هو الضامن للأمن.. الشعب التونس هو اصل الأمان بطبيعته المسالمة ووعيه المدني.. وحرصه الكبير على الاستقرار والسلم.. ورفضه القطعي لكل عنف مهما كان اجتماعيا أو سياسيا أو ارهابيا.. ليس لأنه ملك تقدمنا بتحيته وهو بجولة بشارع الحبيب بورقيبة في بدلة الدجين.. صديقي طلب منه بقوة أن يجد حلا لقضية الصحراء الغربية.. أما ولي العهد فهو من رغب في صورة معنا.. وبقطع النظر على الاختلاف مع طريقته في الحكم أو نزوعه الملكي.. وإنما من عدة منطلقات تقدمت أنا وصديقي لتحيته.. أولا، لأن ملك المغرب وولي عهده لم يكنوا محاطين بترسانة من الحراس.. ولا بمصورين.. ثانيا، لانه كان مُرَحِّباً.. ثالثا، لانه كان فرحا بجولته في شارع بورقيبة.. رابعا، لانه من باب الصداقة والأخوة العربية،، وجب الترحيب.. كممثل للشعب المغربي الشقيق.. خامسا، من منطلق دعايته للبلد بوجود الأمن.. سادسا.. لتوجيه الرسالة لوزراء تونس الذين يتحركون بعشرات الحراس.. والكاميرات.. سابعا.. لهذه الترسانة من "الشخصيات" التي تبحث ليلا نهارا على الحماية والحراسة الشخصية.. الشعب التونسي طبعا لا يُقَبِّل يد الملك.. والعاهل المغربي للحقيقة كان مسرورا جداً لذلك.. ما يجب الوقوف عنده بعمق، بقطع النظر عن حنين الملك لشارع بورقيبة الذي زاره سابقا قبل وضع التاج الملكي، وبقطع النظر عن رغبته الخاصة في الصدد، ان هذه الجولة كانت لها دلالات كبرى: - ان تونس بلد فيه جاذبية كبرى يصعب على من زاره مرة ان لا يستحضر ذكرياته وشوقه عند إعادة الزيارة لعيش اللحظات السابقة بعاطفة خاصة.. - ان تونس بلد آمن فعلا، لأن ملك المغرب هو بكل المقاييس شخصية استثانئية ولا يمكن بحال ان يعرض أمنه للخطر لمجرد "حنين" عارض.. - الملك له حنين ورغبة في الالتقاء بالشعب التونسي الذي شيد أكبر الثورات في القرن الواحد والعشرين.. - الملك هو الرئيس العربي الوحيد تقريبا الذي يزور تونس ويقدم اعترافا ثابتا بإرادة الشعب وثورته المجيدة.. - الملك يريد ان يستمد مزيد من الرغبة والارادة عبر زياراته للمؤسسات الشرعية والأطر الشعبية، لتعميق نهج الإصلاحات السياسية والدستورية التي انطلق فيها منذ سنين، ورسخها بعد التحركات الشعبية في أوائل سنة 2011، ويريد ترسيخها أكثر، خاصة وانه يمتلك التصميم والتنفيذ على تصفية الإرث الاستبدادي للحقبة السابقة.. - ما لا يجب ان يغرب عن البال ان الملك لا يتنقل خارجيا إلا نادرا، وبالتالي فالزيارة، بشقها الرسمي ومحورها الشعبي الهام، لها دلالات ومعاني هامة، أما التمديد فيها فكان تلقائيا حسب معاينتي الشخصية، ولكن كان فيه ردا صاعقا على نعيق اعلام المجاري ومشتقاته الخاسئة، التي روجت لتصدع العلاقات الراسخة بين الشعبين الشقيقين والقيادتين.. وضربة في خاصرة عصابة من القراصنة في المخربة في بحر الإعلام والحقيقة ومصالح تونس الحيوية.. المغرب يعتمد النظام الملكي، وهو نظام أكيد غير جمهوري، والمغرب تظل منقوصة السيادة باستمرار تحكم الإسبان في سبتة ومليلة حتى ولو بشكل غير كبير، وأيضاً التطبيع العميق مع "إسرائيل" منذ الحقبة الملكية السابقة، وهذه أمور كلها نعترض عليها في العمق، ولكن الأمر ليس بالسهولة الظاهرة لحله، فالمغرب رهين لتاريخ طويل مليء بالقضايا الشائكة، من مشكل الصحراء الغربية، إلى الجالية اليهودية العريضة إلى الانتشار الامازيغي الواسع، إلى المشاكل المتراكمة مع الجزائر، إلى الإرث الكبير للفساد والاستبداد والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان السابقة والارتباطات الدولية العميقة للمغرب مع الغرب. هذا زيادة على الفقر والتخلف العام الذي تشترك فيه اغلب الدول الأفريقية. طبعا هذه عقبات يصعب تجاوزها بسرعة، أو بقلب نظام الحكم والعلاقات الدولية في العمق، ولكن يسجل للملك الشاب شروعه وتنفيذه لاصلاحات عميقة وقربه من شعبه، وهو الذي قد تلتفت في مفترق الطريق في أي مدينة لتجده واقفا في "الضوء الأحمر" موجها لك التحية بكل تلقائية. لا يمنع ان القضايا المبدئية يجب حسمها أو على الأقل التصميم والشروع الجاد في حلها. القيم والمبادىء كل لا تجزأ.. ومن يفرط في البعض.. قد فرط في الكل.. الزيارة إلى تونس كانت آثارها وانعكاساتها إيجابية.. ليس أقلها التفاقيات المتعددة.. ولكن الاعلى عندي هو فضح قرصان الإعلام والحقيقة الذين كانت الضربة في نحوهم في العظم.. والشلل صار عندهم كبيرا.. في انتظار السحق الكامل في زيارة أخرى نتمنى ان تكون قريبة الاجل..