أبو مازن أهلا بشهر التقوى والعبادة و الإيمان، رحمة من السماء كرم الله بها الإنسان، شهر مفضل اختصه الله بنزول القرآن، كلام الله الهادي المنزّل للإنس والجان، نعشقك ونفرح لقدومك على مرّ الأزمان، وان أصابنا التعب و الإرهاق وأيقضتنا أحلام الجوعان. أقبلت و الخير معك فأنت الملهم للجود و الإحسان، و قد صفدت لأجلك المردة والشيطان، ولم يبق للفسق إلاّ النفس الأمارة بالسوء و البهتان. نرحل في مراتب العمر كل سنة وتبقى غضا شديدا لا يصرع ولا يهان، أنوار و خشوع و تراحم ينتشر في كل مكان، قد رافقت الصحبة الأولى عمر وعلى وأبا بكر وعثمان، و عاشرت أفضل الخلق صلوات الله عليه و سلامه عدد ما خلق من الإنسان. فأولك رحمة وأوسطك مغفرة و آخرك عتق من النيران، أعادك الله مرات ومرات لنطيعه وننال الغفران. ذلك شهرنا المتلألئ بأنوار العبادة والغفران، نستعد له كلما شهدناه بحب ورغبة وإيمان، و نتخذ من بيوت الله ملجأ للابتهال والصلاة وتلاوة القرآن، و نتهجد في بيوتنا آخر الليل حتى يرضى الرحمان، ولنا قدر من الأكل دون زيادة أو نقصان، فان فات حده انقلب أرقا و مرضا وديدان، وان قلّ لم نقدر على مجاراة شهرنا فنأفل كزهر الأقحوان. قد يقدم في حرّ الصيف فيتضجر الإمعة و يفطر ملحد بني علمان و قد يقدم في برد الشتاء القارس فيشتد ألم الجوعان، يراوح بين الفصول و الأوقات في حكمة و حسن تدبير الرحمان ، صوم لرؤية هلال وإفطار إن غابت شمس الأكوان. ولكن كلاما كهذا لم يغادر الكتب ورفوف الحيطان، قد طفقنا نسمعه في المواعظ و الدروس المنتشرة في كل مكان، شيخ و مصلون بين سجود و ركوع و تلاوة قرآن، كلام جيد يترك في المسجد حال إقفاله فتعاودنا غرائز الانسان، نهم و جدال وخصام واعتداء وطول لسان، كأن القوم في سائر الأيام يأتون منكرهم بكل أمان. فما بال رفوف المغازات قد أفرغت و امتلأت لحينها بإتقان، ثم أفرغت ثانية و عبثت يد الطيش و اللهفة والاحتقان، كلٌ يشتري و يشكو الحاجة والإملاق و النقصان. و ما بال الباعة والتجار في التسعير وزيغ الميزان، طرق عديدة وعديدة للتطفيف يتلوها وابل من قسم البهتان. وما بال نسوة صامت عن الأكل وتركت الحبل على الغارب للبس العريان، كأن الصوم جوع وعطش يعانيه الظمآن. حالنا قبل الثورة كبعدها لم يتغير بقدوم رمضان و رمضان، فرحنا نستمع لشرور أنفسنا و ننسى ذكر الرحمان، فهذا شهر "صولد" الإيمان لو كنّا نفقه لغة العصر والأوان، فلنغير طبعنا وننصرف عن صيام الجائع العطشان، فتنال النفس تهذيبا وتنعم بحسن الخاتمة و ولوج الجنان.