أبو مازن اليوم تأكدنا من خبر خروج ثلاثين مليون مصري دفعة واحدة للاحتجاج ضد حكم مرسي لما لاقوه من شظف العيش و غلاء الأسعار و سوء التصرف وسوء اختيار البطانة. اليوم علمنا كيف ولماذا أقبل قائد الانقلاب على فرس أبيض في حلة بيضاء فعالجتها الدماء المسكوبة في رابعة والنهضة وأردتها حمراء قانية وهذه يداه ملطخة بما اقترفت من قتل في حق شيوخ وشباب و نساء وأطفال. يومها أوعز المثقفون والفنانون المشتهرون أن للديمقراطية الحقّة ثمن باهض لا بد من سداده فحلّ الدستور و حُمل الناجون من المحرقة والرصاص إلى الزنازين حيث نالوا أحكام المؤبد والإعدام. يومها استغربنا هذا الإسراف في الأحكام فعللوا ثانية أن للديمقراطية الحقة ثمنها فصدقنا ثانية و دعونا أنفسنا للصبر حتى نرى مصر أرض الكنانة في نجاح مطرد تبني و تشيد تحت حكم الديمقراطية الحقة و نبيها المشير. مضت الأيام تتسارع لتكون أول انتخابات يمارس الشعب المصري حقه الانتخابي على حد قول اعلامهم فانتخبوا بنسب عالية جدا المشير رئيسا بسرعة عجيبة و في دورة واحدة أنستنا أبجديات الديمقراطية و ذكرتنا بنسب الدكتاتوريات. اليوم استقر الحكم للمشير و صرنا نترقب برنامجه لمصر ولنيلها و أهراماتها وسياحتها ومصادر طاقتها و ما يناهز المائة مليون من أبنائها، ينتظرون أن تضع الفوضى رحالها ويهدأ الوضع للعمل والجد رغم الجراح وفراق الشهيد إلى الأبد و مصادرة الأموال والجمعيات التي كانت تدر بالقليل الذي يقتات به مستضعفو مصر وهم كُثر. انصرف المشير إلى رحلة افريقية باءت بالفشل والى تقارب مع الجزائر فتفنن الجزائريون في التصدي لهذه الزيارة التي منع فيها الرئيس الانقلابي المنتخب من الاستقبال الرسمي. لم نعلم الى عدة أيام مضت دورا لهذا الرئيس الذي حافظ على نسق الفوضى والمحاكمات العشوائية التي أدانتها عديد المنظمات الدولية ولم نرى حفل تسليم السفراء الوافدين من عديد الدول العربية والإفريقية والعالمية أوراق اعتمادهم بعد تنصيبه رسميا رئيسا لطيبة الفراعنة وفسطاط عمر بن الخطاب وقاهرة جوهر الصّقلي. ولكننا اليوم علمنا ذلك الدور و فسرنا أحجية الانقلاب على مرسي و حكم الإخوان كما يسمونه هنا في تونس. لم تكن الغاية إصلاح ما أفسد الإخوان إن ثبت ذلك الإفساد ولم تكن انتصارا للديمقراطية في مصر ولم تحركه مطالب شعبية ملحة كما يدّعي هو و قبيله ولم يفوضه الشعب المصري بل... بل ... بل أوعزت إليه إسرائيل وهو العسكري المخابراتي المتمرس لغلق معبر رفح و هدم الأنفاق و تجييش سيناء وعسكرتها فتكون بذلك مصر حائطا شاهقا و سدا منيعا امام الفارين من نيران القنابل العنقودية والقذائف الصاروخية التي تدك غزة. لقد أقفل المعبر أمام سيارات الإسعاف ولم يبدي أي تعاون انساني مع من يستصرخه من الفلسطينيين بل ضاعف الحصار ومنع قوافل الدعم والمساعدة التي كانت تصل غزة في أمان أيام مرسي. و لقد رافق كل هذا الكيد لغزة وفلسطين وابل من التجني على المقاومة بنعتها بالخبل والبله و تحميلها مقتل الأبرياء من الأطفال والنساء. لقد أعلن وزير دفاع العدو هذه الأيام أن دولة مصر متعاونة في مقاومة الإرهاب وهذه لعمري أصدق شهادة تربكهم و تبين الدور الرئيسي الذي أنيط بعهدة المشير. بقي المصري فقيرا يجري وراء الفول والطعمية و يناله ما نال الطبل في أقسام البوليس فلا حرية ولا إعلام متعدد بل غسل صباحي و مسائي للمخ وكامل الجمجمة لكل ما يعتبر أصالة وعروبة و ما ينتسب للإسلام.