تحقق مطلب ملايين المتظاهرين من الشعب المصري بالاطاحة بحكم مرسي بعد عام على انتخاب مرشح الاخوان المسلمين بمصر وتوليه رئاسة الجمهورية. تحقق هذا المطلب، بعد اصرار شديد من ملايين المتظاهرين الذين احتشدوا بساحات مصر من جنوبها إلى شمالها. المصريون استطاعوا ازاحة مرسي بعد أن كانوا غاضبين على أدائه وعلى الدستور الذي تمت صياغته في عهده واعتبروه انقلابا على مطامح الشعب المصري في الكرامة والعدالة والحرية ولم يعبر عن تطلعاتهم ولم يكن عنوان توافق وطني وانما كان ميالا لأجندة حزبية دون المأمول والمرجو بعد تضحياتها الجسام أيام الانتفاضة على نظام حسني مبارك. يأتي هذا الانتصار بعد تحذيرات أولى وقبل انتهاء مهلة ال48 ساعة التي حددتها قوات الجيش المصري للفرقاء السياسيين للجلوس على طاولة الحوار وتجنيب مصر حمام دم وفوضى عارمة، ليعلن قائد القوات المسلحة المصرية عبد الفتاح السيسي مساء الأربعاء عن قرار عزل الرئيس محمد مرسي بعد التشاور مع القوى السياسية والدينية في البلاد وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت مع أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية مؤقتا الى حين تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. ويأتي انتصار الجماهير الغاضبة على مرسي بعد أن وجه هذا الأخير خطابا زاد في غضب المصريين وعبر عن تشبث شديد بكرسي الرئاسة دون أن يستجيب لمطالب الجماهير بل بالعكس زاد في اصرارها على الاحاطة بحكمه، وأتى قرار العزل رغم محاولات مرسي والاخوان التشكيك في دور المؤسسة العسكرية وبعد أن التجأ مرسي إلى الأمريكان محاولا التوسل لايجاد مناصرة خارجية وللضغط على قوات الجيش حتى لا تنحاز لمطالب الجماهير الغاضبة. ويأتي هذا الحدث منعرجا وتطورا نوعيا في ظل ما يعبر عنه ب«ثورات الربيع العربي» التي جاءت بالاخوان للحكم في هذه الدول، لتكون الاطاحة بحكم الاخوان بقطر مصر الدولة ذات الوزن الثقيل والمؤثر بالمنطقة خطوة أخرى تؤكد خلالها الجماهير قدرتها على تصحيح مسار ثوراتها وعدم الرضوخ للحكم الذي يحيد بمطالبها وطموحاتها في الكرامة والتحرر ولتؤسس لمرحلة أخرى من تاريخ المنطقة العربية. ليس انقلابا أن تدعم الجماهير المصرية قرار العسكر بعزل مرسي وأن توافق القوى السياسية المعارضة هذا القرار ومنها الشق الذي كان مؤيدا لمرسي زمن الجولة الأخيرة من الحملة الانتخابية ضد شفيق، يؤكد ذلك أن الجيش المصري انما عمل على تغليب المصلحة الوطنية ومطالب أغلب مكونات المشهد المصري بعزل مرسي وبأنه خطى الخطوة الحقة والصائبة المعبرة عن انتظارات المصريين. وأن يؤكد الجيش على التزامه بتغليب المصلحة الوطنية وتجنيب البلاد الفوضى العارمة وربما حمام دم، فان ذلك يؤكد أن الجيش المصري عمل على الاستجابة لواجب هذه المؤسسة الجمهورية وحماية مصر، لتترجم خارطة الطريق التي عرضها السيسي مطالب الجماهير في اقامة انتخابات رئاسية مبكرة وفي تصحيح المواد الدستورية التي لم يحصل حولها وفاق.وأن يتم تفويض قاض على رأس رئاسة الجمهورية وأن يتم التأكيد على العمل للتحضير لانتخابات رئاسية مبكرة، فذلك تطمين بأن العسكر لن يسطو على السلطة السياسية وانما حمى البلاد من شر الدخول في منعرج لا يحمد عقباه، بل أكثر من ذلك خاطب الجيش جميع مكونات المشهد السياسي ودعا «الشباب الاسلامي» الى التهدئة مؤكدا على وطنيتهم. ولكن النقطة الأبرز التي تؤكد أن الجيش المصري مضى في قراره تغليبا للمصلحة الوطنية، تعرضه للضغط الشديد من قبل الخارج وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية الممول الرئيس للقوات المسلحة المصرية والتي أكد مسؤولوها وعلى رأسهم أوباما على خوف واشنطن من تدخل العسكر في مصر. مرسي المنحاز غضب الجماهير المصرية على أداء مرسي لم يكن من فراغ، وانما كان نتيجة خيارات وأخطاء متكررة قام بها رئيس مصر في مرحلة صعبة وحاسمة في تاريخ بلاده، بل ان الرئيس الذي كان بالمفترض أن يكون رئيس كل المصريين انحاز الى جماعة الاخوان المسلمين دون غيرهم وعمل على تطبيق أجندة الجماعة دون اكتراث ببقية القوى. مرسي الذي انحازت له جماهير واسعة من غير أنصار الاخوان المسلمين وخاصة مرشح الناصريين واليسار حمدين صباحي في المرحلة الأخيرة من انتخابات الرئاسة مغلبة اياه على شفيق، لم يعتبر من ذلك وانما مضى باسم التعنت والشرعية في تطبيق خيارات حركته، بل ان الحوار غاب مع بقية مكونات المشهد ولم يكترث الرجل بالمعارضة ومطالبها ولا بالشارع المصري الذي بقي يغلي، باسم الشرعية و»الأغلبية». وباسم الشرعية الانتخابية، مضى مرسي وجماعة الاخوان في تسطير أجندة تخدم مصالح ومرجعية الاخوان وأتهم عدد من الوزراء بمصر بالفساد في ظل حكومة الاخوان، واشتدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بمصر الى حدود قياسية وذلك بسبب الخيارات الاقتصادية الفاشلة للحكومة الجديدة غير الناجحة والناجعة في انقاذ مصر واقتصادها. من جانب اخر صيغ دستور مصر الذي توقف العمل به مساء الأربعاء، بطريقة تذيل الحقوق والحريات للمواطن المصري وفي ظرف وجيز لم يسمح بمزيد التوافق والحوار حوله واعتبره شق واسع من المصريين عار على مصر ما بعد حسني مبارك. كل هذه الأسباب عجلت برحيل مرسي من القصر الجمهوري المصري، وزاد خطاب «الوداع» الذي ألقاه الطين بلة، حيث استقبل بالسخط والرفض من قبل الجماهير الواسعة المرابطة بالساحات والشوارع والتي انتظرت أن يتنازل مرسي وأن يغلب مصلحة الوطن ويفتح حوارا جديا مع بقية الفاعلين السياسيين، غير أن «الريس» المعفى من مهامه وباسم الشرعية حرض «أنصاره» ضمنيا بكلمات جياشة للعنف وللدفاع عن كرسيه بكل الوسائل. خطر العنف انحازت أغلب مكونات الحركة الاسلامية وخاصة الأجنحة الراديكالية منها الى مرسي، واعتبرت الملايين المحتجة من الشعب على سياسة رئيسها «مرتدة» وزنديقة، ورغم تطمينات الجيش الذي أكد سيطرته على مجريات الأمور، غير أن هذه المجموعات خطيرة على السلم الاجتماعي في ظل انتشار غير مسبوق للسلاح بمصر . ويبدو أن الأخبار الأولى الواردة من مصر بعد اعلان السيسي سحب الثقة من مرسي، أشارت الى تحرك عدد من المجموعات المتشددة خاصة في الجنوب المصري، اضافة الى اعتقال قوات الحرس الجمهوري والشرطة والجيش لعناصر اخوانية استعملت السلاح في وجه المتظاهرين قبل أيام من سقوط مرسي. من جانب اخر، فان قيادات من الاخوان حرضوا أنصارهم على «الشهادة» من أجل الشرعية ووصفوا المختلفين معه بأوصاف تكفيرية وتخوينية تحريضا عليهم ، بل لمح عدد من أنصار الاخوان من اعادة السيناريو الجزائري بمصر، وهو ما لا يمكن أن يحصل بحكم تغير الأوضاع وطبيعة مصر واصرار الملايين على التخلص من حكم الاخوان .. وتأكيد قواة الأمن الداخلي المصري على انحيازها وتنسيقها الكامل مع القوة العسكرية المصرية. من جانب اخر طالبت حركة تمرد وجميع القوى المعارضة بمصر باعتقال قيادات الاخوان المسلمين المحرضين على العنف، وأكدت قوات الجيش التزامها بحماية جميع المصريين، بل ذهبت الى مخاطبة «الشباب الاسلامي» حاثة اياهم الى تقبل قرار عزل مرسي والى مواصلة التحكم في النفس والى تغليب مصلحة البلاد. وخلافا لما يروج له الاخوان فان ا لعقيد أركان حرب أحمد محمد علي المتحدث العسكري للقوات المسلحة نفى الادعاءات خلال مداخلات تليفزيونية على شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية بقيام عناصر من الجيش المصرى بإستهداف المتظاهرين فى منطقة رابعة العدوية، وأكدت القوة العسكرية أنها أفرجت على جميع المعتقلين من صحفيين وتقنيين شاغلين بالمحطات الموالية لشيوخ الدين التي تم اغلاق بثها اثر اعلان نبأ عزل مرسي معتبرة ذلك اجراءات في ظل وضع ثوري. أمريكا تدعم الإخوان الى اخر لحظة أمريكا ظلت تدعم مرسي الى اخر لحظة، بل حذرت عن طريق قنوات رسمية من أي تدخل للجيش في العملية السياسية محذرة المؤسسة ومهددة اياها بقطع الاعانات عنها وبلهجة قوية غير أن الجيش المصري لم يكترث بذلك وانحاز الى الشعب المصري والى واجبه في حماية البلاد. ورغم تأكيد السفير المصري بالعاصمة الأمريكيةواشنطن، محمد توفيق إن الجيش المصري لم يقم بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي فان الأمريكان ظلوا يحذرون الجيش المصري من مغبة التدخل في العملية السياسية وخاصة المس من «الشرعية». وقد نشر الاخوان وأنصارهم يوما قبل عزل مرسي أخبارا أكدوا خلالها حصول اتصال هاتفي جمع مرسي بأوباما ، ومن ناحيتها نشرت السفارة الأمريكية بياناً لها مساء الثلاثاء وصفته بأنه «ملخص مكالمة الرئيس أوباما مع الرئيس مرسي من مصر» وذكرت السفارة الأمريكية أن الرئيس أوباما قام بالاتصال بالرئيس مرسي يوم الإثنين غرة جويلية للتعبيرعن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في مصر. حيث قال أوباما لمرسي بالحرف الواحد : «الولاياتالمتحدة ملتزمة بالعملية الديمقراطية في مصر وأنها لا تدعم أي حزب واحد أو مجموعة، مشدداً على أن الديمقراطية هي أكثر من مجرد انتخابات ، بل هي أيضاً ضمان أن تكون أصوات جميع المصريين مسموعة وممثلة من قبل حكومتهم، وذلك يتضمن العديد من المصريين الذين يتظاهرون في جميع أنحاء البلاد». وتؤكد مختلف التقارير وأيضا القراءات أن الولاياتالمتحدةالأمريكية دعمت لا الحكومة الاخوانية بمصر فقط وانما دعمت الحكومات الاسلامية التي صعدت الى الحكم اثر حراك الربيع العربي، خاصة أن هذه الحركات أبدت استعداد كبيرا للتعاون مع الولاياتالمتحدة وتقديم التنازلات لها. كما كانت هذه الحكومات أول مدعم لما يعبر عنه ب»الثورة» بسوريا التي تدعمها بقوة الولاياتالمتحدةالأمريكية وأكبر حليف لقطر الدولة الحليفة لسياسات أمريكا بالمنطقة. سوريا رابحة..وتونس على خط التماس كانت أول ردات الفعل السورية الرسمية مدعمة للحراك الشعبي بمصر ومن ثمة مهنئة للرئيس المصري الجديد خلف مرسي مؤكدة أن هذا الحدث يمثل منعرجا في المعركة الدائرة بمصر، خاصة أن حركة الاخوان المسلمين كانت دعت أنصارها للجهاد بالتراب السوري ضد نظام بشار الأسد. وخلافا لصمود سوريا أمام «المد» الارهابي الكبير الذي يهددها، والذي أدخل البلاد في حرب أهلية خطيرة، فان سقوط أكبر حكومة اخوانية تقودها الحركة الأم للاخوان المسلمين الداعمين للمقاتلين الاسلاميين الراديكاليين بسوريا يدعم الموقف الرسمي السوري وقد يؤدي الى تراجع مواقف القوى الكبرى الداعمة للتمرد بسوريا خاصة بعد أن ثبت أن الجماهير العربية ترفض وتمقت الحكم الاخواني الذي أثبت فشله الى الان.من ناحية أخرى، ولئن استبعد علي العريض الوزير الأول التونسي امكانية أن تشهد تونس نفس السيناريو الذي تعيشه مصر، غير أن تواصل المرحلة الانتقالية والاختلاف الشديد الذي يشق نواب المجلس التأسيسي حول الدستور الذي تمت صياغته مؤخرا اضافة الى بروز شق واسع من الرأي العام التونسي معجبا ومساندا للحركة الاحتجاجية المصرية، قد يكون له تأثير على مجريات الأمور في المرحلة القادمةن وقد تكون المبادرات الشبابية الاحتجاجية الأولى التي يقودها بعض الشباب في تونس انطلاقة لمرحلة جديدة من الحراك الشعبي المتواصل بالبلاد.ويعد هذا الحدث منعرجا هز المنطقة بأسرها، وقد يجعل مخططات القوى العظمى وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بالشرق الأوسط تعيد حساباتها في دعمها للحركات الاخوانية خاصة أن الجماهير العربية العريضة أكدت رفضها لحكم الاخوان في أقطارها. وقد يؤدي هذا الحدث الجلل الى تصحيح مسار الثورات العربية برمتها، والتي انحرفت في أغلبها عن مسارها وعن مطالب الجماهير التي قادتها والتي كانت طالبت بالتحرر والحرية والكرامة ولم تكن تتوقع أن ينتخب الاسلاميون ويفشلون في الحكم ويحاولون اجهاض الانتقال الديمقراطي الذي شهدته المنطقة.