أبو مازن أحيوا تراثه في بضع شهور و رددوا كلماته و مقالاته عبر وسائل الاعلام، ثم كسوا وزيره السترة والسروال بنفس الألوان التي كان يختارها الزعيم. جعلوا على عينيه نفس النظارات السوداء و صففوا شعره كما كان يفعل في سبعينات القرن الماضي. اتخذوه عجلا له خوار يعبدونه حتى يعود موسى بالألواح، عفوا حتى يجدوا زعيما جديدا يقدمونه للرئاسيات، بحثوا في كل الأركان والزوايا فوجدوا المنخنق و الموقوذ والنطيح والمتردي و ما ترك السبع. لقد كانوا على عجل من أمرهم فالانتخابات تداهمهم و الرصيد البشري والفكري في أدنى مستوياته. لم ينسى التونسيون مظالم الماضي و تعتعة التنمية في ربوع الشمال والجنوب. لم ينسى التونسيون المعلم المنفي في أقاصي الأرياف الذي بقي معزولا عن بقية العالم رغم تكنولوجيا الاتصال ولكنه ظل المربي والأب والسند لأطفال ظلمتهم سياسة قيل أنها حكيمة صنعت العجب في أرض الخضراء. كانت الأيام تمضي و وزيرنا الهرم الذي استدعي من الاحتياط يقود مرحلة انتقالية كللت بنسبة من النجاح لما تظافرت جهود الشعب بأسره، فحمت روابط الثورة المنحلة امتحانات دورة الباكالوريا و نظمت لجان شعبية حملات النظافة في غياب شبه تام لمؤسسات الدولة ولكنه نسب كامل النجاح له ولفريقه فتعجل النتائج و تبختر بين خلانه يطلب المجد والحكم والرئاسة فيتنعم بقرطاح و قصرها. لقد كون مع فريق عمله الحكومي آنذاك حزبا اتخذ البورقيبية فكرا و منهاجا فاستغرب الشباب هذه القهقرة الى الوراء و داعب الشيوخ والعجائز نجاحات الماضي المفبركة فهبوا ينصرونه و يصفونه بالمنقذ للوطن من براثن الارهاب والفوضى والفساد و... كانوا ينتظرون لم شمل الثورة المضادة تحت امرته ليضربوا ضربة واحدة الأصوات المنادية بالتجديد والانتصار للمستقبل و اللحاق بمصاف الدول المتقدمة و تقليدها في ديموقراطياتها و صناعاتها ونجاحاتها، ولكنهم كانوا يرددون أقوال الزعيم و يمجدونه و كأننا نعيش ستينات القرن الماضي حين كان التلفاز بالأسود والأبيض. لقد اشترك في صنع هذه الأكذوبة نخبة القوم من جامعيين واطارات و وزراء سابقين و كذلك معارضون للزعيم و للفترة التي تلته فدافعوا عن تلك الاطروحة و عن قدرة شيخهم على ادارة البلاد في المرحلة القادمة رغم تقدمه في السن. لقد حالفه حمه بمنجله ومطرقته و سمير بقطبه و مساره وكذلك فعل أزلام التجمع فنصبوه خليفة للزعيم كما يقولون ولكن الأيام خداعة، لقد خذلوه جملة وتفصيلا و تركوه مع بعض قطط السياسة، على رأي صحابو، التي لا تحسن الا المواء و تسلق الاشجار كلما هب خطر محدق فتختفي في رمشة عين. ها هو النداء الذي صنعه خليفة الزعيم ينقسم نصفين ثم يتبعثر كل نصف الى أجزاء وأشلاء فيحدثك كل برأيه ثم ينسبه موقفا رسميا للحزب الأقوى في البلاد كما كانوا يزعمون أو كما كان يروج الاعلام و مرتزقة سبر الآراء. ها هو صنيعة الشهور الذي حاول يائسا ان يلتحق بالثورة فرشح وزيرا هرما لسدة الرئاسة ثم أردف بمحافظ للبنك المركزي أيام المخلوع لنفس المنصب فاضطرب من ساندهم لشهور ومن دافع عنهم أيام اعتصام الرحيل، ولم يعد يميز بين العليل و السقيم. لقد ضربت تلك القاعدة الشعبية المزعومة وعجلت حماقات قيادات النداء في تشتيتها و راحوا يراجعون المواقف و يتخذون اعلاما مختلفة يساندونها في قادم الأيام. وارتأت فئة ثانية التزام الصمت والانصراف عن الانتخاب بعد خيبة الأمل. ان ما يصنع على عجل لا يمكن ان يثبت أمام هزات الحياة بمرها وحلوها فهو الصلد المنكسر كلما بطش وقسى وكلما زور الحقائق و كذب على الناس، و هو اللين المتحلل كلما فر بجلده خارج البلاد بعد أن أوغل في الفساد والسرقة والرشوة. حفظ الله تونس من الماضي التعيس الذي بدد ثرواتها و أضاع هويتها و أسس لدكتاتورية مقيتة نالت من دماء ابناءها.