أبو مازن زعموا أنّ ثورة ثانية انطلقت في الداخل وفي المناطق المحرومة تنشد التنمية و العدالة الاجتماعية والكرامة، تلك الثورة التي يقودها أطراف مهمشة انتظرت انجازات الثورة الأولى ولكنها لم تلحظ أي تغيير بل زادت الأزمات تفاقما وبقيت أريافنا على حالها تعاني الخصاصة و الخدمات العامة و تمد يدها للتهريب و الإرهاب. كذلك روج الإعلام اللئيم صورة القلاقل التي زامنت تلازم المسارات و استقالة حكومة الترويكا، زد على ذلك تشريع القوانين الضريبية آخر السنة المنقضية، تلك التي بخلت قنواتنا التلفزية بتقديم الإيضاحات حولها، فبقي المواطن حيرانا لا يعلم إن صدق الفايس بوك أو وزير المالية. انطلقت ثورتهم بالحرق والتخريب وسرقة المال العام، فكانت أهدافهم القباضات والبنوك ومراكز الامن والحرس ولم ينسوا خصمهم السياسي فأحرقوا بعض مقار حزبه متنادين: واحدة بواحدة وكأن اليوم يشبه الأمس. لقد برعت صفحات التواصل في الاشاعة و تسميم الافكار فحاولت جاهدة خلق "أصهارا طرابلسية" جدد ولكنها فشلت ثم عمدت تنبش في بريد غرمائها الالكتروني فلم تجد ما يشفي غليل الانتقام الذي تغديه الاحقاد. ولما هلّ الحوار الوطني الذي فرضته الاجندات الخارجية كلما ولول النداء والاتحاد في سفارات كبريات الدول، فقبلت مكونات السلطة بمرارة هذا المنحى واعدت له اجندات لانفراج ازمة حكم في بلدنا العزيز. و لكن جبهات الخراب لن تتخلى بسهولة عن ايديولوجيا الكفاح والعنف، فجاس زعماؤها خلال المناطق الداخلية و خصّوا المعتمديات السباقة في ثورة 2011 بالزيارة والنيارة. لقد لاحظ المتفرج المتابع لقنوات العار قرب كاميرا التصوير من المحتجين حتى يخالهم كثر وهم بضعة نفر، وقد تفطن أيضا لنعت المحتجين بالأمس القريب بالمنحرفين يوم قدمت الاستقالة، فتخلوا بذلك عن جحافل المردة واللصوص وقطاع الطرق والمخمورون الذين أُجّروا بالمال و الزطلة وغيرها و سلحوا بالسكاكين والمطاوي و العصي. ففي لحظة فارقة أضحى الاحتجاج الشعبي المزعوم مجموعات تخريبية جد الأمن في القضاء عليها وتشتيت صفوفها و خفتت أصوات المطالب الاجتماعية فعدنا لاحتفالياتنا وعادت قنواتنا الى الرقص و الغناء. كذلك يشترون عقول المواطنين بأبخس الأخبار و يدمرون ديمقراطية ناشئة تعددت اخطاؤها ولكنها أضحت واقعا لا يمكن الاستغناء عنه والعودة "لحامي الحمى والدين" والشعبة و سطوة المناطق الساحلية على مقدرات البلد وثرواته. يؤسفني حال اللصوص وقطاع الطرق الذين أضحوا يتكلمون في السياسة وقد نالوا من جيب المواطن ومن أمنه. فهاهم يتنادون برجوع المخلوع ورجالاته وكأنه قد امتن عليهم بسجن خمسة نجوم أيام حكمه او سهل عليهم طرق النشل والسرقة و التهريب. و يؤسفني ذلك المحتج العفيف النظيف الذي يساند منطق اللصوص و يشمت في حرق القباضات والبنوك ومراكز الامن نكاية بخصمه الانتخابي وينسى انه ظلم منذ عشرات السنين ويتناسى تعاقب الحكومات و السياسات على ريفه ولكنه بقي معزولا يجلب الماء من بئر مهجور و يبيت في كوخ جمع حطبه من هنا وهناك. لعل ثورة الكرامة قد حادت عن طريقها ولعل أهل الثورة السلمية سيهبّون فرادى وجماعات لارجاعها إلى أصل مسلكها ولكن اللصوص و قطاع الطرق لن يصنعوا ثورة ولن يصلحوا من أمرها فهم أبعد الناس عن الإصلاح و التهذيب إلا من هدى الله و صرفه عن إيذاء المجتمع.