لو تم نهار الثلاثاء الماضي تفجير البيت الأبيض ومبنى المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي أيه) في لانجلي، من قبل أطراف تعاديها أمريكا، لكان لذلك العمل مشروعية "ثورية" على الأقل، ولكن أن يتم استهداف مبنى تجاري يؤمه 150 ألف شخص يوميا وليس بينهم من أصدر وعد بلفور، أو أعطى إسرائيل مقاتلات إف 16، أو أسرار تصنيع السلاح النووي، فهذا ما أستهجنه وأستنكره جملة وتفصيلا... وأتمنى من أعماق قلبي أن لا يكون هناك شخص مسلم أو جهة مسلمة وراء هذا العمل، نعم أمريكا ظلت تعادينا على مدى التاريخ المعاصر، وظلت تستخف بقدرات وأرواح الشعوب المقهورة كافة وتهضم حقوقها، ولكن حرب أمريكا لا يكون بتفجير مبنى مدني، ولو كان ذلك المبنى سفارة... وأبشع ما في المسألة أن يكون بضع مئات من الأبرياء الذين شاء لهم القدر أن يقرروا السفر إلى جهات مختلفة داخل الولاياتالمتحدة، أول ضحايا الأحداث التي سمتها قناة سي إن إن الفضائية "أمريكا تتعرض لهجوم"... ومن بينهم عشرات وربما مئات الأطفال الذين لم يسمعوا بجورج واشنطن أو فيتنام ولا يعرفون أن بلدهم حول إسرائيل إلى خازوق ينخر في الجسم العربي... بأي ذنب قتلوا؟ وهل هناك ما يبيح أخذ البريء بجريرة المجرم؟ ضرب البنتاجون مفهوم بل ومشروع إذا كان الجاني من ضحايا أمريكا وما أكثرهم... ولكن استخدام بشرٍ (ركاب طائرة مدنية)، ذخيرة لتنفيذ ذلك الهجوم، أمرٌ مستهجن بكافة المقاييس، وفي كل الأحوال فإن هذا الضرب من العنف لن يحمل أمريكا على تغيير نظرتها للعالم، وقد هُزمت أمريكا في معركة بيرل هاربر، وحرب فيتنام التي خسرت فيها 150 ألف قتيل، وهيبتها، ولكنها بقيت سادرة في غيها، فالقوة العظمى لا تدير أمور نفسها في ضوء اعتبارات عارضة، بل إن غطرسة القوة لن تجعل أمريكا تدرك أن ترسانتها القادرة على نسف الكرة الأرضية عشرين مرة لا تجدي أمام خلية من عشرة أشخاص عازمة على مناطحتها، وأن الدرع الصاروخي لبرنامج حرب النجوم قد يقيها ضد ضربات من روسيا أو الصين ولكنه لن يجدي في وجه من لديه الاستعداد لتفجير نفسه باقتحام مستودع للأسلحة النووية في صحراء نيفادا، ساحبا معه إلى القبر بضعة ملايين. والشماتة في الموت عيب! عيب أن نفرح، مهما بلغت كراهيتنا لأمريكا لأن ما حدث خلف نساء ثكلى وأرامل وأطفالا أيتاما بالآلاف! عيب أن نسقط كراهيتنا لأمريكا الدولة على أمريكا الشعب، والقول إن الأمريكيين يتعاطفون مع إسرائيل حجة علينا وليست لنا، لأننا لم نعمل قط على استمالتهم وهم لا يعرفون عنا سوى إننا الأمة التي اخترعت الرقص الشرقي والفلافل... ولو كان - لا قدر الله وراء هذا العمل مسلم - فسندفع جميعا ثمنا باهظا، فعلى أقل تقدير فإن مئات الآلاف بل الملايين منا الذين يواجهون الاضطهاد والملاحقة في أوطانهم لن يجدوا الملاذ الذي يحلمون به في أمريكا!