بقلم: شكري بن عيسى (*) الآن وقد اغلقت مكاتب الاقتراع، اكاد اجزم بأن المرشح للدور الثاني للرئاسة فرّط في فوز محقق ولم يستثمر تغيّر موازين القوى الفعلي والظرفي الذي ساقته الاحداث لفائدته منذ تصريح منافسه السبسي لاذاعة RMC الفرنسية والذي فتح الطريق واسعة لعودة المرزوقي لقرطاج من جديد.. وفي كل الحالات فقد بقيت الحظوظ متقاربة ولا يمكن لاحد التكهن بما ستؤول اليه النتائج قبل "الاعلان النهائي" للنتائج.. اقول "الاعلان النهائي" وليس "الاعلان الاولي" لأن الطعون القضائية هذه المرة ستكون مختلفة على الدور الاول باعتبار ان الغاء نتائج عشرات المكاتب ستكون انعكاساته جوهرية وقد تقلب الموازين لفائدة هذا المترشح او ذاك.. الثابت ان الفارق بين المترشحين في الدور الاول ضيق جدا (في حدود 6%) مع عدم تجاوز السبسي لحاجز 40% واذا ما عزلنا نتيجة المتنافسين في النهائي على حدة وجدنا الفارق لا يفوق 8% اي 54% للسبسي مقابل 46% للمرزوقي.. وهو فارق ضعيف كان في المتناول جسره وتحقيق فارق محترم لفائدة المرزوقي خاصة مع ضعف الحملة الانتخابية لخصمه الذي تعثر في الانطلاقة بخطاب معاد لناخبي المرزوقي وحتى ناخبيه الذين امتعضوا من تصريحات لوسيلة اعلام اجنبية فيها تحامل على جزء مهم من التونسيين.. وايضا لافتقاده القدرة البدنية والذهنية للتحرك ميدانيا بالقدر المطلوب.. المرزوقي حصل آليا زيادة في عدد ناخبيه اساسا في الجنوب والوسط من هذا التصريح بزيادة تقارب ال 15% اي ما يقارب 100 الف.. فضلا عن تخلي عدد عالي من ناخبي خصمه تقدر بعشرات الالاف لفائدته لنفس السبب.. المرزوقي ايضا سيستفاد آليا تقريبا من ناخبي النهضة الذين تفرقت اصواتهم في الدور بين الحامدي وفريخة والكيلاني وحمودة بن سلامة وايضا الشابي وبن جعفر وصافي سعيد.. دون نسيان المقاطعين.. الجزء الذي سيلحقة لن يقل عن 100 الف وقد يصل الى 200 الف في احسن الحالات.. ما يصل في المحصلة الى تفوق او في الحد الادنى الى تساوي في الارقام.. المشكل هو في رقمين اساسين 255 الف التي تحصل عليها الهمامي و181 الف التي حصدها الرياحي.. الاكيد ان جزء يعادل الثلث من حصيلة الحامدي ستذهب للسبسي.. والمنتظر ان انصار الرياحي والهمامي ستنقسم اصواتهم بين ثلاثة اما المرزوقي او السبسي او الحياد بورقة بيضاء او مقاطعة.. ولكن الاكيد ان الاغلبية ستذهب للسبسي.. وقد تفوق 200 الف في حين قد يحصد المرزوقي منها ما يقارب 50 الف.. الاكيد ان نسبة كبرى لن تختار من الاثنين وقد تعزف عن الاقتراع كما ان قرابة 250 الف المتخلفين في الدورة الاولى لا نعلم بالضبط اتجاههم.. الاكيد ان جزء منهم سيتخذ نفس الموقف.. ايضا مليون و 700 الف الاخرين من المقاطعين في الرئاسية اكيد سينضم البعض منهم في اختيار ساكن قرطاج ولكن لا ندري بالضبط كم سيكون الرقم بعشرات الالاف ام بمئات الالاف.. في النهاية الارقام تبقى متقاربة والتكهن يظل صعبا لكن ما تركه السبسي من فراغ كبير وسجله من اخطاء ووقع فيه من عثرات لم يستثمرها المرزوقي بالشكل المطلوب واذ حققت الحملة تطور في الصورة وفي الاتصال وفي الشعارات وفي الابتسامة وفي حضور العائلة وتحقيق نشاطات عالية القيمة (القبة وسيدي بوزيد وجولة الجنوب وتجمع النفيضة..) فان الاستراتيجيا الاتصالية الاعلامية لم تحقق اقصى ما يمكن من نتائج كانت متاحة عبر محاصرة الاعلام وتضييق المراقبة القانونية عليه و عبر الظهور المرئي او الظهور الاعلامي الذي كان متواضعا.. تثمين الميزات لم يتم كما ان انتهاز الفرص لاستغلال ضعف واخطاء المنافس كان ضعيفا.. الاكيد ان انضمام الجيلاني الهمامي وشرف الدين القليل كان ذا قيمة عليا لتخفيض معاداة اليسار ضد المرزوقي.. ولكن لم يتم استثمارهم عاليا لكسب جزء معتبر من ناخبي حمة في الدور الاول.. وكذلك ترشح المدير العام للامن "المتورط" في احداث الرش بسليانة في قائمة محمد الناصر على حزب نداء تونس بالمهدية.. استغلال سن السبسي والشهائد الطبية والتصريح بالممتلكات والمناظرة لم يكن عاليا وبدا متعثرا في جانب كبير.. الغرق في الجهات كان كبيرا في حين ان المعركة بالاساس دعائية اعلامية اتصالية.. والاستراتيجيا تقتضي حصر التحرك الاكبر في هذا المضمار واللعب اقصى ما يمكن على "الظهور" la visibilité والشعارات والمضامين الكبرى وتجديدها واعتماد خاصة التشريح في الخطاب la segmentation وفئات اليسار والمرأة والشباب وعمالنا بالخارج والمعوقين لم يتم "استهدافهم" بالشكل الكافي.. يصعب كما اسلفت التكهن، حتى مع اظهار تقدم للسبسي في "استبيانات الخروج من الصندوق"، ولكن هناك فرضيتن بعد التفريط في انتصار كان واضحا.. اما ان يكون التوجه "محافظ" فيكون الفارق لفائدة السبسي بما يزيد قليلا على 52% مقابل اقل من 48% للمرزقي وفي الحالة المعاكسة بظهور اتجاه "تغييري" فالنتائج ستكون قريبة جدا وقد يفوز هذا الطرف او ذاك بفارق قد لا يتجاوز النقطتين.. الاكيد ان الطعون لدى المحكمة الادارية التي ستستغرق اسابيع ستحدد مآل الانتخابات.. والتوثيق عن طريق عدول التنفيذ سيكون الاساس للاثبات في معاينة التجاوزات والجرائم وتسجيلها من الطرفين.. اما تقارير "الايزي" في معاينة المخالفات المختلفة يوم الاقتراع وطوال الحملة الانتخابية وايضا تقارير "الهيكا" في معاينة الالتزام بالمعايير الاعلامية المضبوطة لتغطية الحملة الانتخابية للطرفين فستكون من الاهمية بمكان لتحديد الفائز.. فقد يكون فارق الفوز بعض عشرات الالاف من الاصوات.. ولدائرة المحاسبات قد يكون حسم النتيجة ولو بعد اشهر بعد تقييم احترام قواعد التمويل للحملة بالنسبة للطرفين..