احتفالا بذكرى عيد الاستقلال، طالب السيد المنصف المرزوقي الدولة التونسية بحلّ رابطة حماية الثورة "إن تأكد أنها مليشيات مخيفة". أوحى للسيد الرئيس، بهذه الفرضية، أصدقاؤه من سدنة المجتمع المدني القديم، أقصد لما قبل الثورة، وسدنة التيار اللائكي واليساري، لا مشاحة في الاصطلاح إن قلت خصوم التيار الاسلامي وكفى. أذكر هنا قصّة ذلك المنجّم المسكين الذي طلب منه سلطان بلده أن يفسّر له حلما. فقال: تموت يا سيدي السلطان بعد شهر. غضب السلطان وقال له إن كنت سأموت بعد شهر فإنك ستموت الآن. ومات المنجّم بأمر الحاكم. قلق السلطان وأراد أن يتأكد من تأويل حلمه عند منجّم أخر. لمّا جاء المنجم وسمع الحلم قال له: تعيش يا سيدي السلطان شهرا آخر، استبشر الحاكم بفعل "عاش" وترك المنجّم يعود سالما لأهله، ودفع الأول ثمن استعمال فعل "مات". والنتيجة سواء. لا ضير إذن أن يذكر الرئيس أن رابطة حماية الثورة تخضع كغيرها للقانون وأنها لابد أن لا تكون كما قال وأوحى بذلك "مليشيات مخفية" لغريم سياسي قوي هو النهضة، كما يتبجح بذلك من أضرموا النار في الحياة السياسية والنقابية والاقتصادية منذ تشكل المجلس التأسيسي بغية إقصاء التيار الاسلامي من الحكومة وحتى الحياة العامة. ولكن ما أراه محزنا أن يعيد السيد الرئيس، لجميع التونسيين بالفظ والعبارة، كل اتهامات أعداء رابطة حماية الثورة, بصيغة شرطية موحيّا بأن الأمر قد يكون كذلك (فعل مات) متجنبا الصيغة الشرطية الأخرى الملائمة لفعل "عاش" أي أن رابطة حماية الثورة جمعية تونسية مثل غيرها تتمتع بحق التنظم والنشاط, ولا يحق الحديث عن حلها مادامت تحترم القانون. السيد الرئيس ركب إذن موجة ركبها خصوم تقليديون للتيار الاسلامي، أزعجهم أيما إزعاج التحول الجارف للمجتمع المدني نحو حساسية شعبية واسلامية مرتبطة بالهوية, وهم الذين تربعوا على عرش الانفراد بالنطق باسم هذا المجتمع المدني المصقول بفأس الدكتاتور واليسار الاستئصالي الذي اختبأ داخل ثنايا "جبته". وما أزعجني أكثر أن يقع تسويق هذا الإيحاء السياسي من رئيس الدولة، وهو يعلم أن الفيصل في هذا الموضوع قضائي محض لا دخل فيه للسلطة التنفيذية إذ أن الجميع بما فيهم الرئيس يستطيع أن يرفع قضية في الخصوص لكي يتسنى للقاضي الرقابة على نشاطات رابطة حماية الثورة أو الاتحاد العام التونسي للشغل..إلخ.. لكي نبني الدولة المنشودة على أي مسؤول الالتزام المطلق واللامشروط بالحيادية والفصل التام بين الدعاية السياسية وهي للأسف من النوع الرخيص في تونس هذه الأيام والمهام التكليفية الرسمية. رابطة حماية الثورة شرّفت الثورة وحمت البلاد في أوقات عصيبة، ومكنت المرزوقي أن يعود من غياهب الشوارع الباريسية المنسيّة إلى قصر قرطاج، وغيره من المناضلين الذين كانوا في مثل حاله كثير. لا أطلب إذا من المرزوقي أن يشكر رابطة حماية الثورة لأنها مهدت له طريق الرئاسة، بل أطلب منه أن لا يكون سيفا مسلطا عليها وهي التي لا تريد سوى أن تكون جزءا من جسم ينمو بتونس ما بعد الثورة, بل منسجم معها وحام لها. وإن لم يتسن لي الانتساب إلى هذه الروابط وقد أخالفها الرأي والفكر فإني أقول كما قال الحكماء: أخالفكم الرأي لكني أموت في سبيل أن يحترم رأيك. وأهلا بالرياح الأربع تصفّر في زوايا البيت إن كانت هذه الرياح لا تعبث بالأركان.